حيزية" الحلم الجمعي حديثا بالف صوت
العقيد بن دحو
كان (بول
فاليري) يقول : " هناك انصابا تتكلم ؛ و هناك انصابا تغني " .
بمعنى : و بهذا المعنى : ما من تم فرق بين الشعر و
الرواية ، فالشعر رواية مغناة ؛ و الرواية شعرا مقروءا. هذا بالظاهر اما ما خفي
اعظم.
يجرنا هذا
البدء ، الى ما صار متداول هذه الايام حول القصيدة الدرامية التراحيدية الماساة
الشعرية و الشاعرية الشعبية ، التي اوشكت ان تنتقل عبر منصات شبكات التواصل
الاجتماعي من صراع درامي الى صراع اجتماعي.
ذاك ان
الاشكال و التاويل ان معظم الكتاب و
الفنانون والمثقفون الجزائريون يكتفون منذ ولادتهم الادبية و الفنية على فن واحد ،
في عصر اثقله منطقه ، و لم يعد القبض فيه على اللحظة الزمنية المسحورة بالامر
الممكن.
يصل كل ادب و
كل فن الى الضيق بذات نفسه ان ان تلحفه فنون و اداب اجناس و امم اخرى او كمايقول (
هوراس).
هذا الصراع
على منصات شبكات التواصل الاجتماعي اوشك ان يتخذ مشكلا جهويا او قبليا او عشائريا
، بل الخشية ان ينزلق الى صراع عنصري او صراع على حساب تاثير التاريخ و الجغرافيا.
كشف هذا
الصراع مدى الهوة السحيقة بين الجماعة الثقافية ( الاونتلجونسيا) الاورستقراطية ،
نظرا لطبيعة الرواية ذات النظرة البرجوازية الاقطاعية. حتى القرن التاسع عشر كان
ثري رجل ذاك القرن. لقد كفت عن مجاراة التاربخ و صارت الرواية فنا من الفنون. ترى
كما يرى الرسام بالالوان ، و النحاث بالحجوم و اخيرا صار الروائي يرى وفق
الانطباعات المعاشة او وفق علم وقائع الشعور ، واصفة الحيوان و قوقعته و الانسان و
ييئته. وكذا الهوة بين الدائرة و الجماعة الشعبية ، ناهيك عن حجم الخسارة.
كون الشاعر
بن قيطون الشعبي خسر "حيزية" فقط ، بينما ياتي الروائي ليقول لنا
الخسارة كانت اعظم بحجم خسارة وطن.
طبقا للمقولة
عندما تخسر حبيبا تكتب شعرا ، و عندما
تخسر وطنا تكتب رواية .
لكن هذه
الخسارة فنية ادبية ، بقدر ما يلحقها من دمار و تشويه بقدر ما يقابلها من بناء و
عمار. يقوم على نوع من ترتيب المادة ،
وايقاع يتلقاه من المبدع اكثر مما بتلقاه من المادة نفسها اي الحجوم المعمارية و
الاصوات الموسيقية و الكلمات الشعرية.
- الاشكال
الثاني :
ما الضير ،
لو سمينا الاسماء بمسمياتها ، مع حفظ الالقاب و الرتب ، لو سمي الاثر الفني
اقتباسا او تناصا ، ما العيب في هذا و ذاك ؟
و لنا في
التاريخ الادبي العالمي عدة كتابا ، حتى يوجد منهم من تحصل على جائزة نوبل ، و ختى
يوجد من رفضها بقدها و قضيضها و بهرجتها و طلاسم سحرها الاسر الساحر للعقول و
لللالباب. مثل الكاتب الوجودي الفرنسي ( جون بول سارتر) ، من اقتبس من "
الاوريستة" الاغريقية ، ثلاثية اسخيلوس (حاملة القرابين - اوريست - اجاممنون)
، نصا جديدا باسم جديد " الذباب" او " الندم". او لكان يترك
لنا الاسم القديم " اوريست" كما هو في قالبه الحديث.
الاسماء و
الطباع قلما لا تتفق . اللهم الا اذا كان يريد ان يقول لنا الروائي او اي فنان
حاليا ، الزمن كان متوقفا منذ ان كانت
حيزية و بكاها الشاعر الشعبي دما و كلمات.
لقد كتب
(سارتر) " الذباب" و هو الاسم
الذي اطلقه على صياغته الجديدة لاوريست عام 1943 خلال الاحتلال النازي الهتلري
لفرتسا ، مدينة باريس.
