إلى جميع الناس : لا أعرف ماذا اقول
العقيد بن دحو
أحيانا كثيرة يحتاج المرء فيما يقوم به من أفعال و إشارات بوعي منه او
لاوعي الى متفهم و الى من يفهمه. يكد و يجد و يجتهد من اجل خلق لغة حوارية راقية
حضارية مع الاخر القريب و البعيد ايضا. غير انها بلا طائل.
ان تكتب ، ان ترسم ، ان تنحث او تعزف معزوفة موسيقية غايتها الأولى و
الاخيرة خلق لغة حوارية بين الناس ، غايتها : ان يعلم ؛ ان يمتع ؛ و ان يهز...
او غير ذلك.
الا بالغالب : لمن تقرأ زابورك يا
داوود !؟.
بالغالب؛ما تشعر بانك تخاطب الطرفين او الطبيعة الخرساء نحثتها عوامل
التعرية وعوامل تقلبات الطقس و المناخ و اظهرتها و كأنها اجسام ادمية و أشكال آخر
ممسوخة قادمة من كوكب و افلاك ومجرات اخرى يصعب فك شفرة طلسمها... وظل الواحد منا
يتفرص في ملامح الاخر ، يحاول عبثا ان يقرأ كروموزوماتها ومورثاتها العائلية و
كلماتها القبيلة
بلاجدوى !.
ما أصعب كاتبا في هذه الظروف و الحالات وهو يشعر بأنه خلق وحيدا في كون
وحيدا موحدا مصابا بداء التوحد ، غريبا كالليل عن هذا الوجود !.
تشعر بأنك في أرض قد خلت من البشر
و الحجر و الشجر ، وحدك و من وحدك و إلى وحدك و حتى أثر رجعي وحدك !.
ما اصعبها وحدة عندما تمارس حرفة مجنونة مثل هذه ؛ و بالتالي تقدمها لنفسك !.
او انها تعود إليك، كون لا مستقبل بالفضاء الكوني من غير جاذبية ارضية
حمقاء تحاول ان تشد الاجسام و الاوزان إلى اسفل !.
ماذا لو اراحنا (نيوتن) من تفاحته الملعونة ؛ كان يأكلها و يريح العالم من
تبعاتها العلمية و الفلسفية و القراءات الاخرى....!.
وماذا لو لم ياكل آدم من تلك الشجرة..... ؟
و ماذا لو حلق الجميع في ملكوة الأكوان محلقا بلا اجنحة و لا بوصلات تحدد
اتجاه اقطاب الارض !.
ما ذا تقول للناس أجمعين و الخبر يسبقكك قبل أن تقوم من مقامك هذا ؛ بل قبل
ان يرتد طرفك !.
لم نعد نرصد الخبر بل صار الخبر يرصدنا...وها نحن ندعي التقدم ؛ لكنه تقدم إلى الخلف ؛ تقدم عبثي ؛ سيزيفي
يرفع حجرا صعدا نحو الاسفل !.
بمعنى كل واحد منا مسؤول عن رفع صخرة حياته و لحده صعدا نحو الاسفل.... ما
تبقى له من ( امل) ليثبت ولو بخيط العنكبوت و بصيص نهاية الأفق!.
إلى جميع الناس : لا أعرف ما ذا تقول !؟ و ما ذا تقول يا الشيخ رامبو بعد
ان قيل كل شيئ لا شيئ !.
ماذا تقول بعد ان قيل كل شيئ مكرر !.
يبدو اننا نكرر المكرر و نجرب
المجرب في سفاسف الامور ، بعد ان ولت الأشياء الجدية الادبار و الاعقاب.
صحيح كل ما كان ماضيا (...) مضى بلا رجعة ؛ لا مرة واحدة و لا مرتين ؛ لا
في شكل ماساة و لا في شكل مسخرة ، بل سوف تكون نهاية هذا الماضي الماساة الملهاة
بنهاية الحرية حيال الخير و الشر ؛ و سوف تكون نهاية هذه الحرية بنهاية التاريخ.
اما الحاضر نعيشه كمهرجين نمشي على خيط رفيع ؛ و نتدرب عليه صبحا و مساء
قبل أن تدق اعناقنا.
ومع ذلك تدق !. لا تسأل أحدا لماذا دقت كون لم يكن مذنبا احدا بساحة التهريج. كنت المهرج الاوحد ،
آخر المهرجين الحمقى و ما تبقى من ضحكات
اذ تثلى داخل بهو او ركح المسرح ؛ بل يسمع ذويه من كوة داخل الركح ؛ او
يسمع ذويه من خلف الكواليس من الشدق إلى الشدق.
لم يكن أحدا متواجدا ليبكي معك و لا من يضحك معك.
ساعتئذ لا مستقبل الا و انت كما أنت راسا على عقب ترى الناس على حقيقتهم
منك بين على رؤوسهم صةب قولتها الاخيرة ؛ و مع ذلك لا يقولون شيئا يبظلون يمارسون
(الشقلبة) ليضحكون أطفال المدارس ؛ ان بقي للمدارس أطفال.... أنهم الكبار يمارسون
وجبات التدريس باسم الصغار فقط.... ويتفرجون على حماقاتهم الساخرة !.
يبدو كل شيئ مستعارا ضحكا و بكاءا.
بل حتى الجمهور اضحى غائبا مغيبا.
إلى كافة الناس لا أعرف ماذا اقول و لا ماذا تقول يا الشيخ رامبو ؛ هذا كان
لا يزال في صدرك من سويداء قلب او حتى قلب بالمرة !.
ماذا تقول للناس في زمن الامعقول...في زمن التفتت...
التفكك....العدمية...الغربة....الهروب من المجتمع..... و اللجوء إلى الاساطير !.
لم يعد شيئ تخفيه عن الناس ، الجميع لاحظت الجميع كيف تتحول عن الجميع ان
مست بمكروه ، كيف تتحول إلى شجر ( افرودايتي) و كيف تتحول إلى افاعي حينما يفاجئها
ابو و هي تغسل تحت أشعة العراء و العواء و الاغراء.... ساعتها لم يعد أحد يمثل
احدا....نفسه...هو نفسه...يعيد بداية النهاية !.
وخير ختام نختمه بمقولتك الشهيرة :
إلى السيرياليين تعالوا لتروا احلامي
والى رجال الدين تعالوا لتروا سقوطي
والى جميع الناس لا أعرف ماذا اقول !.
وهل فهم أحد في يوم من الايام يا الشيخ( رامبو) للناس او لغير الناس ماذا
يقول !؟