مثقف السلطة و سلطة المثقف
العقيد بن دحو
كان لا بد في البدء ان نحدد تاريخا لظهور او ميلاد المثقف ، يعود لسنة 1755
. يوم ان التمس الكاتب (صمويل جونسون) Samuel johnson من اللورد
(تشسترفيلد) Lord tschesterfeild ،
نشر كتابه (القاموس) Dictionnaire.
طرد من امام باب قصره. من ساعة ذاك اليوم ؟ اعتمد المثقف على نفسه ! و مع
التراكم و الاضافات كف عن مجاراة التاريخ
و عن السبر و الرصد ، و صار فنانا مبدعا اديبا خلاقا ، يرى بالالوان كما هو عند
الرسام، و يرى كما يرى النحاث بالحجوم ، و كما يراه الكاتب الروائي بالانطباعات
المعاشة او وفق علم وقائع الشعور، او كما يرى الفيلسوف او المفكر او الناقد
بالافكار.
اخيرا صار المثفف سلطة Mana (المانا)
نسبة الى المناليزم Manaleisme ، اي وجود قوة او قدرة او طاقة في الشيئ.
ورغم ما يشوبه من شبهات في العلاقة بين المثقف و السلطة ، من حذر و خيفة و
احتياط بين المثقف و السلطة الى عهد قديم قدم التاربخ ، و لا سيما ابان الحرب
العالمية الثانية و بالضبط بالمانيا ، عهد وزير الدعاية و الاعلام الحرب النازي :
يوم كان يبحث عن مثقف للسلطة ؛ اذ قال قولتيه الشهيرتين : " كلما ذكر لي مثقف
اتحسس مسدسي " ، ثم قال : " اكذب.. اكذب..اكذب حتى يصدقك الناس" .
غير ان هتلر رجل الحرب و الرجل السياسي
، ادرك مبكرا و لو على مضض - مكره اخاك لا بطل - حاجة الدولة او حاجة
السلطة الى مثقف !.
و ان لم تجده صنعته !.
"انا اجد لا ابحث" او كما قال الفنان السيريالي بيكاسو .
حاجة الدولة التقليدية الكلاسيكية النمطية الاوليغارشية الى مثقف سلطة ،
ليقوم مقام دور الحاجب قديما ، او دور المداح او دور شاعر البلاط . من يقوم بدور
حجب و ستر اهتمامات و مشاغل الساكنة عن صاحب السلطة.
مثقف السلطة على الرغم ادراكه بفقده العديد من جمهوره ، فللسلطة سحرها و
اسرها الخاص ، يجعله يعيش ( السكر) او التخدير الاعم مادامت السلطة قائمة.
على الرغم من خسارة مثقف السلطة للعديد من امتيازاته و من خلفياته و
مرجعياته الثقافية بالاوساط الشعبوية ، الا انه على طرف نقيض لا يحتاج الى سلطة ،
بعد ان مكنته نضالاته الثقافة منذ عهد اثينا الذهبي الى 1755 و الى يومنا ان يصير
سلطة.
لذا لا غرو ان التمسنا في مجرى التاربخ رجال ادب و رجال فن و رجال ثقافة و
فكر صاروا رجال دولة ، صاروا وزراء ، و سفراء ، و دبلوماسيين. بل البعض منهم صاروا
رؤساء حكومات و كبار قادة و جيش و حتى رؤساء دول.
ستظل سلطة المثقف قائمة مادامت السلطة السياسية قائمة و باقي السلط الاخرى
، مع الاختلاف في الاسلوب
ولذا كان يقصد بالسلطة الحكم ، الحكم الكنز عند الاغريق او الثروة ،
فالاولى ان يتقدم رجل الثقافة لما اوتي من قدرات خلاقة ابداعية ، القدرة على
الاستشراف و الاستشعار بالحذر و الحيطة و الاحتياط ، و جس نبض المجتمع و رصد كافة التوقعات و الاحتمالات الممكنة.
ستكون سلامة وظائف اعضاء الحواس اقوى ، كما تعمل تراسل الحواس و تداعي
الخواطر بالافكار بالوعي و اللا وعي في هذا الاتجاه !.
هذا هو المثقف (الغرامشي) العضوي حتى اذا ما خسر طرف من الاطراف ، عوضه
ربحا بالطرف المقابل .
اذن مهما اجتهدنا كيما نضع ايدينا على مثقف حر مستقل ، و جدنا المفهوم
ينساب من بين اصابعنا كالماء الذي يشكل اسطورة عنصره.
كون لفظة (سلطة) لا تقبل التاويل ، اما اذا تم تواصل النضال كمثقف صاحب
سلطة اسا و اساسا لا تحتاج الى سلطة، او انك تواصل النضال الفردي الحزبي السياسي
من اجل الوصول الى السلطة الفعلية و من تم يصبح اسمه باسم مثقف السلطة مع حفظ
الالقاب و الرتب.
الغريب المدهش المذهل لا يتوارى ، و لا يخجل مثقف السلطة من هذا اللقب ،
حتى ان كانت السلطة التي احتوته سلطة فاسدة او اسقطت بفعل فاعل ، تراه من جديد
يحاول ان يقوم من جديد و تبييض نفسه على انه مثقف وفقط ، و مهامه كانت باسم الوطن
او الوطنية.
لنعيد طرح تلك الاسئلة الوجودية :
انا الوجودي
ما الوطن و ما الوطنية !؟
في حين يظل المثقف الغرامشي مكتفيا بسلطته محافظا على ماء وجهه ، يعيش سيد
نفسه مدافعا مرافعا عن عرقه و عن بيئته .
الان تاكد لنا بما لا يدعو مجالا للشك ان المثقف صار سلطة ، و مع هذا تجد
البعض منهم يقف عند باب السلطان اعطوه او منعوه !.