الكتابة في زمن العالم الثالث
العقيد بن دحو
قد يحسبه
الظمان ماء من شدة الرمضاء : اي حر وقر الجوع و العطش.
كان هذا لغة
على سبيل الاستعارة ، الكناية ، الشبه ووجه الشبه و المشبه به ؛ اذا ما تعلق الامر
بالكتابة حرفة ، حلم ، موهبة ، حبكة و صناعة.
اما اصطلاحا
و فيلولوجيا ، لم تكن يوما الكتابة ، منذ النشاة البدء ، و تواجد الانسان بكل
انواعه ، من الانسان العارف Homo sapiens
, الى الانسان اللعوب Homo ludens , الى
الانسان الخرافي Homo faber ، الى
الانسان المتدين Homo rslegiuos ، الى
الانسان الشاعر Homo poeticus ، الى
انسان هذا العصر الذي اثقله منطقه ، تعبر
كما هي حسب المفهوم التقليدي الساذج . فالكلمات لم تعد كلمات ، تماما كاكاليل
الزهور و الاس التي توضع على قبر الميت ؛
فانها تشير الى عظمة ميت ، كما هي شان الورقة التي تسقط من الشجرة لا تدل على الشجرة ذاتها ،
انما تذكر بالشجرة.
جهاز
المخابرات و الاستعلامات في اي دولة من الدول ، هو خير العارفين بطقس الكتابة ،
حين ينقلب فيها السحر على الساحر ، و يصبح لها في اي لحظة من اللحظات تعطى
لها تاويلات و اشكالات اخرى ..... ، مما
تطرح عدة قضايا : نفسية، اجتماعية ، ثقافية ، اقتصادية ، سياسية و حتى امنية منها.
فالكتابة في
مجرى التاربح كانت تدل على الخسارة اكثر منها على الكسب.
فمثلا عندما
يكتب كاتب ما من الجنوب فصاحب المراس ، الفهامة العلامة بابحر فك شفرات الحرف يدرك
بان مشكلة ما في الجنوب اولا.
ثانيا /
عندما يبحث في طبيعة الموضوع ، الكلمات
، الجمل ، الاسلوب ، فاذا كان الموضوع على سبيل المثال لا الحصر
ثقافيا قالمشكل ثقافيا ، و اذا كان الموضوع سياسيا فالمشكل سياسيا ، و اذا كان
الموضوع اقتصاديا فالمشكل اقتصاديا و هلم جرا.....!
لن تجد عالما
يفهم و علامة في علم الكتابة مثل العالم الثالث !
فالمواطن و
المسؤول على حد سواء يدركون اكثر من غيرهم حجم خسارتهم المالية و المادية و
المعنوية ، و لم يعد يهمهم الذي يموت بقدر ما يهمهم من يحيا.
لذا تجد حجم
الضرر يقع على الكتاب ، اكثر من غيرهم بقطاعات و جماعات و قربى اخرى...!
كون الاجهزة
و الميكانيزم الامني يعلم مسبقا ماذا تعني الكتابة في مكان ما في زمن ما... حتى ان
كانت الكتابة رسالة تبريكات افراح زواج او اعياد ميلاد او البحث في فائدة العائلات
، او دعوة الى لعب الكلمات المتقاطعة او رصد حالة الطقس. هذا النوع يتطلب حل او فك الشفرات ، حتى ان كانت هذه الرسالة
ليست من جبهات القتال او من مواقع بؤر
التوثر ، كما كانت سائدة ابان الحرب
العالمية الثانية ، الحرب النازية.
هم شعوب و
قادة دول العالم الثالث ، خسر ما خسرت ،
يوميا شاهد القرن على خسارته الابدية ، و فوت الفرص تلو الفرص على اهله و
ساكنته ، لذا رغم انتشار حجم الامية الا ان بالمقابل حجم عدد الكتاب اكبر. كونهم
ابناء بيئتهم ، لا يمكن لهم ان ينفصلوا عن الظاهرة الاجتماعية ، فكل ما يحيط به
خسارة. خسرت دولهم الحرب ، خسرت السلم ، خسرت التنمية ، خسرت الثورة ، خسرت
المشروع الكوني الانساني ؛ شروط النهضة ، خسرت النجاح ، خسرت الكسب ، و خسرت
الخسارة !.
هكذا تفهم
طبيعة الكتابة سيف ذو حدين ، و ليست نزهة في عالم الحلم الفردي او الحلم الجمعي ،
و انما كالذي نصب خيمته بالظلام لان بالداخل اقل قتامة!.
او كمثل ذاك
الذي يتدرب طول النهار المشي على حبل معلق على ارتفاعات شاهقة ؛ قبل ان يسقط و يدق
عنقه !.