الولادة الطبيعية و الولادة الأدبية الفنية الفكرية
العقيد بن دحو
تقول الأسطورة اليونانية: لما انتصر (زيوس) سيد النظام على العمالقة؛ حاول
أن يقود العالم متبعا الحكمة المستقرة في راسه ، لكنه شعر بحملها فاستدعي اليه
الإله(هيفياستوس) وطلب منه ان يشج راسه ببلطة فخرجت منه الآلهة(منيرفا) الهة
الحكمة ، و بيدها الرمح و على راسها الخوذة رمزا إلى قوة الحكمة ، و يتزوج من
الآلهة( تيميس) فولدت له ( يونوميا) الهة الحكم الراشد او الهة الحكم الصالح التي
حملت إلى العالم العدل و السلام .
كانت هذه الفكرة أولى عن فكرة سذاجة البداية ، عن ولادة استولدتها الاستعارة و المجاز ، و
لادة الحلم الجمعي للامم و الشعوب ، بقدر ما يكون حلم الفرد أسطورة الفرد. الولادة نفس جماعية حتى ان كانت متعلقة بذات
الفرد .
هذا يحيلنا إلى أن الأسطورة ميراث الفنون كما يقول ( الفريد موسيه) ؛ فن و ابداع و خلق ، يلون الطبيعي بما هو خارق
للعادة.
هذا ؛ و اذا كانت الولادة الطبيعية هي عملية خروج الجنين الناضج الكامل
النمو في بيئة مشيمة الأم، القابل للحياة ، خارج رحم المرأة المتزوجة ، او المخاض
او أحداث الولادة الخلق او الازدياد او المولد ، بكل ما تعنيه الكلمة لغة و
اصطلاحا.
ولأن الادب و الفن و الفكر حالة سوسيولوجية اجتماعية تهم الفرد كما يهم
الجماعات الدول و الشعوب و الامم ، لا يمكن فصل الظاهرة الأدبية عن الظاهرة
الإجتماعية؛ فكما لا شيئ يأتي من العدم ،
ما لم يمهد له في شكل مشروع اسري او جماعي او قربى ثقافية تراعي المدخل ، المتخلل
، و المخرج ، و كذا التغذية الراجعة او الأثر الرجعي ، الذي تتوج هذه العملية
بمولود ما (...) طبيعي ؛ سليم صحيح و نفسيا و ذهنيا قابل للحياة.
واذا ما كانت هناك انصاب تتكلم و انصاب تغني كما يقول ( بول فاليري). فإن
الولادة الطبيعية هي خلق و الإبداع الأدبي الفني و الفكري ابداع وولادة.
إذا جاء على لسان الصحافة على ان الكتاب مولود ادبي فني فكري.
وجاء على لسان الأدباء و الفنانين : هذا إنتاج من بنات افكارنا.
وتعددت الأسباب و الولادة واحدة.
لكن قد يقول قائل فعل الولادة و
نتائجه و اقسامه و انواعه و اجناسه من طبيعة المرأة الأنثى.
هذه المسلمة الفزيولوجية الجينيكولوجية البيولوجية لا تحتاج إلى نقاش.
الام ولادة التفكير و إذا ما تعلق الامر بالفن و الأدب، سيكون متعلقا
بمنطقة التفكير بالدماغ فالنصف المخ الشمالي سيكون التفكير انثويا و العكس صحيح.
عارض اللوحة الفنية على سبيل المثال لا الحصر ، يمنع على عارضها عن اية
لمسة او اضافة ويعلن ولادتها اياها عارضا في أعلى متكاها .
وفعلا ، تمة ، في الامر ، عملية ولادة ، لا يقل عنفها والمها الموجع المؤلم
عن عملية التوليد الطبيعية . من الضغط ؛ المغص الى الانفصال المؤلم ، إلى ايجاد مولود جديد. ومع الاحتفاظ بالنسبة
للولادة الطبيعية. تمة قرابة وثيقة الصلة بين دور النشر ودور الطبيب المولد :
صحيح انه ليس واهب الحياة ، و لا المخصب و الواهب من فلذته، انما ، بدونها
لا يمكن ، توليد ، الأثر الفني الأدبي الفكري المحبول به ، الواصل إلى آخر حدود
المخاض.
ان هذا " المولد " هو مستشار أثناء الحمل ، مما يحكم على ابقاء الأثر (المولود) او اجهاضه ، فيكون بذلك
، في الوقت نفسه، مشرفا على " الصحة العامة" ، و مربيا
، و موجها و مرشدا... و بياعا...
ليست الولادة في هذا الاتجاه مقتصرا على النساء الأم الودود الولود ، انما
على المبدع الخلاق للكلمة ، الفكرة ، الفعل.
ومنذ ان اجاب ( اوديب ملكا) عن
اللغز :
ما الكائن الذي يمشي بأول النهار
على اربع
و في وسط النهار على اثنين
وعلى ثلاث في لخر النهار ؟
كانت الإجابة: الإنسان.
بطبيعة الحال ولادة الإنسان المبدع ، القادر على فك الغاز الحياة السياسية
الاجتماعية الثقافية و الإقتصادية، واصفا الإنسان و بيئته و خالها لمصيره.
ولادة ادبية فنية فكرية من حيث الطفل ابا للرجل و الطفل أبا للانسان.
كم هو محظوظ هذا " الوالد" الاديب الفنان المثقف يولد ولادتين ،
ولادة طبيعية كانسان ولادة ادبية. بينما يضمن "لمولوده" ؛ كتابه او
انتاجه صفة الديمومة، نفي اللحظة او اي وحدة زمنية.