النشر بالجرائد و النشر في الكتب الادبي و الفكري
العقيد بن دحو
يقول (
نابليون بونابرت) سنة 1792 : " جريدة واحدة تعادل مئة حرب ".
لهذه الاسباب
و تلك ، و لهذه المخرجات و المكون الاعلامي الخفيف تفوقت الجريدة في النشر عن
الكتاب !.
سواء نشر
الخبر ، الخبر مقدسا و التعليق واجبا.
اخيرا صارت
الجريدة و المجلة و الصحيفة عنوانا كبيرا للاعلام ، صارت سلطة رابعة..بينما ظل
الكتاب تابعا يوفر الترفيه و ادب الهروب و التسلية للمرضى بالمعنى الاعم للكلمة.
ومع ازدهار
المطبعة الميكانيكية و الالكترونية استفادت منها الجريدة ايما استفادة ، رغم ما
صار يشكل اعلام المحتوى من تحديات و تحديدات ، عبر منصات شبكات التواصل الاجتماعي
، و اين الصورة و الاشارة و الرقم صاروا اصدق انباء من الكتب ما بين الجد و ( اللعب) ، حين يصير الاعلام عموما ، الخفيف منه صناعة ثقيلة ! معدات حربية ثقيلة
كالدبابة و المدرعة و منصات الصواريخ العابرة للحدود و للقارات. شانها شان البواخر
و الفرقطات و الغواصات ، شانها شان الطائرات بمختلف الوانها ، انواعها و اشكالها.
شانها ؛ سان اقمار التجسس الصناعية.
كم كان
نابليون بونابرت محقا مستشرفا ، و هو القائد العسكري ، الذي عاش حياة اوروبا و
ازدرد الجيوش ، عبر اقطار المعمورة. حين التمس مبكرا الدور الخطير و السلاح الفتاك
الذي تلعبه الجريدة في حياة البشر ابان السلم و الحرب على حد سواء.
اخيرا رغم
خفة وزنها وعدد اوراق صفحاتها ، الا انها تفوقت عن الكتاب ، و ادخلته دورة التكرار
المكرر ، او الارشيف ، او حتى المتحف!.
" ان
المتحف هو الذي يجبر الصليب على ان يغدو نحثا " / (مالرو).
و بالقياس
ادخل الكتاب المتحف ، يوم ان احرقوا رعاع الكتاب المراحل وراحوا مباشرة الى الكتاب
، الحلقة المفقودة ، ليخطوا على صفحاته كبثهم الجنسي الاجتماعي ، و عقدهم الثقافية
، و سادياتهم ( السادية) السيكولوجية.
ليعرضونه
اخيرا في سوق البغى البيع بالاهداء او البيع بالتوقيع ، هذا بالظاهر اما ما يخفى
اعظم ، الكتاب يمنح مجانا و لا احد يقرا او يتابع.
المواطن لا
تزال تربطه نوستالجيا حميمية مع الجريدة - و رغم كل شيئ لا تزال تمثل رمزا وعي
جمعي للامة اعلاميا و ثقافيا.
لا تزال
ذاكرته قوية باتجاهها ، له جميل عليه ، يوم شاركته و عايشته بالسراء و الضراء سواء
ابان الاستعمار او بعده.
بينما الكتاب
عاش حياة اورستقراطية بين الاغنياء و كبار الساسة و القادة. و ماسكت عنه الكتاب
اكثر مما نطق به.
في حين
الجريدة رغم ما اصابها في ايامنا هذه ، من
اعلام مواز و متفاعل ، اكثر ذكاء ، و اكثر ثقاففة و حضارة ، الا ان الجريدة عرفت
كيف تمتص الصدمة و تربح الحرب !.
في حين
الكتاب ظل نائما يقتات مما تجود عنه صناديق الدعم و الرعايا غير الاخلاقية ، مخدرا
بايات التبجيل و هدايا جوائز النفوس المسعفة.
ثم يعود
الفضل للجريدة حين نقلت الثقافة من الدوائر الثقافية الى الدوائر الشعبية.
بينما الكتاب
و صاحب الكتاب عمدوا الى سجن مجتمع باكمله بين دفتي كتاب. بل عمد الكاتب الى
انتهاك عدة ضمائر ، بل حول جمهور الكتاب الى متاعه ، الى شيئ من ضمن اشيائه!. يقوم
عليهم بمختلف التجارب البيولوجية باحد غرف تعذيبه ، بوضعهم على سرير "
بروكست" النازي العنصري !.
الجريدة
متجددة يوميا او اسبوعيا ملزمة بنقل الخبر او بصناعة الخبر ، و مادة ادبية او
ثقافية فكرية كخلاص او كانقاذ.
الجريدة و هي
عند بائع الاكشاك او عند بائعي المتجولين تشمل مكونا من احد المكونات الحضارة
الديمقراطية ، بينما (الثناء) الكاذب على الكتاب وعلى صاحب الكتاب يعيشا في برج
عاجي ، بعيدا عن اهتمامات المجتمع. بل صار الكتاب سجنا كبيرا يسجن مجتمعا باكمله. بل صار حفرة كبيرة لدفن نفايات
اخلاقية اخطر من دفن نفايات نووية !.
الكتابة في
الجرائد اخطر ، فكم من دولة اسقطتها جريدة ، و كم من حكومة ، و كم من قضية جرم
عالمية كشفتها و فضحتها صفحة عزلاء في جريدة ما ، و ابانتها للضمير العالمي. بينما
ظل الكتاب طفيلي يقتات على سقطات و هفوات الضعفاء ، المنكوبين ، المنكودين ، و
المعوزين بالعالم . ظل الكاتب يحاسب نفسه من رقيب ذاته ، حتى صارت الكتابة كانها
شبيهة باشارات علامات المرور ، تشير الى خطر غير معين !.
الكتابة
تتطلب الكثير من الشجاعة و التضحيات الجسام ، لذا تجد اغلب الضحايا بالعالم كتاب
الجرائد و الصحف و المجلات سواء في الاعلام ، او في حقول الادب و الفن و الفكر و
الثقافة.
بينما اهل
الكتاب بقلب بارد ينتظرون اغتنام الغنائم ، و كسب المزيد من المكاسب و المناصب ، و
الحوافز و الجوائز على انقاض ارواح اخوانهم في كفاح ساحات وغى الجرائد.
وحده الشاعر
الانجليزي " كبلينغ" الذي عرف كيف يعيش دون نشر كتابه ، و استطاع ان
يتخذ من الجرائد منصات لعبور كل الازمنة لذا ضمن الخلود ، اما اصحاب اسطورة و
خرافة البيع بالاهداء ! او البيع بالتوقيع كمن يبحثون عن " سيزيف" كبف استطاع ان يوصل
صخرته !. مع العلم انها لم تصل و لن يوصلها الى ابد الابدين ، مع هذه الهرطقة ، و
هذا العبث المحسوب عن الثقافة و الادب الذي نعيشه اليوم بمرارة.
من جديد و
كان التاريخ يبعث من جديد ، و تنتصر الجرائد للاعلام و للنشر و للابداع و لحماية
الاوطان و الانسان رغم كل شيئ!.
صدق نابليون
بونابرت حين قال :
" جريدة
واحدة تعادل مئة حرب " !.
فماذا يقولون
اليوم عن ( كتبهم) التي لا يشتريها احد ، و لا يقراها احد .... !؟