عقدة التقارب بين المثقف و رجل السلطة
العقيد بن دحو
رغم التطور السياسي الثقافي الحضاري ولا سيما الحديث منه و ما بعد الحداثة
الذي تشهده المعمورة ، إلا أن ظلت العلاقة بين المثقف ورجل السلطة ؛ انى كانت هذه
السلطة ؛ سواء تشريعية او قضائية او تنفيذية تشوبها اكثر من الريبة و الحذر و
الاحتياط ؛ حتى كادت هذه ( الحالة) ان تصير عقدة لكلا الطرفين.
يحدث هذا و كان ( المسؤول) حطه سيل القدر من السماء او من عل !.
نسيت الناس ان هذا و ذاك عاش بين ضهرانيهم ؛ لم يشرب في كاسهم و لم ياكل في
انائهم ؛ وكل إناء بما فيه ينضح !.
وكانه لم يلعب معهم ، و لم يدرس معهم
، و ساعة ما اعتلى او ساعده الحظ ليركب قطار القصر الملكي او الجمهورية
الحكومي منه ، حتى اعتلى و سكن برجه العاجي ، و اغترب عن باقي التجمعات البشرية.
وبذل رفاقا اخرين ولغة اخرى و اكتسب عادات و تقاليد اخرى غير تلك التي عاش فيها في
بدايات حياته الطفولية او الشبابية.
ان هذه العقدة انتقلت عند الطرف الآخر، عقدة الدنيوية .
بل لم تعد عقدة بل صارت مرضية حين كل طرف يهرب من الطرف الآخر، و كأنها
لعنة نزلت على الجميع الراعي و الرعية.
قد نتفهم الظاهرة التاريخية التي جعلت من المسؤول سببا و من المواطن مسببا.
بل تعود الحادثة إلى الحرب العالمية الثانية إلى وزير الاعلام الحربي
الهتليري النازي ؛ يوم اتخذ من المثقف عدوا للسياسة : حين قال قولته الشهيرة :
حينما يذكر مثقفا لي اتحسس مسدسي " !.
ان المرء كان يستطيع أن يصبح
انسانا وهو مرتاح الضمير اكثر مما يستطيع ؛ و هو يرى ان مركز الثقل في المسؤولية لم يعد في العلاقات بين الناس ؛ بل
في العلاقات بين الأشياء!.
ان الإنسان الذي أصبح حالة لا يحتك الا بصغار من ممثلين النظام ، اما
ممثلوه الكبار فبعيدون يحيط بهم الغموض . فنحن لا نكاد نرى موظفا كبيرا حتى نخاله
يخشى أن يختل بنظام قاعدة مجهولة فيفقد بذلك عقله .
في مجرى التاريخ شهدوا تلك التجارب بين رجل السلطة و رجل الادب و الثقافة و
الفكر ؛ مثل ما هو كان قائما بين ملك فرنسا الويس الخامس عشر و الشاعر فرنسي
فولتير.
كما شاهدوا العديد من أولئك الأدباء ورجال الفن و الفكر و الثقافة الذين
صاروا سلطة سياسية تنفيذية وزراء و قناصلة و سفراء و كتاب دولة ورجال حرب و حتى
قساوة ورجال دين.
انها كانت مقاربة تشوبها العديد من الاحتياطات و الشك و الحذر ، فالعقدة
اكثر مما نتصور ؛ بل تزداد تعقيدا ؛ و هوة تزداد الساعات تتكيف مع كل تطور حضاري
ثقافي عالمي معولم.
صحيح العلاقات عموما بين البشر ازدادات تعقيدا منذ ظهور الانطباعية ؛ اذ
تحلل الكائن البشري إلى بقع ضوئية و إلى لون ، اما منذ ظهور الشركات العالمية
العملاقة المتعدد الجنسيات و صارت بحجم دولة داخل دولة ؛ او بحجم قارة داخل قارة
صار الانتاج يتحكم بالشخص المنتج.، و العلاقات صارت بين الأشياء اكثر منها بين
البشر. ان هذه الاليات و المعدات صارت و اصبحت بمثابة القضاء و القدر الارسطوي
؛ يتحكم في مصائر البشر ؛ من الناجح و من
الخاسر ؛ و من السجين و من الحر الطليق؛ و من اللاعب و من يكون الالعوبة ؛ و من
الفارس و من الكومبارس ؛ ومن الرئيس و من المرؤوس ؛ و من الضحية و من الجلاد ؛ و
من القاضي و من المقتضي... .
