الروائي الجزائري" رشيد بوجدرة " و الاله " بلزاك "
العقيد بن دحو
ما يعجبني في الكاتب الجزائري الروائي " رشيد بوجدرة " المدعو (
الجنرال) ، استقلاليته و فردانيتة ، و حريته ؛ سواء على الصعيد الشخصي الانساني او
الفني الادبي الثقافي الفكري .
ظل الاديب وفيا لمبادئه الى اخر نفس كتاب كتبه ، و الى اخر موقف اتخذه . لم
يتزحزح قيد انملة ؛ او مثقال ابسيلون ،
رغم مغريات الحياة و اغوائها. ظل شامخا كالجبل الاشم ، يقول ( لا) حتى و لو كانت
به خصاصة.
فهو من رفض المناصب و المكاسب والمغانم.
فضل ان يظل اديبا لا يقاس باي مقياس بشري مادي ضيق ، و لا يكال باي مكيال ،
و لا يراهن عن مؤشر ميكيافلي او بافلوفي مغري فان .
فهو الاديب رغم كل شيئ ، من طينة الادباء الكبار من ابناء جيله ، من رفض منصب وزير الثقافة ؛ يوم كان ( المنصب)
منصبا . و هو من رفض التكريم او اي جائزة من الجوائز ، يوم كان التكريم تكريما ،
ويوم كانت الجائزة جائزة !
حقا هو من اولئك الذين عرفوا كيف
يحافظون على ماء وجوههم ، و ينسحبون بهدوء.... ، لا سيما عندما لمسوا بكافة حواسهم
، لم يعد تمة قمة يجب المحافظة عليها ؛ عندما وصل الغراب القمة !
فضلوا ان يحلقوا بعيدا عن اجواء ( الاشباه).... و ( الاشباح).... و
(الانصاف).... !.
عندما ادركوا خسيس المحتد صار يتحكم بكريم المحتد ، و جبان الامس صار يجرؤ
، و شجاع اليوم يجبن ، فلم يكن امامهم الا هذا الصمت الذي نعيشه بكل حسرة و مرارة
و الم. و ناوا الى رابية يترقبون الاحداث
فان في الامر خيانة بكل المقاييس ، خيانة ادبية ، خيانة فنية ، خيانة فكرية ، و
خيانة ثقافية.
و انا التمس خطى و اسلوب و نهج الكاتب الروائي المعارض التاريخي و الازلي
لكل ما هو سياسي و ثفافي ، لم اجد امامي في مجرى الزمن كوجه مقارنة او مقاربة
للكاتب الروائي الجزائري الا الروائي العالمي " بلزاك" ، او كما صار
يطلق عليه النقاد " الاله بلزاك " .
لم يكن يعتبر بلزاك نفسه كاتبا بسيطا كسائر الكتاب ، بل كان يعتبر نفسه
شخصا يشبه " نابليون بونابرت " .او عالم الذرة " البرت اينشتاين
" !.
لقد عاش اربعة اشخاص حياة غنية : " نابليون " ، " كوفيه
" ، " اوكنيل" ، و " بلزاك " . فقد عاش الاول حياة
اوروبا و ازدرد الجيوش ، وتزوج الثاني من الكرة الارضية ، و تجسد الثالث في
"شعب"
، اما الرابع باستطاعته ان يحمل مجتمعا باكمله في ذهنه.
لقد عرف الروائي رشيد بوجدرة دون سواه
،كالجندي الفارس المحارب تكتيكيا كيف ينسحب من معركة قذرة ، المنتصر فيها
مهزوما مسبقا ، كيف يناى بنفسه كالوطن بعيدا عن الوطنيين الانتهازيين (...) !. ،
بعيدا عن اي انتماء مشبوه ( اتحادي) ، (جمعوي) ، او ( حزبي) و عن اي مسلمة من
مسلمات القرن...
لقد امتاز بطرح الحياء كما امتاز القدماء الاغريقو روماني بطرح الحياء
بالامور الرياضية .
كما امتاز لها الكاتب الروائي بلزاك ، الاله الخالق في احتكار الرواية و
اسرار المجتمع. لم يعد الروائي يكتفي بانتهاك ضمير واحد ، بل انتهاك عدة ضمائر
دفعة واحدة ، اين بامكانه ان يسجن مجتمعا باكمله بين دفتي كتاب . بل يحول ابطاله
الى شيئه ؛ الى متاعه ، يخضعهم الى احد
غرف تعذيبه و يجري عليهم مختلف التجارب اللاانسانية ، حقول تجارب او فئران تجارب
!. او كان يخضعهم الى منطق " سرير بروكست" ان كان للاسطورة من منطق .
كم كانوا صائبين ، حين اطلقوا عليه لقب ( الجنرال) ، و هذا حتى تكتمل صورة
الفنان ، كما هو بالمذهب او بالمدرسة السيريالية : اين يكون الشاعر ، و الكاهن ، و
الجندي المحارب او المقاتل ، يشكل اسطورة فنان.
فاذا كان الكاهن يتطلب فعل المعرفة ، و الشاعر فعل الخلق ، فان من شان
الجندي المحارب المقاتل فعل القتل .
اننا نميل ادبيا و ثقافيا الى الجنرال الاديب ، كون لاءاته السرمدية
المتمردة استباقية ، ونحن نعيش زمن مرارة هرطقة التكريم لمن هب و دب ! ، و كذا
عجاف الجوائز الكرتونية - خبط عشواء - لا تطعم من جوع و لا تحفظ ماء وجه.
منذ (صمويل بكيت) 1755 ، حين رفض التمويل و الرعاية و الدعم من اللورد
تشسترفيلد ، و اعتبر ان الاديب يقايض على " منتوجه" الانساني ، اين يطرح
اشكالات و تاويلات غير اخلاقية .
على الاديب الكبير المبدع حقا ، ان
يتخلى على افعاله (الصبيانية) الاتكالية ، و ان يسعى الى نشر كتابه او مؤلفه ، دون
طلب اي مساعدة او ابتسامة محاباة .
هذا هو التمرد النقي ؛ الايجابي او
المقاوم او المعارضة الفنية الادبية الفكرية الثقافية الفعالة ( اللاء) اللائية ؛
من تمكن الاديب من اعتلاء - رمية من غير رام-
رتبة و لقب جنرال مع حفظ الالقاب و الرتب !.
هنيئا للكاتب الاديب الروائي رشيد بوجدرة على هذه الشخصية الثقافية
اللامنتمية ، و كم هي في حاجة الى دراسة و بحث ومراس اكثر من انتاجاته الابداعية ،
حين يصير المبدع يطرح حالات ابداعية في مجرى نفي اللحظة او اي و حدة زمنية اخرى .
لم يبق امامي الا عبارة (رامبو) الشهيرة :
الى السيرياليبن تعالوا لتروا احلامي
الى رجال الدين تعالوا لتروا سقوطي
الى جميع الناس لا اعرف ماذا اقول !.