جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
آراءAkid Bendahou

القضاء و العدالة الشعرية

 

القضاء و العدالة الشعرية

العقيد بن دحو

الأدب و الفن و الثقافة مرأة عاكسة لواقع معاش الشعوب ، محاكاة لافعال نبيلة ، الهدف منها ان يحقق وحدة عتبة التوازن بين الإنسان و المحيط لغاية التطهير او التكفير من ادران انفعالات النفس ؛ او التفكير و التغيير و كذا التجريد و التجريب من أحوال العباد و البلاد ؛ الحيوان وقوقعته و كذا الإنسان و بيئته.

العديد من الناس لا تعرف بأن فكرة : " الجريمة لا تفيد " ، و فكرة : " القانون لا يجب أن يكون مناهضا للعدالة " ، و ايضا كلمة: مسرح الجريمة " كلها كلمات و أفكار كانت في البدء فنية ادبية ثقافية قبل أن تكون قضائية او ما يميز العدالة من قيم فنية و ذائقة فنية ؛ لاحظ كلمة ( ذوق) !.

اذن ليس صحيح القوانين التي تسير بها القضاء او العدالة مادة صماء كجلمود صخر حطه السيل من عل !.

هذا اذا ما ادركنا ان القاضي ووكيل الدولة و محامين و كتاب الضبط ؛ و محلفين هم انسان بالمقام الاول.

اخيرا صار القضاء فن من الفنون ؛ اذ القاضي لم يعد يكتفي بمجاراة التاريخ و يعتمد على السبر و الرصد و التحقيق القضائية، و انما صار يرى بما يراه الفنان الإنسان لونا و إضاءة و كتلة و مساحة و نسبة و تناسب، او بتعبير آخر الإنسان مضافا إلى الطبيعة.

وعندما يكتب الكاتب عن العدالة في مجرى التاريخ و الزمن نقدا و انتقادا ، فهو لا يلوم طرفا محددا بعينه ؛ و انما يريد من عدالته كما يجب أن تكون ، ليست عدالة أصحاب الحق الالهي كما كانت عند الاغارقة القدامى ؛ حين كان القضاء و القدر بمعنى الاسطوري ؛ الثلاث الآلهة الذين يتحكمون في مصائر البشر: ( كلوثو/Clothos - بارك/Parque - اثروبوس/Athropus ).

وحتى الشرطة رأينا كيف صار الادب و علم النفس يشير اليها ، فالمجرم الهارب من العدالة او الهارب من السجن ، ثم بعد مدة من البحث المضني من لدن الهيئات الامنية الداخلية والخارجية (الانتربول) المجرم او المتهم  يجمع قواه ؛ يتحامل على نفسه ثم يسلم نفسه من تلقاء نفسه (التلقائية)!.

بالواقع هذا المجرم او هذا المتهم او هذا الهارب لم يسلم نفسه ، و انما ألقي عليه القبض من قبل الوازع الاخلاقي ؛ الضمير سماه علم النفس بشرطي الاعماق.

ثم عندما يحقق النص الأدبي او اللوحة الفنية او المنحوثة او القطعة الموسيقية او المسرحية او المشهد السينمائي اعجابا ما ، فعند ذاك  هذه الفنون وهذا النص الأدبي و هذه الأفكار الثقافية حققت ما يسمى بالعدالة الشعرية. وان القاضي الأول و الاخير (الجمهور) كان نزيها في احلامه بعيدا عن اي ضغط سياسي او اجتماعي او ثقافي او اقتصادي او غيره....

ولعل الفن الإفريقي يقدم لنا الامثولة المرجوة النموذجية ؛ اسمى معاني تجليات العدالة الشعرية. فعندما يرقص الزنجي فهو لا يرقص اعتباطا او سذاجة او تهريجا او دروشةكما يصوره لنا الاعلام الغربي ، انما يرقص من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي اساسا قائمة على العدالة الشعرية. لقد قال (اميه سيزار) ذات يوم عن راقص نيجيري: " انه يمسك بالحياة و يعيد توزيعها حسب قاعدة الغناء و عدالة الرقص " !.

لاحظ كلمتي : (قاعدة) بمعنى قانون او بمعنى مسطرة كما يسميها الاخوة المغاربة ، كما لا حظ كلمة (عدالة) عندما يصبح الرقص عدالة او قضاء . ليست رقصات س

ارتجالية مبعثا للترفيه و التوجيه وحتى للفلكلور ، انما رقصات عميقة الجذور ، حينما يرقص بابا الجد او بابا الاب الحكيم . حينها تنصب العدالة سرادقها و صولجانها و تقوم لاحقاق الحق على الناس أجمعين اغنياء و فقراء على حد سواء، حين يصير القضاء فنا من الفنون الزمكانية و يصير القاضي الانسان فنانا.

صحيح كلمة القاضي ان يكون فنانا في زمننا هذا كلمة غضة، لكن اكيد داخل كل إنسان في عمقه العميق يتمنى ان يكون كذلك و يطلبها من جميع المرافق العم نية و الخاصة ، كونه يعلم بالسليقة منحة سماوية متعلقة بالابداع - لعبة الله - لا تمنح لسائر البشر.

كون الفن و الرياضة و الثقافة القيمتين الكفيلتين اللتان تنقلان وتحولان القاضي من عمره الاجتماعي إلى عمره او سنه القضائي بمعدل (3مرات) او كما يراه الباحثين في علم الاجتماع الوظيفي. بطبيعة الحال هذه القيمة تنعكس عن رائزه المعرفي و ذكائه.