كل شيئ يبدو مسطرا سلفا...
لذا لا غرو ؛ و لا تلوم صديقا او أخا او واحدا من العائلة او العشيرة او
القبيلة او البلدة كان يجلس معك على مائدة الأفراح و الأفراح الواحدة ، و كان من
سفلية القوم لا يعرف حتى كيف يلبس و لا ياكل و لا يشرب و لا ينام و لا يستيقظ و لا
يعمل و لا يمشي و لا بتحرك و لا يسكن أصبح يشار اليه بالبنان ؛ فجأة يعرف كل أنواع
و أصناف و ألوان( التيكيت) و يركب
المستحيلات السبع في الفيلسوف و في شتى دروب الحياة الوعرة و البسيطة و المضاعفة
المعقدة !.
اغترب و تفكك و صار من اهل السادة (كلام) ؛ احد شخوص مسرحية ( القلعة)
للكاتب " كافكا " . وحتى وهو يكاد يتكلم يتحول إلى( حالة) إلى شيئ ؛
يرصد كما ترصد أحوال الطقس على مختلف أماكن
خريطة جغرافية الوطن و حتى العالم
احيانا.
انه طواعية او تحت ضغط انبهار و بهرجة اضواء السلطة تخلى او تجرد عن اسمه
ولقبه الذي عهدته عليه منذ الصبى ، لقد صار رقما من أرقام البيروقراطية فكل عضو
فيه تحول إلى ملف ؛ إلى مصنف ارشيفي فهو لا يكاد يتذكر اسمه و لا لقبه صار شيئا
آخر(...) اغتر و اغترب و تفكك و صار مجرد خرافة او اسطورة.
من جهة اخرى لماذا هذا المثقف او الاديب يلوم زميله في السلطة الم يصير هو
ذاته إلى سلطة. ؟
لقد مكنته الثقافة و الأدب و الفن ان يصير سلطة الا ان خوفنا و ما هو ظاهر
بالايام الدراسية و الملتقيات و الندوات تشير إلى أن البعض منهم صاروا سلطويين
متسلطين اكثر منهم رجالات أدب؛ أصبحت لهم
اليوم سلطة / Mana !.
اذن العقدة صارت ملزمة الطرفين؛ و ليتها كانت العقدتين التقليديتين
الكلاسيكيتين ؛ عقدة اوديب عند الرجل (
اوديب ملكا) ؛ وعقدة اوديب عند المراة (الكترا) !.
العقدتين الاستكشافيتين ؛ الفعل الدرامي و نقيضه القائمين على معرفة كنه
الإنسان في مكان هو كل مكان و في زمان هو كل زمان و في حدث كل حدث و عند جمهور هو
كل جمهور !.
انما هي عقدة ساذجة لا طائل و لا
هدف و لا غاية من وراءها!.
عقدة اخوين من عائلة واحدة ، من قبيلة واحدة ؛ من بلدة واحدة ؛ ومن وطن
واحد . أحدهما اختار ان يظل مواطنا و كفى و الآخر اختار ان يكون ( اخرا) سلطة و
مسؤولا !.
فالاول يخشى أن يتهم بتقربه من الاول تملقا او وشاية او مصلحة ما.... ؛ و
الآخر يخشى أن تشوبه مصلحة ما (...) مع الأول.
وكأنها مثنى الاثنين في تهمة واحدة سلفا ؛ و من يخشى الخطأ يقع فيه !.
فكرة تقرب الادارة من المواطن تبدو فكرة صائبة غير انها تواجه في طريقها
عقدة نفسية تاريخية اجتماعية ؛ أينما المجتمع ينصب خيمته الادعائية و القضائية
ويسقط صولجان الحكم على الجميع باسم الشعب و تارة اخرى باسمه هو !.
صراع ازلي بين آخرين احتوتهما السياسة فالاول تركته ينضج على نار هادئة و
الآخر على نار مشتعلة فرفعته قليلا ليتضج كثيرا و بسرعة !.
و بين التاريخ، نار (برومثيوس)
الاسطورية لكافة البشر مع هذه البرودة الشديدة التي تشهدها السياسة ؛ لا قديم يعاد
و لا جديد يذكر !.