ما الحقيقة التي يخفيها الضحك
العقيد بن دحو
تقول الأسطورة الاغريقية : لما انتصر الإله( زيوس) سيد النظام على العمالقة
( تيتانوس) مجددا ، حاول أن يقود العالم متبعا الحكمة المستقرة قي راسه ، فاستدعي
اليه ( هيفياستوس) الحداد الاعرج الذي كانت تضحك و تسخر منه الآلهة....!.
الضحك عند الاغريق هو ما ضحكت منه الآلهة او يسمى بالاغريقيةPharasiolgiusg, اي ضحك الآلهة او الضحك الهوميري ، نسبة إلى الشاعر الملحمي هوميروس.
كان هذا ضحك سذاجة البداية ، نفس جماعية ، الاسطوري ، الوعي الجمعي ، شأنه شان الحلم الجمعي ، بقدر
ما يصير الضحك الفردي الحلم الفردي ، و أسطورة الفرد.
الضحك حالة مزاج نفسية اجتماعية بالظروف الطبيعية للانسان ، حتى سمي حينها
الإنسان (بالانسان الضاحك) / Homo
pharaseo , على غرار
الانسان العارف / Homo sapiens ، و الانسان اللعوب/ Homo ludens.
اذن الضحك لم يعد حالة وجدانية من اجل أشباع حاجات ما نفسية او تعويض عما
خسره المرء في لحظة ما من اللحظات...التطهيرية التكفيرية ، أين ينفصل فيها (
الضاحك) عن واقعه و عالمه المعاش لبعض الوقت.
يقول المفكر الوجودي ( برناد شو) : " إذا وجدت الشيئ مضحكا فابحث عن
الحقيقة المختفية " .
اذن الضحك تلك الستارة ، او هو تلك الكورس او الجوقة من التدفقات الشعرية الوجدانية كيما تخفي حقيقة ما
عن ما يحيط بنا من جمهور. .
وليس دائما الضحكة تيمة و اشارة و لوغوس عن تعافي صحتنا النفسية الجسمانية
الذهنية العضوية الاجتماعية الإقتصادية السياسية الثقافية !.
كم ذا بمصر من المضحكات *** ولكنه ضحك كالبكا .
او كما قال الشاعر المتنبي على أحد أعياد مصر منذ الف سنة و نيف .
بقدر ما كان يقدم الضحك في الملهاة / الكوميديا الاغريقية كنوع من القرابين
اللامادية لأحد الهة اعيادها (ديونسوس).
ومنه صار الضحك الهوميروسي ، و الضحك الهزيودي ، و الضحك
الديونسوسيولوجية. و بقدر ما كانت الآلهة
تضحك ، ضحكا ( هيفياستوسيا) كان البشر ايضا تضحك
حتى سمى علماء الاجتماع و علماء الانثربولوجية الانسان ، بالانسان الضاحك
!.
حقيقة الضحك ان الإنسان الضاحك ، لا يدل على السعادة كما يتهيا للمرء
.مادام على قيد الحياة.
لا نستطيع أن نفهم آليات و فيزيولوجية الضحك الا من خلال العودة إلى الوراء
، إلى ما قبل الضحك ؛ فاوريبيد EURiPiDE كان يقول :
اننا لا نستطيع القول ان شخصا ما هو سعيد الا بعد موته. و من يضحك اخيرا يضحك
كثيرا.
تماما كالفنان او الشاعر يعرف الا بعد موته فقط كعضو في الجماعة او القربى
الثقافية او المصلى الفني .
اذ لا يمكن للمرء ان يضحك منفردا الا اذا كان ينتمي إلى أصحاب وادي عبقر. .
او أصيب بنوبات هستريا لاحلام النوم او لاحلام اليقظة !.
كل نكتة مخلصة تحمل حقيقة في رحم الزمن. فإذا كانت من جتها الخرافة تحمل
حقيقة معينة ، صحيح هي كالاسطورة لا تهيئ ؛ و لا تهب هدايا لامعة جاهزة للمتشاعرين
او لاشباه الاجتماعيين ليخطوا أسمائهم عليها فحسب ، بل انها تشجع اللامعين ممن لهم
مواهب اكثر . و ليس أولئك المهرجين المشاؤون على قدم واحدة فوق حبل الحياة!.
غير أولئك الاكثر ذكاء كالسياسيين لونوا و منجوه حجما و كتلة ، لما يضفي عليهم ( الضحك) من ميراث. الأسطورة
ميراث الفنون ، الأسطورة ميراث السياسة. فالضحكة الصفراء ، و الضحكة الدبلوماسية ،
و الضحكة الاجتماعية ، و الضحكة الصحية الاكلينيكية الاستشفائية ، و الضحكة
الحربية. ضحك يفسر اسطورة عنصره ، الضحك من اجل الضحك. كنوع من العبث و اللاجدوى ، حين يضحك الضاحك و
هو لا يدري باي سبب يضحك ، فقط لانه خطر له خاطر فضحك، حين لم يكن أحدا يريد ان
يضحك !.
الضحك بلا سبب من قلة الادب !.
كل نكتة مخلصة تحمل حقيقة ما في رحم الزمن. كمن يتكلم بالصور البداية،
يتحدث بالف صوت ! ، و من يضحك بالنمط الاولي يضحك بالف نفس ، ما دامت الأسطورة تفس
جماعية كما يقول ( يانك) .وما دامت الآلهة
الاغريقية كان أولى لها أن تضحك ، مادام الضحك صار موقفا . اننا لا نضحك على
الاشياء ، بل الأثر الذي يخلفه الاثر او
على الموقف الذي يوضع فيه.
اذن الضحك حقيقة ما غير مصرح بها ، يجب قراءة شفرتها و التمعن في انفاسها و
حدة تبرات اهتزازات تواترها ( الهرتزية) لقراءة ورصد و سبر ما بين احداثياتها و فك
معادلاتها السهل الممتعة !.
اخيرا : اذا اردتني ان اضحك ، اضحك انت اولا !. و إذا اردتني ان ابكي ،
ابكي انت اولا !.
وضع جماعة ما في حالة ضحك مدعاة للضحك. عندما تكون هذه الميزة البشرية صحية
، اما إذا كانت من العالم الاخر فليراجع (المريض) طبيبه !.
ضحك من ضحك ، و لا أراه أشد وقعا على اذقان لحى العجائز مثل نتائجه ورائزه
وحافزه الكذب الأبيض و نظرية العقد الاجتماعي ، عندما نسمع ( قهقهات) النائب
البرلماني من خلف أسوار(لاكروبول) من الشدق إلى الشدق تبلغ عنان السماء!.
ومازال نقرأ عن ضحكات ذئب جائع في
ليالي مقمرة يدعو شاة تشط عن القطيع : ضحكات غنائية: اقتربي ما اخلى الجو هنا
بعيدا عن راعي دكتاتوري ، لطالما حسبتينه عمتي النعجة الطيبة بطلا قوميا ( براهام
نكولن).
هكذا الضحك يسرد بدوره ، و يفرز فهرس كلام بالف صوت.