لم يكتفي الفن سرد محاكاة القاضي و العدالة و الذوق العام و الضمير الأخلاقي الشرطة و انما ايضا السجون.

طلبت الآلهة الاغريقية كما تقول الأسطورة من المهندس (ديدالوس) ان يشيد و يبني لها سجنا في جزيرة كريت لسجن الكائن الخرافي (المونيتور) في تلافيف المتاهة. من كان يتغذى عن اللغز من البشر. سجن ديدالوس بدوره فيه ؛ لكنه تمكن من الفرار ؛ صنع أجنحة من ريش لصقهما بالشمع  ؛ اصطحب معه في طيرانه ابنه ايكار ولما اقتربا من الشمس ذاب الشمع و سقطا بالبحر.

معنى هذا ان الحرية / الطيران اساس في البناء الفني ، ثم الغوص في اعماق الفكرة.

اكسر قشرة الفاظك و افصح عن لب الفكرة ( بودلير).

انا البحر في احشائه الذر كامن *** هل سألت الغواصين عن صدفاتي !.

او كما يقول الشاعر العربي.

غير ان يعتبر الكاتب (كافكا) في نص (القلعة) مشهد ( المحاكمة) خير من يعبر عن المحكمة و القضاء كما يجب أن يكون.

في مسرحية (المحاكمة) نجد المحامي يشرح للسيد (k) ان الادعاء الأول لا يتلى في قاعة المحكمة وانما يكتفي بادراجه في الملف ، فمن المفروض ان يفحص فيما بعد.

بمعنى الشيئ الأساسي يكمن في العلاقات الشخصية للمحامي. ففي هذه العلاقات تتمركز قيمة الدفاع.

 في الاخير و مع انسنة القضاء يبقى الخوف قائما. لماذا عامة الناس تخاف من العدالة؟ و لا تزور مقامها الا ما ندر. العيب ليس في القاضي و لا بالقضاء و لا هو بالقوانين ، و انما باللغة و الأسلوب الحوار الذي تقيمه العدالة مع المتقاضي و مع سائر أفراد المجتمع.

إلى من يتوجه المرء طلبا للعدل و المساعدة ؟

الأسئلة التي ظلت قائمة حتى الساعة. ان أشخاص غير محدودين يقودون السيد (K) إلى المحاكمة، بينما البيروقرطية تبعده عن الوصول إلى القلعة. ان البيروقرطية عنصر حاسم في غربة الإنسان عن المجتمع. فليس لدى البيروقراطي علاقات إنسانية انما علاقاته مع الملفات ويحول الإنسان إلى شيئ من ضمن الاشياء ! وحتى عندما يستدعي الإنسان بصفته الشخصية فهو ليس شخصا و انما (حالة) كحالة الطقس : (ريح ، عاصفة ، مطر ، إعصار، زلزال ......الخ ) اتسان بارومتري ، ترمومتري ، باسكالي ، ريتشيري او ميركالي او حتى نيوتني ، حين يصير وحدة قياس او قابلا للقياس !.

وحتى عندما يستدعي

نفسيا يشعر بالاتهام المسبق ، و انه مذنب حتى قبل أن يحكم عليه، بل حتى قبل أن يخطئ..

اذ الخطأ أصيل بالذات البشرية يمكن التقليل منه لكن لا يمكن القضاء عليه .

اذن الأدب و الفن و الثقافة و الفكر لم يترك ما هو بالواقع الا حكاه ، بل حكمه كما يجب أن تكون ، واقام لها حوارا حضارية: ان يعلم ، ان يمتع ، ان يهز ، ان يحكم ، و ان يقيم العدل تقييما و تقويما في حق من وقع عليهم الذنب و حق المجتمع.

لابد في الاخير ان تقوم العدالة ، العدالة اساس الملك ، و العدالة اساس الحكم ، والعدالة ميراث الفنون بالأمس و اليوم وغدا.  منح الأدب و الفن و الجمال و الثقافة صفة فنان للقاضي وصفة الفن للقضاء . لم يعد يكتفي برؤية قضاياه، رؤية التحقيق و الحكم  بل يخضعه للقوانين وروح القوانين ، و انما صار ينظر إلى جلساته رؤية الرسام بالألوان، ورؤية النحاث بالحجوم وكذا وفق الانطباعات المعاشة وعلم الشعور. يجمع بين النقد السيكولوجي و النقد الاجتماعي ؛ يفسر الإنسان مع بيئته واصوله مانحا اياه فرصة السيطرة على بيئته.

عندما يرقص الافريقي ، عندما يرسم ، عندما ينحث مقام رخام تمثاله ، عندما يغني ، عندما يعزف سيكون الحكيم هو من يقوم بكل هذا. طبقا لكمة الزنوج الاجداد و الآباء الاوائل ( اميه سيزاري) : " انه يمسك بالحياة و يعيد توزيعها حسب قاعدة الغناء و عدالة الرقص ".

وعندما الإنسان الاغريقي الأول يقوم بكل هذه الابداعات ، ستكون الآلهة(منيرفا) الهة الحكم الصالح و القضاء الرشيد هي من تقوم بكل هذا. بيدها الصولجان و على راسها خوذة الإله زوس.

ومن حيث صوت الشعب هو من صوت الاله.

Veix populei ex veix dei.


***********************


***********************

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *