فعالياتSi Naceur Abdelhamid
التأويل في سياقاته التاريخية والمنهجية : قراءة في المنظومة الفكرية العربية الإسلامية.
التأويل في سياقاته التاريخية والمنهجية : قراءة في المنظومة الفكرية العربية الإسلامية.
بدعوة من نادي البيان، وتحت اشراف مديرية الثقافة لولاية معسكر ، ألقى ، صباح هذا اليوم السبت 13 جويلية 2019 ، على الساعة العاشرة ، بقاعة المحاضرات لدار الثقافة أبي رأس الناصري بمعسكر ، الدكتور طاهر بقدار ، أستاذ الأدب العربي بجامعة مصطفى اسطنبولي معسكر ، محاضرة تحت عنوان " التأويل في سياقاته التاريخية والمنهجية : قراءة في المنظومة الفكرية العربية الإسلامية ".
نشط هذا اللقاء ، الأستاذ تقي الدين بوكعبر باحث شاب في تاريخ معسكر، الذي قدم كلمة طويلة لكنها مهمة . شكر في بدايتها الحضور وقال : يطيب لنا في هذا اليوم المبارك أن نحضر هذه الجلسة العلمية بصحبة هذه الوجوه النيرة التي عودتنا بحضورها الدائم والتزامها بمتابعة نشاطات نادي لبيان .ثم وجه شكره لنادي البيان على الجهد العلمي الذي يقوم به وحرصه على تقديم محاضرات تصب فيما يخدم واقع الأمة ،تعكس آلامها وتنظر لمستقبلها ،خاصة ونحن نعيش زمن الركود الثقافي والحضاري وتراجع الاهتمام بالعلم والثقافة وبالمفكرين . لقد أصبح ، في هذا الزمان ، يقول أ. تقي الدين بوكعبر ،المثقف هو جزء من المشكلة ، بينما كان من المفروض هو الذي يسعى لوضع الحلول . وأن يحمل مشروع الأمة وهمومها ، كما قال المرحوم مالك بن نبي . لقد أصبح المثقف الآن يتفرج عما تعيشه أمتنا من تطورات وأحداث لها انعكاساتها على مستقبلنا القريب والبعيد ولا يبحث في سبل تغيير الساحة الثقافية في مدينة معسكر الحاضرة العلمية التي أنجبت الكثير من العلماء والفلاسفة والأدباء . ولكن لكل قاعدة استثناء ،والجالس على يساري ، يضيف أ. تقي الدين ، ومن دون إطراء ومبالغة في المدح ،فالطاهر بقدار أيقونة معسكر . فهو الشريف ، الشاعر ، الباحث المحقق ، والمفكر المبدع . و بخصوص موضوع محاضرته قال بأن التأويل ، خاصة تأويل النص القرآني ، هو المعضلة التي قسمت الأمة إلى طوائف ، فرق ، نحل وملل . ومازالت تعاني من تداعياته وختمها بالحديث عن التأويل عند الصحابة والسلف ، مثل ابن عباس ، الإمام مالك ، الإمام أحمد ، البخاري وابن حجر العسقلاني . والخوض في هذا الموضوع الآن يعرض صاحبه إلى التكفير كونه خرج عن النص وظاهره.
بعدها أعطيت الكلمة للدكتور طاهر بقدار الذي شكر في البداية نادي البيان على الفرصة التي أتاحها له لالتقاء مع الحضور الذي وجه له شكره الجزيل دون أن ينسى الأستاذ تقي الدين الذي تمنى له التقدم في بحوثه لأنه باحث جاد. ثم قسم موضوع محاضرته الذي اعتبره موضوع شائك تناحرت فيه التوجهات والأنظار إلى قسمين ، تكلم في القسم الأول عن التأويل في سياقاته التاريخية وتطرق في القسم الثاني إلى التأويل في سياقاته المنهجية .
فالتأويل ، حسب المحاضر ، هو مسألة قديمة قدم التاريخ والفكر الإنساني ، في بدايته ، شق نفسه حول مسألة التأويل . ثم طرح سؤالا مفاده : كيف نؤول الأشياء ؟ وهل هي بحاجة إلى أن نفهمها كما هي في الواقع ؟ أم علينا ، أن نعطيها معنا جديدا ؟
ولفهمها ، نحن دائما نرجع إلى اللغة باعتبارها الوعاء الذي يحمل المعاني . ولا يمكننا ، في أية حال من الأحوال ، أن نقرأ نصا دون أن نملك الأدوات المعرفية الأولى وهي اللغة ، والكثير من الناس يذهبون ضحية اللغة .
فاللغة إذن هي عبارة عن لفظ ومعنى .فالألفاظ هي الأجسام والمعنى هو الروح وأعطى مثال عن الشعر الذي منه ما حلى لفظه وخلى معناه ومنه ما خلى لفظه وحلى معناه ومنه ما خلى لفظه ومعناه . ومن الأجمل أن تحمل اللغة معاني شريفة ، فاللفظ الشريف يحتاج إلى معنى شريفا .
وفي تعريفه لكلمة " التأويل " ذكر د. طاهر بقدار ، التعريفات التي جاء بها أهل اللغة من أصحاب المعاجم اللغوية القديمة و الحديثة على سبيل المثال لا الحصر . ومنهم الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب كتاب العين . المتوفى سنة 175 ه ،ابن فارس في كتابه اللغة المتوفى سنة 195 ه ،الصاحب ابن عباد في كتابه محيط اللغة والذين أجمعوا على أن التأويل اسم مأخوذ من الأول الذي هو الرجوع أي آل الشيء : تغير ورجع ، آلت إلى كذا أي رجعت .
الأوول هو الرجوع إلى النص وإلى مايقوله وإلى ما لا يقوله . إن النص مرة يكشف عن ذاته ومرة يخفي أشياء كثيرة لا نستطيع الوصول إليها إلا عن طريق التأويل . لذلك ، فإن النصوص تحتاج إلى القراءة . ولكن ، أية قراءة ؟ تساءل المحاضر .هل هي القراءة السطحية أم تلك القراءة العميقة؟ فالقراءة قراءتان . قراءة نمر من خلالها على النص مرور الكرام دون أن نقول منه شيئا . وقراءة نقدية جادة نحاول من خلالها أن نكتشف المعاني داخل هذا النص .
وأستطرد المحاضر ، لا بد أن نصالح بين القراءتين القديمة التي اكتفى أصحابها بوسائلهم وأدواتهم ومناهجهم والحديثة التي توجه أصحابها إلى استخدام أدوات ومناهج غربية في قراءة النصوص . ومن هنا وقع الصراع لكنه صراع معرفي تجاذبت فيه المعاني بعضها بعضا .
فالتأويل يحي الثقافة والنصوص الميتة . وهو المعنى الذي نحلم . وهو المعنى الغائب القاتم الذي نحاول أن نكشف عنه الضباب .واليوم عندما نقرأ الشعر العربي القديم ، الشعر الجاهلي ، منذ امرؤ القيس والشنفرى ، نعجز عن فهمه بسبب اللغة لأن لغته تلك تختلف عن لغتنا هاته ، والمعجم اللغوي المستعمل في الشعر الجاهلي العربي ليس هو المعجم المستعمل في المعاجم العربية اليوم .فرجوعنا إلى هذا الشعر ، يجعلنا نقف أمام هذه اللغة ومعجمها . ومن ثم ، فهدفنا هو الوصول إلى المعاني الغائبة أو المندسة وراء هذه النصوص والتي تتطلب قراءة نقدية .
إن كلمة " أقرأ " التي جاءت في القرآن الكريم ، تعني القراءة الأولى لما نزل من الوحي أي قراءة الوحي ؟ وهي قراءة بصيغة الأمر .وينصح المحاضر القارئ ، عند القراءة ، بأن يحاول أن يسمع نفسه لأن القراءة تخرج منه إلى الآخر والإنسان هو المؤسس الأول للقراءة .فبلة الطين وقاسمة الظهر هو هذا التأويل الذي يحاول أن يكون عميقا. ثم عاد إلى الكلام عن التأويل في القرآن . وقال أن هذه الكلمة وردت سبعة عشر مرة (17) في كتاب الله . وأن الآية السابعة (7) من سورة آل عمران : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب "هي النص المؤسس للتأويل في القرآن الكريم .
وبالرجوع إلى اللغة ، تعطينا الدلالة لكلمة والراسخون . فالواو اعتبرها البعض واو الاستئناف عند انقطاع الكلام . وأعطاها البعض الآخر معنى ثانيا وهو أن الواو هو واو عطف وأن الراسخون معطوف على الله . بمعنى أن الله والراسخون كلهما يعلمان كل شيء .
فإذا كان العلماء لا يستطيعون أن يئولوا المتشابه ، فلماذا ذكر أصلا في القرآن الكريم ؟ فالله خاطبنا بما نعرف وبما نجهل .فالمعرفة (المعنى ) ليست مطلقة .لذلك ،فكل مفسر يقول بمعنى. إن العلاقة بين الكاتب والمتلقي هي المعاني .لذلك ظهرت المدارس الغربية الحديثة ،ونحن لسنا في صراع ثقافي مع الغرب ،يقول د. طاهر بقدار .فلماذا لا نرجع إلى هذه الوسائل الإجرائية لقراءة تراثنا الذي يحتاج إلى تحين لإحيائه لا لقتله . فقد قرأ القدماء ( ابن عباس ، مجاهد ، عكرمة ، الطبري ، القرطبي ، ابن كثير الخ .... ) قراءة تراثية جادة ونافعة لا يمكن أن ننفصل عنها . لكن العيب أن نبقى لا صقين بها ، حتى أصبحنا " كائنات تراثية " كما قال الجابري . وفي الحقيقة " نحن كائنات لنا تراث " الذي يجب أن نقرأه قراءة حداثية بأدوات الحداثيين دون أن ننسى وضعه التاريخي . فالثقافة الغربية هي بدورها رجعت إلى التراث اليوناني والعربي ثم أعادت قراءته .فإن تراث هؤلاء الإعلام من الحدثين ( حامد أبوزيد ، أركون ،طه عبد الرحمن ،محمد عابد الجابري ،العرروي ،طيب تيزيني ،ادوارد سعيد ) بإكبار مستفيدا منهم . ولم أقرأهم متعاليا أو باحثا عن الخصومة معهم التي تضع حاجزا بيني وبينهم. وقد أنفقت بعض الوقت في الكشف والتذوق ، لا البحث عن الصدام . يجب أن نقرب بين فهم النصوص وفهم أنفسنا وفهم الناس ،ومن أهمية التأويل ، يجب أن نتخلى عن أنفسنا . فنحن لسنا المركز وغيرنا ليس هو الهامش . يجب أن نشعر الأخر بأننا نسمع له .فالنص إنسان ، وأعطى مثال : كتاب العبقريات للعقاد الذي قرأ هذه الشخصيات قراءة تأويلية ، اجتماعية ، نفسية ، إنسانية. وعلينا أيضا أن نحسن علاقاتنا مع النصوص ومع أصحابها وأن ننبذ التعصب والكراهية حتى نفهمها ونفهمهم .وختم محاضرته بالحديث عن مجهودات العلماء العرب في دراسة التراث ( النص القرآني ، والتراث السميائي ) وعلاقته بالتأويل .
وقد أعقب محاضرة د. طاهر بقدار مناقشة هادئة ثرية ومثمرة ، تناولت مسألة التأويل من جميع النواحي . كما هنأ المتدخلون الأستاذ طاهر بقدار على نيله شهادة الدكتوراه خلال هذا الشهر .
ختم هذا اللقاء ، بأخذ صورة تذكارية جماعية .
بقلم : الاستاذ عيسى مزوار
نشط هذا اللقاء ، الأستاذ تقي الدين بوكعبر باحث شاب في تاريخ معسكر، الذي قدم كلمة طويلة لكنها مهمة . شكر في بدايتها الحضور وقال : يطيب لنا في هذا اليوم المبارك أن نحضر هذه الجلسة العلمية بصحبة هذه الوجوه النيرة التي عودتنا بحضورها الدائم والتزامها بمتابعة نشاطات نادي لبيان .ثم وجه شكره لنادي البيان على الجهد العلمي الذي يقوم به وحرصه على تقديم محاضرات تصب فيما يخدم واقع الأمة ،تعكس آلامها وتنظر لمستقبلها ،خاصة ونحن نعيش زمن الركود الثقافي والحضاري وتراجع الاهتمام بالعلم والثقافة وبالمفكرين . لقد أصبح ، في هذا الزمان ، يقول أ. تقي الدين بوكعبر ،المثقف هو جزء من المشكلة ، بينما كان من المفروض هو الذي يسعى لوضع الحلول . وأن يحمل مشروع الأمة وهمومها ، كما قال المرحوم مالك بن نبي . لقد أصبح المثقف الآن يتفرج عما تعيشه أمتنا من تطورات وأحداث لها انعكاساتها على مستقبلنا القريب والبعيد ولا يبحث في سبل تغيير الساحة الثقافية في مدينة معسكر الحاضرة العلمية التي أنجبت الكثير من العلماء والفلاسفة والأدباء . ولكن لكل قاعدة استثناء ،والجالس على يساري ، يضيف أ. تقي الدين ، ومن دون إطراء ومبالغة في المدح ،فالطاهر بقدار أيقونة معسكر . فهو الشريف ، الشاعر ، الباحث المحقق ، والمفكر المبدع . و بخصوص موضوع محاضرته قال بأن التأويل ، خاصة تأويل النص القرآني ، هو المعضلة التي قسمت الأمة إلى طوائف ، فرق ، نحل وملل . ومازالت تعاني من تداعياته وختمها بالحديث عن التأويل عند الصحابة والسلف ، مثل ابن عباس ، الإمام مالك ، الإمام أحمد ، البخاري وابن حجر العسقلاني . والخوض في هذا الموضوع الآن يعرض صاحبه إلى التكفير كونه خرج عن النص وظاهره.
بعدها أعطيت الكلمة للدكتور طاهر بقدار الذي شكر في البداية نادي البيان على الفرصة التي أتاحها له لالتقاء مع الحضور الذي وجه له شكره الجزيل دون أن ينسى الأستاذ تقي الدين الذي تمنى له التقدم في بحوثه لأنه باحث جاد. ثم قسم موضوع محاضرته الذي اعتبره موضوع شائك تناحرت فيه التوجهات والأنظار إلى قسمين ، تكلم في القسم الأول عن التأويل في سياقاته التاريخية وتطرق في القسم الثاني إلى التأويل في سياقاته المنهجية .
فالتأويل ، حسب المحاضر ، هو مسألة قديمة قدم التاريخ والفكر الإنساني ، في بدايته ، شق نفسه حول مسألة التأويل . ثم طرح سؤالا مفاده : كيف نؤول الأشياء ؟ وهل هي بحاجة إلى أن نفهمها كما هي في الواقع ؟ أم علينا ، أن نعطيها معنا جديدا ؟
ولفهمها ، نحن دائما نرجع إلى اللغة باعتبارها الوعاء الذي يحمل المعاني . ولا يمكننا ، في أية حال من الأحوال ، أن نقرأ نصا دون أن نملك الأدوات المعرفية الأولى وهي اللغة ، والكثير من الناس يذهبون ضحية اللغة .
فاللغة إذن هي عبارة عن لفظ ومعنى .فالألفاظ هي الأجسام والمعنى هو الروح وأعطى مثال عن الشعر الذي منه ما حلى لفظه وخلى معناه ومنه ما خلى لفظه وحلى معناه ومنه ما خلى لفظه ومعناه . ومن الأجمل أن تحمل اللغة معاني شريفة ، فاللفظ الشريف يحتاج إلى معنى شريفا .
وفي تعريفه لكلمة " التأويل " ذكر د. طاهر بقدار ، التعريفات التي جاء بها أهل اللغة من أصحاب المعاجم اللغوية القديمة و الحديثة على سبيل المثال لا الحصر . ومنهم الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب كتاب العين . المتوفى سنة 175 ه ،ابن فارس في كتابه اللغة المتوفى سنة 195 ه ،الصاحب ابن عباد في كتابه محيط اللغة والذين أجمعوا على أن التأويل اسم مأخوذ من الأول الذي هو الرجوع أي آل الشيء : تغير ورجع ، آلت إلى كذا أي رجعت .
الأوول هو الرجوع إلى النص وإلى مايقوله وإلى ما لا يقوله . إن النص مرة يكشف عن ذاته ومرة يخفي أشياء كثيرة لا نستطيع الوصول إليها إلا عن طريق التأويل . لذلك ، فإن النصوص تحتاج إلى القراءة . ولكن ، أية قراءة ؟ تساءل المحاضر .هل هي القراءة السطحية أم تلك القراءة العميقة؟ فالقراءة قراءتان . قراءة نمر من خلالها على النص مرور الكرام دون أن نقول منه شيئا . وقراءة نقدية جادة نحاول من خلالها أن نكتشف المعاني داخل هذا النص .
وأستطرد المحاضر ، لا بد أن نصالح بين القراءتين القديمة التي اكتفى أصحابها بوسائلهم وأدواتهم ومناهجهم والحديثة التي توجه أصحابها إلى استخدام أدوات ومناهج غربية في قراءة النصوص . ومن هنا وقع الصراع لكنه صراع معرفي تجاذبت فيه المعاني بعضها بعضا .
فالتأويل يحي الثقافة والنصوص الميتة . وهو المعنى الذي نحلم . وهو المعنى الغائب القاتم الذي نحاول أن نكشف عنه الضباب .واليوم عندما نقرأ الشعر العربي القديم ، الشعر الجاهلي ، منذ امرؤ القيس والشنفرى ، نعجز عن فهمه بسبب اللغة لأن لغته تلك تختلف عن لغتنا هاته ، والمعجم اللغوي المستعمل في الشعر الجاهلي العربي ليس هو المعجم المستعمل في المعاجم العربية اليوم .فرجوعنا إلى هذا الشعر ، يجعلنا نقف أمام هذه اللغة ومعجمها . ومن ثم ، فهدفنا هو الوصول إلى المعاني الغائبة أو المندسة وراء هذه النصوص والتي تتطلب قراءة نقدية .
