زكريا شيخ أحمد
خلل
يقولُ لي طبيبُ العيونِ
أنَّهُ ما منْ خللٍ في نظري
و أنّي لا أحتاجُ لأيِّ نوعٍ منَ العدساتِ الطبيةِ المصغرةِ .
أتوسلُ لَهُ أَنْ يقومَ بفحصِ عينيّ مرةً أخرى
و أَنْ يتأكدَ منْ عدمِ وجودِ خطأ في أجهزةِ الفحصِ
لأَنَّ هناكَ خللاً كبيراً في عينيّ
لدرجةِ أَنَّني لا أستطيعُ المشي في ايِّ مكانٍ
خشيةَ الاصطدامِ بالأشياءِ التي أراها .
أقولُ لَهُ أنّي لا أرى فقط الأشياءَ
بلْ أرى سلسلةً طويلةً منَ البشرِ
تحيطُ بأيِّ شيءٍ تقعُ عينيّ عليهِ .
فوضى عارمةٌ و ازدحامٌ هائلٌ في الشوارعِ و الأمكنةِ
يضطرُني أحياناً للوقوفِ ساعاتٍ و أيام و أسابيع
عسى و لعلَّ تَخِفُّ الزحمةُ لأتمكنَ منَ المرورِ .
لنْ أُطيلَ و أُسهبَ في الشرحِ
فمثلاً حينَ أَلمحُ باباً خشبياً ،
يظهرُ لي الشخصُ الذي جلبَ البابَ
و قامَ بتركيبِهِ ،
بجانبِهِ يقفُ الشخصُ الذي قامَ بتصنيعِ البابِ
معهم يقفُ الأشخاصُ الذين جلبوا الخشبَ للنجارِ ،
أيضاً الشخصُ أو الأشخاصُ الذين زرعوا الشجرةَ
و جميعُ الذين قاموا بسقيها و تقليمها .
الجميعُ يحملُ الأدواتِ التي ساعدَتْهمُ في إنشاءِ هذا البابِ ،
يظهرُ ايضاً الذينَ صنعوا تلكَ الأدواتِ .
الجميعُ يتحدثُ معَ الجميعِ
والجميع يتحدث معي عن مشاكله .
ازدحام ٌكبيرٌ يمنعُني منَ المرورِ لساعاتٍ و أحياناً لأيامٍ ،
يقولُ لي طبيبُ العيونِ أنَّهُ لا خللَ في عينيّ
و أنهما سليمتانِ تماماً .
لا أصدقُهُ و أقولُ في قرارةِ نفسي
أنَ عيادةَ هذا الطبيبِ مزدحمةٌ جداً
و يريدُ التخلصَ مني بسرعةٍ
بعدَ اَنْ قبضَتْ السكرتيرةُ مبلغَ المعاينةِ
ليقومَ بفحصِ مريضٍ آخرٍ منْ مئاتِ الآلافِ منَ المرضى و المراجعين
المتكدسين فوقَ بعضِهم البعضِ في العيادةِ
و مدخلِها و الشارعِ .
في ذاتِ الوقتِ أفكرُ بطريقةٍ
تمكنُني منْ اختراقِ كل هذا الحشدِ البشري
و الوصولِ لعيادةِ طبيبٍ آخرٍ .
اللوحة للرسام السوري همام السيد