دكتاتور لكنه قدم خدمات جليلة للفن
العقيد بن دحو
لا احد ينكر ان الابداع عموما مقرونا بالحرية و المساواة، فلا حرية لاعداء الحرية ، كما لا ابداع لاعداء الابداع.
غير ان لا يمكن استثناء تلك اللحظات الاستثنائية في مجرى الزمن و في مجرى التاريخ ان نجد حاكما دكتاتورا مستبدا ، يقدم خدمات جليلة للفن و الادب و الابداع بصفة عامة ، لولاه لظل الفن و الادب و الفكر كغيره من الممنوعات ، كافة المخدرات و كالادمان على الخمر ؛ و غيرها من الجرائم الاخرى.
لكن علمتنا الحضارة اليونانية القديمة :
" اذا ما افتتن ؛ و تعلق الشعب بشيئ صار قانونا " .
لذا تجد الحكومة اليونانية مهما اختلفت نزعاتها و ميولاتها، فانها كانت دائما تعمل لما يرضي الشعب و كانت دائما تعترف بما يميل اليه الشعب و تسارع الى تحقيقه و ارضاء نزعاته ، و بذلك اعترفت الحكومة اليونانية رسميا بفن التمثيل ، لانه الفن الوحيد الذي اعجب به الشعب و اقبل عليه اقبالا شديدا، و اصبحت التراجيديا من الحقلات التي تقيمها الدولة في اعياد ديونسيوس.
غير ان يذهب بعض المؤرخين الى ان ( بيزيستراتوس) الحاكم الدكتاتور عندما عاد من منقاه سنة 434(-ق.م). اراد ان يتحبب و يتقرب الى الشعب و ان يشغله بشيئ من اللهو ، حتى لا يفكر في حريته السياسية ، فاصدر قانونا بتدوبن الملحمتين الخالدتين " الالياذة" و " الاوديسه" ، كما اصدر قانونا اخر يعترف فيه بفن التمثيل ، و ان يكون من بين المناهج و البرامج الرسمية للحكومة في عيد الاله ديونسيوس .
يزعم المؤرخون في هذه الفترة من الحكم السياسي الدكتاتوري ازدهرت فيه شتى انواع الفنون و الاداب و مختلف الثقافات.
لكنها ليست حبا في هذه للفنون و الاداب ، و مختلف القيم الانسانية فالدكتاتوري بطبعه ليست له مكانة في قلبه الا ما يجعله في منصبه، خالدا على كرسيه الها او نصف اله او بطل حسب الذهنية الاغريقية اللاهوتية التي كانت سائدة ، و حتى ان غلب تطبعه طبعه احيانا.
ليس حبا اذن في الشعب و لا في الفن ، انما كل ما في الامر الميكيافلية و البراغماتية التي انتبه اليها الحاكم الاغريقي ، و ادرك ببديهته المبكرة ان نصف ثروته عند الشعب ، و نصف سلطته الدينية و الدنيوية عند الشعب ، و ان نصفف تقريرمصيره عند الشعب.
( لاحظ هنا كلمة " نصف" ) تكاد تتكرر بالفكر الاغريقي و لا سبما الفني منه !.
و صوت الشعب من صوت الاله.
كما ان الاغارقة جميعا حكاما و محكومين لم يعودوا مكتفين لما تسرده اليهم اشعارهم الملحمية و الدرامية / التراجيديا و الكوميديا بالتكفير و التطهير . حينما حولوا اشعارهم و كلماتهم الى سلاح!.
الى ثروة قومية هي اليوم تزود العالم بمختلف الثقافات و المذاهب و المدارس و الافكار.
في مجرى التاريخ كانت احيانا الدكتاتورية نعمة على مختلف الفنون و الاداب و الثقافات ، حين سنت و شرعت و قننت و سطرت قوانين لحماية الملكية الفكرية ، للنشر الابداع و الفكر و العديد العديد من دكتاتوريات العالم.
حتى اصبح الفن في حد ذاته نموذجا لهذه الدكتاتورية النبيلة.
كالمخرج نموذجا القائم على اخراج العمل الفني و لا سيما بالمسرح و السينما.
اذن الامور نسبية كما هو الفن اجمالا قائم على النسبة و التناسب ، لا هو بالديمقراطية الصرفة و لا بالديكتاتورية الصرفة ، و انما النظام و التنظيم اساس كل ملك و اس كل جد وازن قائم على التعقل.