إن كلمة " أقرأ " التي جاءت في القرآن الكريم ، تعني القراءة الأولى لما نزل من الوحي أي قراءة الوحي ؟ وهي قراءة بصيغة الأمر .وينصح المحاضر القارئ ، عند القراءة ، بأن يحاول أن يسمع نفسه لأن القراءة تخرج منه إلى الآخر والإنسان هو المؤسس الأول للقراءة .فبلة الطين وقاسمة الظهر هو هذا التأويل الذي يحاول أن يكون عميقا. ثم عاد إلى الكلام عن التأويل في القرآن . وقال أن هذه الكلمة وردت سبعة عشر مرة (17) في كتاب الله . وأن الآية السابعة (7) من سورة آل عمران : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب "هي النص المؤسس للتأويل في القرآن الكريم .
وبالرجوع إلى اللغة ، تعطينا الدلالة لكلمة والراسخون . فالواو اعتبرها البعض واو الاستئناف عند انقطاع الكلام . وأعطاها البعض الآخر معنى ثانيا وهو أن الواو هو واو عطف وأن الراسخون معطوف على الله . بمعنى أن الله والراسخون كلهما يعلمان كل شيء .
فإذا كان العلماء لا يستطيعون أن يئولوا المتشابه ، فلماذا ذكر أصلا في القرآن الكريم ؟ فالله خاطبنا بما نعرف وبما نجهل .فالمعرفة (المعنى ) ليست مطلقة .لذلك ،فكل مفسر يقول بمعنى. إن العلاقة بين الكاتب والمتلقي هي المعاني .لذلك ظهرت المدارس الغربية الحديثة ،ونحن لسنا في صراع ثقافي مع الغرب ،يقول د. طاهر بقدار .فلماذا لا نرجع إلى هذه الوسائل الإجرائية لقراءة تراثنا الذي يحتاج إلى تحين لإحيائه لا لقتله . فقد قرأ القدماء ( ابن عباس ، مجاهد ، عكرمة ، الطبري ، القرطبي ، ابن كثير الخ .... ) قراءة تراثية جادة ونافعة لا يمكن أن ننفصل عنها . لكن العيب أن نبقى لا صقين بها ، حتى أصبحنا " كائنات تراثية " كما قال الجابري . وفي الحقيقة " نحن كائنات لنا تراث " الذي يجب أن نقرأه قراءة حداثية بأدوات الحداثيين دون أن ننسى وضعه التاريخي . فالثقافة الغربية هي بدورها رجعت إلى التراث اليوناني والعربي ثم أعادت قراءته .فإن تراث هؤلاء الإعلام من الحدثين ( حامد أبوزيد ، أركون ،طه عبد الرحمن ،محمد عابد الجابري ،العرروي ،طيب تيزيني ،ادوارد سعيد ) بإكبار مستفيدا منهم . ولم أقرأهم متعاليا أو باحثا عن الخصومة معهم التي تضع حاجزا بيني وبينهم. وقد أنفقت بعض الوقت في الكشف والتذوق ، لا البحث عن الصدام . يجب أن نقرب بين فهم النصوص وفهم أنفسنا وفهم الناس ،ومن أهمية التأويل ، يجب أن نتخلى عن أنفسنا . فنحن لسنا المركز وغيرنا ليس هو الهامش . يجب أن نشعر الأخر بأننا نسمع له .فالنص إنسان ، وأعطى مثال : كتاب العبقريات للعقاد الذي قرأ هذه الشخصيات قراءة تأويلية ، اجتماعية ، نفسية ، إنسانية. وعلينا أيضا أن نحسن علاقاتنا مع النصوص ومع أصحابها وأن ننبذ التعصب والكراهية حتى نفهمها ونفهمهم .وختم محاضرته بالحديث عن مجهودات العلماء العرب في دراسة التراث ( النص القرآني ، والتراث السميائي ) وعلاقته بالتأويل .
وقد أعقب محاضرة د. طاهر بقدار مناقشة هادئة ثرية ومثمرة ، تناولت مسألة التأويل من جميع النواحي . كما هنأ المتدخلون الأستاذ طاهر بقدار على نيله شهادة الدكتوراه خلال هذا الشهر .
ختم هذا اللقاء ، بأخذ صورة تذكارية جماعية .
بقلم : الاستاذ عيسى مزوار
***********************
***********************