معنى "الجائزة" الدلالة و الرمز
العقيد بن دحو
تقول الاسطورة اليونانية : كان اياس بن تليمون ملك سلامين بطلا من ابطال
اليونان امام طروادة ، و حمى اليونانيبن جميعا بعد ان انهزم زعماؤهم و ابطالهم ؛
فما زال يدافع عنهم حتى اقبل اخيل فرد اعداءهم منهزمين. فلما كان مقتل اخيل جعل
اليونان سلاحه جائزة لاعظم ابطالهم شانا ، و اجلهم خطرا ؛ ففاز بها اوديسيوس ، و
غضب لذلك اياس فذهب عقله ، و انحى بسيفه على ما كان في حظائر اليونان من ماشية ،
فلما عاد اليه صوابه استخزى لما فعل فقتل نفسه.
كانت هذه اسطورة او عقدة الجائزة " اياس " كما هي في ماساة او
تراجيديا الشاعر الدرامي صوفوكليس مما قبل التاربخ او تعود الى ( - 425 ق.م) .
الجائزة تلك الاثار يمكن ان تفسر من خلال " اياس" البطل الاغريقي
، المحارب ، المريض ، المرض العقلي ، الذي يحمل سيفا بتارا في يده. او كما يقول
الالمان النقاد. البطولة المقرونة بالمرض ، و هي مقترنة في كثير من الاحيان بذهاب
العقل . و القوة لا تقدر ان تقوم دون ان تلحق التشويه بنفسها.
سلاح اخيل...الجائزة...المنافسة...الفوز....الغضب...ذهاب العقل....استرداد
الوعي...الانتحار.
كانت هذه مجمل كلمات عبور جسر شر
لا بد منه للوصول الى معنى الجائزة و تبعاتها الاخلاقية و سوء الاخلاق ان كانت
للجائزة من اخلاق او ضمير ما تتكئ عليه.
اما عند الفرنسيين عند " بلزاك " الاله ، اله الرواية
للسيكولوحية المبدع الخالق المختلق ، من قال على نفسه : اذا كان نابلوين رجل
اوروبا ازدرد الجيوش ، و كوفيه كان مكافئا لهذا الكوكب ، فاني انا باستطاعتي ان
احمل مجتمعا باكمله في ذهني
او كما قال جان جاك روسو : " الجائزة تلك الجزرة التي تقود الحمار
" !.Le prix est la carotte qui
pousse l'^ane .
غير ان عميد الادب العربي د. طه حسين في مؤتمر الدولي للدفاع عن الثقافة
بالبندقية 1954.
حين اشار الى ضرورة اخلقة ( اللعبة) ، لعبة الجوائز ، فهناك صفقة مشبوهة
غير شربفة ، بين الجهة المنظمة و الشخص المتوج المحتمل ، ناهيك عن
المقيمين المقومين القضاة ، التي تربطهم و تجمعهم مع الاعمال المقدمة الكثير من
العلاقات و التاويلات السيكولوجية السوسيولوجية الاتثربولوجية و حتى التكنولوجية و
السياسية حتى التي تجعلهم في محط شبهة !.
فاذا كانت غاية الجائزة او المكون الاساسي لها الانتشار اولا ، و توزبع
الكتاب على نطاق واسع حسب الجغرافية الثقافية و الدوائر ااشعبية ، فمن جهة اخرى لا
يمكن ان ننكر اهمية العائد المالي المادي ، فبعض الجوائر ذات المبالغ القيمة ، قد
تضمن للكاتب او للمؤلف ضمانا ماليا تجعله يعيش في اريحية من امره.
لهذه الاسباب او تلك ترى العديد من الادباء العالميين و الكتاب و الفناتين
و الاقتصاديين يرفضون الجوائز حتى اولئك الاكثر شهرة و قيمة كجائزة نوبل ، و
يفضلون ان يعيشوا احرارا دون ضغوطات او تبعات اخرى سياسية اجتماعية اقتصادية و
رهانات اخرى.
الا ان عندما تحولت الجائزة الى مؤسسة تمويل او دعم او رعاية ، صارت المهنة
الثانية نوعا من الحل. كان تسند لاديب ما او لكاتب ما او لمثقف ما وظيفة حكومية
مرموقة ، اين تمكن رجل الادب و الثقافة من ان يقترب ويقارب رجل الحكومة او رجل
الادب.
فمهما اسندت من وظائف حتى رتبة وزير لاديب تعتبر نوعا من انواع الدعم و
الرعاية ، في حين تعتبر وظيفة سياسية تنفذية اذا ما اسندت الى رجل اخر من قطاعات
اخرى.
اذن الجائزة ليست مجرد شواهد كرتونية ، و دروع كريسطالية او اشياء مادية.
وانما مهام (تفرغ) ؛ كان يتفرغ الكاتب لمهامه النبيلة.
ان المهنة الثانية هي الحل الاقل سوءا ، و هي حل قديم.
الجائزة ، بالرغم من الخدمات التي
ادتها ، لا تلائم متطلبات علم الاخلاق
الاجتماعي.
لقد كان " ارسطاليس " مؤدب " الاسكندر" و Pline موظفا كبيرا
في الامبراطورية الرومانية ، و Bacon رجل دولة في المملكة الانجليزية ، و شاتوبريان سفيرا لفرنسا ثم وزيرا ، و ملارميه استاذا ، وجيرودو دبلوماسيا ، و
سرفانتيس واغريبا دوبنية رجال حرب ، و العديد من الاطباء و المهندسين و القساوسة و
رجال الدين.
اذن الجائزة هي ليست كل شيئ. لقد كف و استغنى العديد من الادباء و الكتاب و
المؤلفين و المفكرين عن لعبة الجوائز . وقدموا انفسهم للجمهور كما هم في ذاتهم ،
انسان مقابل انسان لا يقدر بمال و لا ذهب و لا فضة.
الجائزة قيمة و صفقة غير شريفة ، كون النصير او من يرعى و يدعم يعطي ذهبا
او فضة ، ينفقها رجل الادب كلما حصل عليها ، بينما رجل الادب يعطي دمه و عرقه
اللتان لا يمكن ان يصرفا باي حال من الاحوال.
كان لا بد من انسنة و اخلقة هذه الجوائز حين يذوب الاستغلال المالي
الاقتصادي و التجاري في الاستغلال الفني التقني الثقاقي ، و كذا البحث عن سلوكيات
اخرى اكثر حرية و مساواة و عدالة تضمن تموين و رعاية الابداع الحر دون اي طريقة من
طرق العبودية.
ان عبودية اصدار الحلم من عبودية الكلمات ، و عبودية الكلمات من عبودية
الافكار ، و عبودية الافكار من عبودية الافعال.
ان عبودية الشعر توازي عبودية حرية الانسان.
حينما يسعى جاهدا الى رهان الجائزة ، ساعتئذ يرهن و يفاوض عرقه و دمه
اللتان لا تقدر بدراهم معدودات ، و بما هو خير و ابقى .