وهنا كانت
اضافاته وتحويراته تتناسب مع الوضع الجديد بل و تؤدي دورا في المقاومة بشكل تتمثل
فيه فكرة الاغراب او ( الاغتراب). الذي يجعل من الاحداث القديمة اسقاطات على
الاوضاع الجديدة.
ايضا قد نجد
هذا عند الفنان المبدع المخرج السينمائي كوكتو ، حين استخدم و استغل التراث
التقليدي الاخلاقي الكلاسيكي اليوناني ، من خلال نص " انتجون" للكاتب
الدرامي التراجيدي اليوناني ( صوفوكل) و اعطاها ابعادا عالمية انسانية معاصرة
جديدة اخرى. اذ ضرب بكل الوحدات المقدسة المعهودة ، كما ضرب بوحدة المذهب او
المدرسة الفكرية ، اذ انتقل كوكتو المخرج من المدرسة الكلاسيكية الى المدرسة السيريالية.
و عندما
يلتقي كوكتو مخرجا و بيكاسو مهندس ديكور على ركح واحد ، فحتما سيتاكد للمتلقي فكرتي التجديد و التجريب
. استطاع ان يتخطى حواجز المكان بل حواجز الزمان فيتخذ من الانسان موضوعا و من
العالم موضعا و يجعل وقته هو العصر المعاصر .
يمكن ان نتخذ
من شعار سوسيولوجية الادب ( روبيرا لسكاربيب) : "اقراوا قصة الفيلم في كتاب
" رايا مخالفا او وحهة نظر اخرى ، اذا ما طرحنا قصة حيزية باللسان المحكي او
القصيدة الشعرية المغناة كان تتحول الى كتاب ، سواء كانت رواية او اي فن زمكاني
اخر. بمثابة الاعلان المثالي عن ما تعاني منه الرواية ، ازمة المقروئية و عدم انتقالها بسلاسة و سهولة
من الدائرة المثقفة ، مشكلة قربى جديدة تجمع ما كان مستحيلا ما يسمى بالادب الشعبي
بما هو اكاديمي ثقافي ، ايضا قربى ثقافية شعبية ان لم تكن مكونا لمصلى ادبي.
من جهة اخرى
انقذت الاسطوانة و الشريط المغناطيسي السمعي البصري و لا سيما الرقمي منه اليوم
اكثر من اي وقت مضى الشعر الغنائي من التكديس في صفحات الكتب.
ومن ادرانا
لعل رواية مقروءة في كتاب تبعث لنا حيزية اخرى ، صورة اخرى ، تلك اللمحة الاولى
للاشياء حديث بالف صوت. او من يتكلم بالصور البيدائية يتكلم بالف صوت او كما يقول
( يانك).
- الاشكال
الثالث :
الا ان هناك
اطراف اخرى تقدس التاريخ ، و توهم (القراء) ان بقي من قارئ محتمل على هذه البسيطة
، انه يكتب رواية تاريخية في عز نهاية التاريخ ( فوكوياما).
كان يلجا
الكاتب الى ما يسمى (ادب الهروب) ، يهرب الى التراث. و حيزية الاغنية نتاج مخيلة
شاعر ، كالبروبجندا او الدعاية صارت تتغذى بالتراكم او الاضافات ، صارت حلم جمعي ،
او مكونا للضمير الجمعي.
صوت الشعب من
صوت الاله ، او اذا تعلق الشعب بشيئ صار قانونا او صارت ( مسطرة) ، تسطير الاولين.
بمعنى اذا
كان الحلم ، سواء حلم اليقظة او حلم النوم اسطورة الفرد ؛ فان حلم الجماعة هو
الاسطورة. فتصير عندئذ حيزية شبيهة بالتاريخ. اذ لبناء حضارة يلزمنا تاريخ و
الشبيه للتاريخ او كما يقول ( مالرو). بمعنى العمل على ( مؤارخة) الاسطورة و احالة
الاسطورة الى تاريخ او كما قال (مالرو) .
و حتى تصبح
الاسطورة حيزية رواية ، حيزية ، حتما سوف
نصطدم بالبلوكاج الادبي الفني الجدال التاريخي بل ما قبل التاريخ ما بين الادب
بصفة عامة و الرواية بصفة خاصة ما بين الاسطورة و الرواية مجددا ، او ما بين
الرواية كاثر شعري فني مغناة و ما بين الرواية كفن حديث ، او كتمرين ادبي يتمرن
عليه الاديب ليعبر لنا عن شيئ احر.
