الجماعة بين العمامة و القبعة
العقيد بن دحو
تبدا الفكرة شكلية فردية ؛ حالة خاصة ، عابرة للزمكان ؛ لكنها سرعان ما
تنزلق نحو العامة ، العائلة ، العشيرة ، القبيلة الى ان تنزلق نحو الجهوية و من
تمة نحو العنصرية.
تبدو فكرة العباءة او القميص الشعبي الجزائري او ( القندورة) و (الشاش) او
العمامة او العمة التي صارت تغزو جامعاتنا و معاهدنا طلبة و اساتذة ، تغزو المجالس
المنتخبة المحلية البلدية و الولائية ، و كذا المجالس الوطنية فكرة بسيطة لا تدعي
اي تاويلات او اشكالات اخرى... حتى اذا ما تراكمت و اضيفت الى بعضها البعض تصبح
قضية. تطرح عدة تساؤلات انية و على مدى البعيد .
لم يعد (الشكل) بعيدا عن المضمون ، فهو ارتداد او انعكاس طبيعي و غير طبيعي
لمكنونات الشخص السيكولوجية اللغوية حتى لا اقول الثقافية.
هكذا بدات الفكرة في جمهورية مصر العربية عهد الملكية ، اين انقسم المجتمع
على اساس ديني و اللاديني علماني ، (ازهري) او قومي وطني ، كان شكلا في البدء
لباسا ، قبل ان يصير كلمة ، ثم فكرة ، ثم فعلا سياسويا دينيا لغويا ، حتى اذا ما
تعلق الشعب بشيئ صار سلوكا عاما ، و يصبح حقا من الحقوق العامة. يصير من الصعب على
من تقلد اللباس التقليدي ، عباية و شاش ان يرتدي البذلة و ربطة العنق . كون القول
الشائع ربطة العنق (cravatte) تشبه الصليب !.
ليس وحده الاحتجاج ، و اللجوء الى الاضراب هو التوقف عن العمل لساعات او
ايام معدودات ، او يتمثل بالتوقف عن الاكل اضراب الامعاء الخاوية. او يتطلب نقابة تدافع
و ترافع عن خقوق المضربين بطرق قانونية و مساطر تشريعات واضحة ، انما ايضا التمسك
بلون و شكل معين من اللباس او نوعا جماعيا من حلاقة الى غير ذلك.... ليس رجوعا لللاصل او للفصل ، انما هو تحججا و
اضرابا او تحررا او معارضة اجتماعيا سياسيا ثقافيا بطريقة مستترة و ديبلوماسية
شعارها : ما تبكي الراعي ما تجوع الديب !.
كما علمتنا الحضارة الديمقراطية في مجرى التاريخ ان الدين
و اللغة طرفان متلازمان في قضية واحدة .
فبما ان لا تاثير لنا بالفكرة (الازهرية) ، يكون الانتماء الى (الطريقة) في
هذه الحالة اقرب . او الانتماء كمريد شيخ من شيوخ بلاحدود في ايامنا هذه !.
لا يمكن في هذه الحالة غض الطرف عن مسالة اللغة و الدين عن الشكل الخارجي
او ما يلبسه الطالب او الاستاذ الجامعي او النائب
بمرفق عام حكومي ، يبدو شطط ما او اختلال توازن ما ، يفرق بين التقليد و
المرفق الذي كان من المفروض ان يكون هذا الاخير متصالحا مع قوالب عصره .
فلا اعتقد تحت اي مسمى(...) من المسميات (...) وزيرا من ضمن كل الطاقم
الحكومي ينفرد بلباس العباية و الشاش ، فمابالك ان كان شابا يافعا صغير السن مقللا
عن الحياة ياكل القماش نصف وجهه و راسه بالكامل.
لن اعيش في جلباب ابي !.
معنى ذاك بداية تباشير عودة اولى طلائع (المحافظين) الجدد الورعين الصالحين
! .
يقابله خفوتا لتلك الدعوة التي كانت تدعو ابان بداية الثمانينيات مطلع
القرن العشرين الى قتل الاب !.
لم نعد نفرق بين الاب و الابن ، يوم صار التقليد الاعمى و التقليد المبصر -
خبط عشواء - لا يميز الجميع !.
فالمشاركة في اللغة تساعد على تبادل الاتصال ، مما يشكل اساسا التعاون بين
الجمبع ، كما يساعد الانتماء الى طريقة دينية واحدة على الربط بين الناس . يمكن الاتحاد ، في مذهب ديني واحد مشترك ، ان
يعزز وعي المجتمع . و مع الايام و المراس
تتشكل القربى الدينية و المصلى الديني و الدنيوي حزبا سياسيا.
بينما نلمس تاخرا عند اصحاب انصار (القبعة) فلم يعودوا بتلك الشجاعة التي
كانوا يحتلون فيها المنابر ، و لا سيما الثقافية و الفنية و الادبية منها ، بل
انسحابهم من الفضاءات الاجتماعية و الجامعية مكن اصحاب العمائم و الشاش من التقدم
. بل صارت لهم لافتات و اعلانات و جوائز شعرية تارة باسم الدين و اخرى باسم اللغة
و الوطن.
لا اعرف ماذا اقول في غياب قانون داخلي ، اين صارت العباية و الشاش جائزة
تمنح لمتوج الطائفة.
و الخشية ان يصير انقلاب في المفاهيم ، من القول فلان بقبعة واحدة ، و علان
بقبعتين . الى القول فلان بشاش واحد و علان بشاشين.
لكل مقام مقال ، و لكل حرفة او مهنة لباسها يميزها كسلوك حضاري ، و لا
اعتقد الاداري او الجامعي الاستاذ او رئيس البلدية او رئيس المجلس الشعبي الولائي
او الوالي او النائب البرلماني او الوزير او من يكرم ، يلبس العباية و الشاش ، كون
اللباس الرسمي يعطي الرعية اطمئنان بالنفس كمؤشر عن الوضع الماثل امامه جدي مع سبق
الاصرار و التاكيد .
تماما كما للرياضة من لباس خاص ، و للجندي المحارب ، كما يستحب لمصلي يوم الجمعة من لباس خاص ، يريح
النفس و يكون مبعثا للطمانينة و النية الصلة بين العبد و ربه.
لسنا ازهريين و لسنا من اهل القبعات ، نريدها جزائرية متصالحة مع نفسها و
مع قوالب العصر ، فكل اشارة تسبق الكلمة ، و كل كلمة تسبق الفكرة ، و كل شكل و
صورة و لون يسبق الحراك السياسي ان لم يكن قد تبلور و صار حزبا ، دون ان ننسى
تاثير اللغة و الدين على الجغرافيا و تاثيرهما عن السياسة
القبعة و الشاش و الجامعة و المجتمع ، تلك الفكرة التي تجعل الفرد في نظام
...........!.