الجامعة و البحر
العقيد بن دحو
العنوان اعلاه ، ليس عنوانا لرواية من ابداع مخيلة روائي شاعر ؛ و شاعر
روائي . من حيث الرواية شعرا مقروءا ، و الشعر رواية مغناة ، او هناك انصاب تتكلم
، و هناك انصاب تغني او كما يقول ( بول فاليري).
" الجامعة و البحر" ليست عنوانا
على مقاس روائي : " العجوز و البحر" الكاتب الروائي
" همنجواي" ، و لا هي اسقاطا على رواية " وليمة لاعشاب البحر
" للروائي العربي " حيدر حيدر" ، و لا رواية " مارواه البحر
" للروائي " فتحي عليم ".
كما كنا نجد في العديد من الاثار الانسانية الخالدة ، الضاربة جذورها اعماق
ما قبل التاربخ و التاريخ.
اين مجدت و قدست البحر ، كالاليادة ، الاوديسة ، و الانيادة. اهمية البحر في اشعار الاغربق الاوائل الملحمية
، نجدها ايضا بالاشعار الدرامية بشقيها التراجيدي و الكوميدي. اين جلت البحر
وجعلته الها ، ثم سمته " بوزيدون" تقدم له القرابين و خصال ضفائر
الحرائر ، و ترانيم و ترديدات اناشيد كورس وجوقة الاعياد (الديونسيوسية).
اود ان اقول ماذا لو طلبت كل ولاية من ولاية قطر الوطن الجزائري بجامعة او
بمركز جامعي خاصا بها!؟
كيف سيكون الحال. ؟!
دعنا نقر صراحة ، بعيدا عن العواطف ، و بعيدا عن الجهوية ، و عن المحلية
الضيقة.... .
رحم الله زمنا كانت الجامعات تتمركز بالمدن الكبرى الساحلية...ذاك الساحل
الذي يمتد على طول 1644 كم.
اين كان الطلبة عبر ربوع الوطن يحجون طلبا للعلم و المعرفة ، و اين كان
المحيط بصفة عامة جامعة. الحي جامعة ، و المدينة جامعة، على اعتبار المدينة عند
الاغريق تسمى (بوليس) / Polis : بمعنى : احسن معلم.
ناهيك ان كانت هذه المدينة و جامعة في مواجهة البحر (بوزيدون).
اتساءل في ذهول و في دهشة ما الذي تبحث عنه هذه الجامعات و هي تبعد عن
الساحل البحري بالمئات الكيلومترات ، اذا ما علمنا : " ان الحضارة شيدت على
شواطئ البحار "!؟
نقول الجامعة كونها تحمل صفة الشخصية المعنوية. ثم ما الاضافة التي اكتسبها
هذا الطالب الجامعي وهو لم يغادر حيزه الجغرافي ، مسقظ راسه ، حيث ولد ، و نشا ،
تعلم ، ووظف ، و تزوج ، ثم اقبر دون ان يضرب بوحدتي الزمان و المكان في مجرى حياته
!.
في يوم واحد و في مكان واحد يتم فعل واحد لشخص واحد .
هذه الراديكالية الكلاسيكية التقليدية بمعنى الكلمة ، عندما يصير المكان
يتحكم في اسلوب سير حياة الجماعة الجامعية.
و اكتسبت الجماعة عادات و تقاليد نفسية و مادية ، حتى اذا ما تعلق بها صار
قانونا.
ماذا لو طالبا جامعيا بالصحراء او بالجنوب ، او هو استاذا ، او هو موظفا
اداريا فتح نافذة او بابا من ابواب مرفقه الاكاديمي ، يا ترى على اي افق و مدى تم
فتحه !؟
على الافق الممتد من الفراغ الى الفراغ ، فراغ الجغرافيا ، فراغ الصحراء و
التصحر ، فراغ الجنوب ، بل ما يشبه صب اكبر عملية ( تفريغ) تشهده الجامعة و هي تحط
اوتاد سرادقها من اسماء لا توافق طباعها. تفريغ الحيز ، و المساحة ، و تفريغ اللغة
و الاسلوب معا ، تفريغ الثقافة و المعلومة من اي معنى اكاديمي خلاق ، تفريغ اللغة على اعتبارها لغة تواصل و الربط بين
الانسان و المحيط. بقدر ما كانت مزدهرة و تعيش عصرها الذهبي. يوم كانوا الطلبة
يطلبون العلم في جامعة يحتضنها الساحل البحري و المدينة المعلم. بحجم الجزائر
العاصمة او بجاية او قسنطينة او وهران او سيدي بلعباس.
قد نتفهم سر وسحر السياسة ؛ فن الممكن، عندما تجعل غير الممكن ممكنا ، و
عندما تجعل البحر في احشائه الذر كامن ، حتى اذا ما سال الغواصون عن صدفاته. انقلب
السحر على الساحر و انكشف السر !
ما اشقى و اتعس جامعة بالصحراء او بالجنوب بعيدة عن المارد البحر ، البحر
الاله ( بوزيدون) الاسطورة : ميراث الفنون ، و ميراث العلوم ، و ميراث الثقافة ، و
ميراث الحضارة او كما يقول " نيكولاس فريده" : فهي زاد معين لا ينضب
للافكار المبدعة ، و للصور المبهجة ، و للمواضيع الممتعة ، و للاستعارات و
الكنايات. في البحر الكثير من المعالجات السيكولوحية ، و البناءات اللغوية،
الاساطير و الادب و المعالجات البنائية ، و علم الاغراض.