ما هذا (
الشيئ الاخر) الذي اخفته حيزية طيلة د
هذه السنين و
لم تبوح به لا لاهل و لا للجيران و لا حتى لابن قيطون العشيق الولهان الشاعر
الماخوذ نفسه.
سوف تصتدم
الرواية المحتملة او اي فن اخر بقوة حيزية التي تتكئ على متكئ حديقة خلفية كنز
المشاعر و العبرات.
تختلف
الاسطورة عن الشعر و الادب عموما من حيث الشكل و المحتوى ، الاسطورة تحيا بالمجاز ، و هذا يمكن ايصا له
بالرموز اللفظية لاية لغة. الا ان الادب يحيا بفضل لغته.
الا ان راي
اخر الاساطير جميعا خارج نطاق الادب. و ان القيمة ليست قيمة ادبية ، كما ان
تثمينها ليست تجربة حتما.
الا ان راي
ثالث مثل (مالينوسكي) يرى : الاسطورة جنين الملحمة و القصة و التراجيديا
المستقبلية.
الاستعارة هي
الميدان المشترك بين حيزية كاسطورة و بين الرواية. كم هو محزن و الادب الجزائري
يشهد هذا الفقر الادبي او المرض الادبي ، حين يعود الاديب الى الشرائط الاغاني
القديمة ، يبحث عن ارثه ، عن خلاصه باسطورة قديمة الحلم الجمعي ، بل كما يقول (
فريدريك شليكل) حاجة العصر الحديث الى اسطوريات جديدة توحد الادب الحديث ، كما
وحدث الاسطورة القديمة الادب الكلاسبكي التقليدي اليوناني الروماني.
اذن الباحث
عن جديد من قديم ، عن ادب حديث عالمي بقدر ما تكون عالمي (روجو) ، بنفس الاسم ، و
بنفس الحلم الفردي او الجمعي ، سيكون نوعا
من انواع النرجسية. الانانية او الميكيافلية بكيفية او باخرى. و ما الحب الا
للحبيب الاول. سيظل الشعر خزانا لا ينضب للاساطير الشعبية و اي محاولة اخرى على
عنوان موجود كمن يحاول ان يهدم اواصل العلاقة بين حيزية رمز الهائل ، المذهل ،
المدهش. بينما الشاعر الرجل يتامل هذا المدهش دون ان يتفهمه.
فالرواية
تريد ان تفهم مدهش حيزية ؛ تفاجئها قبل ان تتحول الى كائن اخر.
الجدال القائم
الاسم " حيزية" المشترك بين القصيدة المغناة الحرة الطليقة على جميع
الالسن ، و بين ان تصير رواية اسيرة ، سجينة بين دفتي كتاب ، يحولها الكاتب الى
متاعه ، الى شيئ من بين اشياءه. يخضعها الى احد غرفه عملياته ، يقوم عليها بمختلف
التحارب البيولوجية الفيزيولوجية ، با يخضعها الى ما يسمى " سرير
بروكست" .
لا اعتقد
رواية حيزية شعرا و اسطورة سوف تجد نفس الرحب الجماهيري روائيا ، كون فنا حديثا
بورجوازيا ، و هناك فضائل لا يمكن ان يمارسها الفقراء الا اذا كانوا اغنياء.
وحدهم
الفقراء احبوا بعمق و عرفوا كيف يترجموا حبا الى مشاعر لا ثقل لها. بينما الاورستقراطيون سرعان ما
يحولون مشاعرهم ان كانت لهم مشاعر الى حب. Eros
له ثقل مادي كحقيقة الاشياء له كتلة و مساحة و حجم و لون و سعر ايضا.
وحده الحب
الشعبي ( وطن الحلول) ، فهم يسمون ابناءهم و بناتهم باسماء غربية اجنبية ، و عندما
تاتي للولادة الادبية يعودون الى فهرس ؛ و الى (ثيوغونيا) Throhonie
اسماء المواليد الشعبية لا نقاذ ما يمكن انقاذه.
اذن هنالك
شيئ في علم زراعة الانسجة و الاعضاء البشرية يرفضها الجسم الذي يحتاج الى عضو
من جسم اخر.
وعليه كم
نشعر بالثقل و اسم حيزية تقتلع من غصنها الذهبي ، من اكليلها الشعري الغنائي الى
اي جنس فني اخر ، و على اي سرير اكلينيكي او اركائيكي او انثربولوحي او حتى على
سرير بروكست كما جاءت به الرواية الحديثة.