المسرح و الاتفاق على الكذب و الحقيقة المرة
العقيد بن دحو
المسرح عموما ضمنها: الاتفاق على الكذب !.
الكذب الفني ، اي ان كلا من الممثل و الجمهور يوهما نفسيهما بأن الاحداث
التي تجري امامهما عين الصواب ، حقيقة
كحقيقة الشمس .
الا انها الحقيقة المرة التي ما بعدها حقيقة. سرعان ما تتجلى عندما يسامت
نموذجا نص ( عطيل) / Othell0 لشاعر الإنسانية(وليام تشكسبير) ، يوم مثلت
بمسرح الولايات المتحدة الامريكية سنة 1909 ، حينما كان الممثل الامريكي المشهور
(وليام بوتس) يقوم بتمثيل دور " باجو" في مسرحية (عطيل) ... وبالضبط و
على وجه التحديد في المشهد الذي يحاول فيه باجو إغراء عطيل واقناعه بخيانة زوجته
" دردمونة" الطاهرة له....ان سمعت طلقات نارية قي ارجاء المسرح ، و في
الحال عند استقصاء و استكشاف الحادث ، تبين أحد الضباط الامريكيين من مشاهدة العرض
هو الفاعل. فعلها بسبب انفعاله بالتمثيل، و حين ابلغوه الممثل قد مات ، استخزى
الامر ، و صوب الضابط الامريكي مسدسه إلى نفسه و قتل نفسه.
صمم الامريكيون على دفنهما معا في قبر واحد ، الممثل و المتفرج معا ، حيث
كتب على شاهده : هنا يرقدا بسلام ( الممثل
الفكري) ؛ و ( المتفرج الفكري).
هذه الحقيقة المرة المسرح عموما ، الذي يحمل في طياته الدرامية تثنية الفعل
الدرامي و نقيضه ، المغامرة، الغموض و السحر.
هو الكذب الواقع الذي يعكسه المسرح. اذ الأدب و الفن و الفكر عموما لا يمكن
فصلهم عن الظاهرة الإجتماعية. فالشر مذموم تماما كما تعكسه أدوار (لعب) الشر و
الخير في المسرح و السينما. غير ان لا يجب أن يفقد الممثل و الجمهور وعيهما كليا
أثناء العرض ، بل عليهما في كل مرة ان يستعيدا وعيهما ، و ان يدركا بأن الاحداث
التي تجري أمامها ما هي الا محاكاة لافعال نبيلة ، تطهيرا و تكفيرا ارسطويا / Catharsis ، او هي تفكيرا و تغييرا ؛ تجريبيا (بريختويا) .
واذا كنا نعلم الصدق الفني ، مقابل : أعذب الشعر اكذبه !.
لكنه كذب من كذب ، ليس كذبا سياسيا : اكذب ، اكذب ، اكذب حتى يصدقك الناس
!.
وليس كذبا اجتماعيا : كذبة بيضاء !.
انما هي كذبة فنية عن سبق إصرار وترصد ، أين يندمج الممثل بالدور سيكولوجيا
وسوسيولوجيا وفنيا وكان الأفعال حقيقية ، إلا أن بالمقابل على الجمهور ان يتمثل
المشاهد و يحسبها حقا و حقيقة من اجل اكتمال حلقة متعة الفرجة المسرحية.
خدمة للانسانية و انسنة الانسان ، ان يرى نفسه من الداخل و لا يقف موقف
السلبي المتفرج على الاحداث ، بل المجرب ، الملحمي ، الانسان المفكر ، الانسان
الفاعل / Homo clenver - Homo faber .
هو حقا اتفاق على الكذب ، إلا أن
هذا الكذب قد يحدث انقلاب قي اية لحظة و يصير الكذب حقيقة ، و المسرح واقعا
. وكم يكون المشهد مؤلما حتى بعد العرض إذا كان انتقام، او يتطلب قصاصا معينا ، و
عندما يفشل المسرح ، اي عندنا تعجز العدالة الشعرية عن إعادة التوازن الفني بين
الإنسان و البيئة ، بين القانون و العدالة ، و بين ان ياخذ العقاب مجراها نحو
الجريمة ، ينطبق قصاص الواقع و عدالة المجتمع.
تقول " لافينيا مانون" في نهاية : " الحداد يليق بالكترا
" .....لم يكن هناك انسان ليعاقبني....فكان علي ان اعاقب نفسي بنفسي " .
او كما عاقبت الكترا نفسها بنفسها عند صوفوكليس في غرفة مظلمة بلا أبواب و
لا نوافذ.
طبيعي جدا ان التبادل بين ما هو واقع و محاكاة ، بين مسرح الحياة و مسرح
الفن .
التبادل قائم كدورة التاريخ في هذا الوجود مرتين ، مرة في شكل ماساة ، و
مرة في شكل مسخرة. و المسرح حين يجمع بين الفن و التاريخ و الفلسفة ، و بين
الإنسان الفنان الشاعر ، الكاهن ، و الجندي المقاتل. كل هذا يجمع ركح المسرح على
اعتبارها فن كامل متكامل ، أبا للفنون.
وحين يتحد الممثل الفنان مع الهائل المذهل المدهش على مسافة من انسنة انسان
المتفرج، حتى لا يستيقظ ( المارد) من قمقم كرسي المتفرج إلى كرسي القاضي . وقتئذ
يصير الحكم و المحاكمة صعبا على القاضي و المتقاضي معا ، و يصير القانون مناهضا
للعدالة الشعرية.
من الصعب ان ترى المسرح مرفقا او معلما فنيا حضاريا ثقافيا ، انما نصبا
عدلا ، محكمة و مجلس أعلى للقضاء ، و مجلس تشريعي ، عقد فني على غرار العقد
الاجتماعي ، أين لا تحكم إنجازات الحكومة ومواعيدها أمام النواب او ممثلي الشعب ،
وإنما أمام الجمهور مباشرة. حيث يعتبر الناقد الأول للمخرج و للمؤلف معا عن طريق
حوار الممثل .
كذب من كذب ، و صدق من صدق ، امل
والم ، تعاسة وشقاء وسعادة ، فرح وقرح هو مسرح اليوم توعية...تعبئة...وسلاح.