التقليد الأعمى
العقيد بن دحو
مرحلة التقليد مرحلة الطفولة سوسيولوجيا ، اما نفسيا (فريوديا) ، النرجسية
، الاعتماد بوجود الروح في كل شيئ حلم الفرد او الاسطورة.
اما عندما يبلغ المرء سن الرشد ، و يتجاوز مرحلة المراهقة ، عليه ان يكف عن
عادة (التقليد) السيئة و الاهتمام بالمكون
الشخصي له الحر المستقل . اي الكف عن المحاكاة ( العاب الاطفال) ، و النظر في مرأة
المجتمع الشامل الاعم ، بعيدا عن قوانين الانعكاس و الانكسار الفيزيائية.
قد يكتب عليك ، و ان يسوقك القدر او الحظ بدعوة ما.... او من عدمها في زمن
يتساوي فيها المدعو من دونه إلى أحد الجلسات او الندوات، فتستمع - مكرها لا بطل -
إلى هذا ...وذاك... وهو يحدث الاصم الابكم وسط الضوضاء و الصخب ، و كانه في زمن
الرسوم المتحرك الذي يستبق الفيلم الرئيسي ،الابيض و الاسود بلاصوت!.
يخاطب بأقل جمهور و من حضر.
قد تعجب بتدخلاته... حتى اذا ما دققت في مخارج الفاظه الصوتية (
الفونيتيكية) حتى لا اقول ( الايكولالية) / Echolallia , كونهم لا
يعرفون كيف تتصادى الكلمات إلى ضياء غروب او شروق !
حين تختل الحواس و تتداعى الخواطر بالوعي و اللاوعي - حتى تعيد بك الذكريات
إلى أن الصوت مكرر ، و ان صاحبه الماثل أمامك يلوك الالفاظ لحظا و اشارة ، يكرر
المكرر و يجرب المجرب.
التكرار ( الببغاوي) البائد ، الذي لا يعتبر و لا يصنف في علم الكلام مهما
اجتهد الحيوان الطائر و بالغ في تقليد الأصوات بلاروح و لا نفس و لا غناء!
وحده الإنسان من ضمن المخلوقات جميعا الذي يتكلم - تكلم كي اراك - كما قال ارسطو او كما دون في معبد (دلف) باليونان القديمة.
نحن كالببغاواة نتبكم عندما نشيخ او كما قال غابرائيبل غارسيا ماركيز.
لا أعتقد اليوم الجزائر دولة و شعبا وحكومة و مرفقا عاما و خاصا تمر بهذه
المرحلة الخطيرة الارطفونية، أين التقليد بلغ أشده، ليس في الطابع الصنمي للبضائع
، تلك التي تورد من الدول الاسيوية (الطايوانية) ، انما الاشد المرارة التقليد في
القيم ، و في المفاهيم و المعلومات و سائر التعلمات الاخرى !.
حتى اضحت الظاهرة مرضية توصف بالاستعجالية الاكليينبكية الديالكتيكية.
توصلنا إلى مخرجات الدولة الجديدة كفكرة اولا و كمنجز ثانيا.
لقد وجهت منصات شبكات التواصل الاجتماعي و محركات البحث الاجتماعي ضربات
قاسمة لأولئك الذين كانوا يملكون المنابر ، و يحتكرون البلاطوهات ، حين استرقت
منهم التقليد و التجديد ، الأصيل و الدخيل و اظهرتهم على حقيقتهم و لم يعود يخيفون
احدا .
كل شيئ مسته يد الزراية ، و ليتها كانت يد ( ميداس) على الأقل يتحولون إلى
ذهب ، إلى معدن خالص النقاء ، نفيس الروح و الجوهر.
من اي مسامع استمع إليك اخي و انت تسترق السمع و الصوت و سائر الحواس
الاخرى من صديق لك او من معجب لك ، ليس بالضرورة يكون اخا او صديقا او معجبا لي !.
نحن نعاني ازمة تقليد ، نعيش الكلاسيكيات و التقليد الأعمى لكل تجلياته
الاجتماعية مذهبا ونهجا.
وليته كان العماء/الشواش / Shoew العلمي ، الأدبي ، الفني ، الفكري ، الدرامي
التراجيدي ، ( الصوفوكليسي) : " الاوديبوسي" ، او " التريسياسي)
البناء الخلاق. العماء القوة ، و التفوق .
انما القلوب و لا تعمى الابصار .
او حينما سئل " سقراط" و كان مداوما على قراءة الكتب : الا تخشى
على عيناك من مداومة الكتب !؟
قال : ان سلمت البصيرة فلا احفل بقواعد البصر !.
لاحظ هنا كلمة(قواعد) ؟
بمعنى قوانين الرؤية ، قوانين الضوء : الانعكاس و الانكسار في الفيزياء
الطبيعية.
التقليد الأعمى؛ بصرا و بصيرة و هذا الاشد ايلاما ، حين يتوهم السيد على
المنبر على أنه المرافع ، المدافع ، الشفيع ، الوريث ، المخلص الوحيد و ساعة ما
ينطلق لسانه بأول جملة ، بل بأول كلمة ، بل بأول حرف ، بل بأول اشارة التي تسبق
كلمة حتى تشعر بان الشخص الماثل أمامك ليس هو الأصل، انما النسخة طبق الأصل،
النسخة الأرشيف من الذاكرة الميتة . بدل الوقت الميت في الزمن صفر كان من المفروض
ان يكون التقليد فيه صفرا.
لكن لأننا في زمن (التصفير) او زمن ما قبل اكتشاف الصفر كل شيئ يصير ممكنا.
بعد ان صفروا القاعات و صفروا منها جمهورها الأصيل.
كم يحز بالنفس وانت تستمع إلى البديل ، إلى الكومبارس ، في غياب الأصيل
الفارس .
اذن بعد ان غرقت الاسواق بطيوانية البضائع ، هاهي تغرق بالتقليد في المفاهيم
و القيم ، و حتى بالأشخاص حينما يتحدثون بالسنة موكليهم دون أن يوكلهم احدا.
الفصاحة ليست في مخارج الحروف و النطق الموسيقي للحروف ، انما النطق الصحيح ان
تتحدث بكل خاطرك وحواسك النبيلة الإنسانية، بأسلوب و لغتك الخاصة و من حيث الأسلوب
هو المجتمع كما يقول .(بوفون) / Bouffon
وعندما تصير البروبجندا القضاء و القدر ، بمثابة الهة الاغريق القدامى ،
حينما كانت تتحكم في مصائر البشر ، و حينما تصبح ماركات البضائع اهم من البضائع
ذاتها. يصبح التقليد حضور الشخص المحاضر اهم من محاضره و ما يقدمه من معلومات .
حينها ينتقل الطابع الصنمي للبضائع إلى مايميز البشر.
التقليد افة خطيرة على المجتمع ، ليس في البضائع و انما تقليد الصوت او
سرقة الأفكار او تقليد كل شيئ.
قد يكون يليق بالاطفال ، و بالتلفزيون و صغار المراهقين. اما عندما يبلغ
أشده ينبغي أن يستقل بذاته حلما وكلمة وفكرا و فعلا، اذ ينعكس على المجتمع بدوره ،
و يسمى المجتمع الراشد ، كما ينعكس على ( الحكم) و يسمى بالحكم الراشد ، و ينعكس
على الدولة الحديثة او ما يسمى وضع الدولة في حالة ابداعية ، الأصالة، الجدة ، و
الابتكار ، و من حيث الإبداع لعبة الله.