كم كان حجم خسارة جامعاتنا كبيرا يوم انفصلت عن البحر كتعبير مجازي و
استعارة و كناية و مشبه به ومبحر في حد ذاته.
كم كان حجم خسارة جامعاتنا كبيرا حين انفصلت عن العواصم الجزائرية الكبرى
السياسية و الدبلوماسية ، و العاصمة الاقتصادية ، و العاصمة الثقافية ، و العاصمة
الفلاحية.
الان فقط ادركنا كعادتنا متاخرين :
لماذا الرعيل الاول من اجدادنا و اباءنا المجاهدين الميامين رفضوا
الفكرة الاستعمارية الاستدمارية؛ الفكرة
" الانفصالية " ، فصل الصحراء عن الشمال !.
بمعنى لا قيمة لاي مشروع قومي وطني بعيدا عن الساحل دون ان يكون بطريقة او
باخرى امتدادا للبحر.
البحر هو المنطلق كما كان في عهد عروج و اخيه بربروس ، دون ان تكون
المدخلات مدخلات بحرية.
صحيح علمتنا الحضارة الديمقراطية حجم الحرية و المساواة و العدالة ، عندما
يكون الملموس لدينا حجم تاثير الجغرافيا في السياسة ، حجم تاثير الجغرافيا في
المجتمع ، و تاثير حجم ااجغرافيا في الثقافة.
يبدو من الادلة التاريخية ان
جغرافية الدولة البحرية ، من الساحل كانت عنصرا ايجابيا في مولد الديمقراطية و
بقائها ونموها .
بل قي العلم و الثقافة و الحضارة.
اذ يكون من غير المعقول ان تترك الدولة الجبل و البحر و تحول مقراتها
الحكومية و الدبلوماسية او نوعا من انواع حكمها ،
بعيدا عن الساحل الى الصحراء او الجنوب تحت اية حجة من الحجج. !.
فقد استجاب من ذي قبل الاقتصاد و الثقافة الاثينية للتاثيرات البحر
الليبرالية ، كما تشجع على تبادل الاراء و الاقتصاد و التجارة في الموانئ و
المرافئ ، حيث يختلط المسافرون و طلبة العلم و الزائرين الجدد من كل حدب و صوب..
على الحكومة في هذا الا تجاه ان تعي تاثير الجغرافية عند كل تخطيط استشرافي
، و عند كل تنظيم و توزيع مواردها المالية و المادية ، و بهذه الكيفية تتكيف
السياسة حسب الموقع لا المواقع (...) !
وهكذا اصبحت السياسة لا تشمل حكم الناس فحسب ، بل السيادة ايضا على المنطقة
التي يعيشون فيها.
يعني العلاقة بين اساس الدولة الجغرافي و طبيعة سياستها. و لا يمكن انكار
واقع وجود علاقة بين الجغرافيا و السياسة و النتيجة كان هذا البعد و هذه الخسارة و
هذا الفراغ. جامعة بلا جبل ، حامعة بلا مدينة ، جامعة بلا بحر !.
ومع ذلك لا زلنا نسمع من يرافع و يدافع على انشاء جامعة في الربع الخالي !
و لا تستغرب ان كانت في العرق الكبير او
عرق شاش حيث لا رماية و لا سباحة و لا ركوب خيل.
و لان لا شيئ ياتي متاخرا دوما ، سيكون الحل هو النزول من مركبة قطار الخطا
عند اول محطة . و نعيد تقييم و تقويم هذه الجامعات البعيدة عن المدينة بالمعنى
الاغربقي للكلمة : الاحسن معلم ، و
البعيدة عن البحر. بالمعنى العميق للكلمة ، ابداعا و ابتكارا ، علما و تعلما و
تعليما ، حوارا وقوة و تاربخا و جغرافية و سياسة و ثقافة و تجارة.
حسب المفكر علي المنجرة المغربي ، لا بد من التفكير في بناء السكك الحديدية
و قطار عابر من الساحل باتجاه الصحراء كمعادل بحري ، لفك العزلة عن الجامعة
الصحراوية و بالجنوب ثانيا ، لنقل و تبادل العمال و الطلبة ؛ اذ وهم بنتقلون ؛ و
يسافرون ؛ ينقلون و يحولون و يتبادلون المعارف و الافكار من جامعة الى جامعة ، و
من مناء على اليابسة الى مناء بحري ، و من مدينة الى مدينة اخرى ، فتوحيد الرؤى و الافكار يجعلنا نحطم الجدار
الرابع عن جامعاتنا و نفك عزلتها الطبيعية و نجعلها تعيش الفصول الاربعة في السنة
الواحدة ، عوضا عن هذا (النينيو) الذي جعلنا نعيش فصلا واحدا موحدا متوحدا :
صيفا...صيفا...صيفا...
صيفا ! ينذر بنهاية الموسم مبكرا.
صحيح قد يقول قائل ( العولمة) جعلت المعمورة قرية صغيرة ، و جامعات العالم
عبر الثورة السيبرللية صارت جامعة واحدة. غير ان نقول بالمقابل عملية بناء الانسان
و انسنة الانسان تتم عن طريق الانسان الناجح و البيئة ايضا لانقاذ و خلاص الجميع ،
و ليس في ذاك الشعار :
" انقذ نفسك اولا " !