هل بامكان الشعوب و الامم ان تخون
العقيد بن دحو
- برانكومير
: تبا لك ايها الشعب الخائن الغادر ، لقد جازيتني شر الجزاء على عملي هذا " .
كانت هذه
العبارة للقائد البلقاني ( ميشيل برانكومير) التي اطلقها ضد شعبه البلقاني العظيم
، شعب يواجه خيانة قائده ؛ الخيانة العظمى ، في سبيل اعتلائه عرش بلد البلقان. و
كانت زوجته (بازليد) الوسيط لهذه الخيانة مع جاسوس الدولة العثمانية .
هذه القصة التمثيلية من روائع الفكر الرومانسي ،
للكاتب الفرنسي ( فرانسوا كوبيه) تحت عنوان كبير " الوطنية الخالدة
" و قد اقتبسها الى اللغة العربية
الكاتب العربي الدرامي الكبير : مصطفى لطفي المنفلوطي تحت عنوان : " في سبيل
التاج " .
قصص حقيقية و
لا اروع في التاريخ الانساني ، عن ام
الخيانات الكبرى اين شعب و امة باكملها
تخون . بالواقع حسب كل طرف و ما يريد الوصول اليه ، بالطرق المشروعة و غير
المشروعة.
و عندما تنظر
جميع الاطراف حكومات و شعوب الى (الحكم) على اعتباره كنز كما تقول الاغريق القدامى
، او الحكم ثروة قومية كباقي الثروات
الاخرى ( التحتية) و ( الفوقية) تذوب الفكرة الشعبية بالفكرة الفردانية.
حتى منتصف
القرن التاسع عشر كانت جميع الاصابع بما
فيه اصبع افلاطون الذي كان يشير الى القمر فلاحظت الحمقى الاصبع !.
كانت تشير
الى الفردانية ، اي ان القاعدة ( الخيانة) خيانة الاوطان و الاخوان فردي ، يقوم
بها شخص واحد لاغراض دنيوية دنيئة ساقطة. سواء كان مدنيا او عسكريا مادامت جميع
الطرق تؤدي الى الحكم (الكنز) Le pouvoir c'est un
tre'sor.
ولكن كيف
تخون الشعوب اوطانها و اخوانها !؟
لنا ايضا في
حياة الامم و الامصار قصة و عبرة. لنا في قصة (اونتجون) للكاتب الاغريقي صوفوكليس
الف عبرة و عبرة ما يميز الخيانة الجماعية ، بالصمت احيانا و بالادعان تارة اخرى و
الرضوخ او للاهمال و اللا مبالاة ، تمة يصبح الفرد بطلا قوميا و الجماعة
خائنة! حين تعلم السلطان لا يهمه من امر
الوطن سوى الكرسي و اعتلاء عرش المملكة بجمبع الطرق الميكيافلية ، او ان الشعوب
تبرر لاسباب دينية او دنيوية اسباب خيانة الفرد لبلده من خدمة من وعدوه الوصول الى
العرش. تمة تختفي جميع القيم التي تربى عليها الجميع وتصير المصلحة هي الوطن ، و
لمن يدفع اكثر !
و لعل
الامثولة الكبرى للخيانة الجماعية. خياتة الشعب لا تتم مباشرة و انما عن طريق
ممثليه ، المنتخبين منهم المحليين و الوطنيين ، حين يصمت النائب و يبيع الجمل بما
حمل !
تمة يعود
الشعب الادبار ، ملوما كالظل الحسير ، يصعب بعدها جبر الضرر اذا ما اصيب في مقتل كعب قدمه الوحيد .
اما
الخيانتبن الكبيرتين اذا ما غاب الشعب نهائيا عن المسرح للسياسي ' و حرق في (
بوطي) كبير و ركب البحر فبعصهم قضى غرقا ، و بعضهم قضى جوعا و عطشا وبردا و مرضا ، و
بعضهم قضى برصاص قراصنة قناص عنصري و بعضهم وصل كمن لم يصل !.
تمة لم تبق
امامنا الا هذه العبارة الخالدة من يناببع الفكر الكلاسيكي :
- هيمون
: على من تحكم اذا كان البلد فارغا !؟
اذا الخيانة
صفة مذمومة ، و ان خان الشعب فغالبا ماتتم عن طربق مؤامرة دبرت له بليل ، احيكت له
باحكام ، و قرر في غيابه او عمن يمثله ، و بالتالي الشعب عاش الغربتين معا دون ان
يدري ، باسم الوطنية عادة جاهد و ناضل ، و باسم الوطنية زكى اناسا ، باعوا شركاته
و مؤسساته بالسعر الرمزي ، و باسم الوطنية سرحوا العشرات من البوليتاريين ، و باسم
الوطنية هو اليوم يضرب اخماسه في اسداسه ملوما متحسرا ، شريكا في الخيانة.
هذه بالغالب
مصير الشعوب في مجرى التاريخ ، التي تسيرها العواطف و الغرائز و الميولات بعيدا عن
التعقل و الترشيد و التدبر ، فكما يخون الفرد في لحظات ضعف لاسباب نفسية اجتماعية
اقتصادية يخون الشعب ايضا بالتراكم و الاضافات ، و مادام الخطا وارد في هذه الحياة
، يمكن التقليا منه لكن لا يمكن القضلء عليه....و تبقى الخيانة و يبقى الوفاء في
صراع ازلي الى يوم الدين .
و