هل في الجنة فيسبوك؟
عامر الطيب
سأل أعرابيّ النبيَ هل في الجنة خيلٌ؟
لعلنا سنستغرب أو نستهجن سؤال
الرجل معتقدين أنه ليس من المعقول أن يسأل الإنسان عن مصيره في العالم الآخر بهذه
الطريقة لكن الرجل حقيقةً عبر عن مشكلة إنسانية راسخة تقريباً بشكل فطري. فالمرء
يبحث عن مكان آمن ليس لوجوده فقط إنما لوجود الأشياء التي أحبها و اعتادها، أشياء
من قبيل الخيول أو القطط أو الأصدقاء و من ذلك يتخيل بورخيس الجنة مكتبة ضخمة فلا
شيء يبهجه أكثر من ذلك.
لم يكن سؤال الرجل مبتكراً لأن
البشر عموماً لا يتخيلون الجنة مكاناً مطمئنا إلا إذا وفرت لهم هواياتهم ذاتها
فلقد اعتادوها إلى حد كبير فصاروا يستبعدون حياة سعيدة بدون وجود ما يفعلونه أو ما
يحبونه فلو سألت الفنانين أو الرياضيين لتمنوا أن تكون الجنة مسرحاً أو ملعباً
يستعيدون به حياتهم السابقة .
الجنة كفكرة ليست سوى بحث الإنسان
عن وقت أبدي و هادئ يستطيع قضاءه مع أحبته و أشياءه الصغرى على حد تعبير نزار
قباني.
في كتابه ( قلق السعي إلى المكانة ) يتحدث الكاتب البريطاني الآن دي بوتون
عن هؤلاء الذين يشعرون بالضيق لأن منشوراتهم لم تحصل على لايك. هؤلاء الوحيدون
لكنهم يشعرون بالضجر إذا أخبروننا أنهم وحيدين ولم نتفاعل معهم.
يرى بوتون إن الإنسان باحث عن
صورته الداخلية في الأشياء الموجودة في الخارج فتأمله لها هو تأمل لصورته. إذن هو
كائن يحب الأشياء التي تشبهه أشد مما يحب نفسه فهو يعتقد مسبقاً أنه لا شيء بدون
وهمه الخاص و لعل استمرار نرسيس بالتطلع لوجهه في البحيرة لم يتأت من حبه للبحيرة
أو لملامحه إنما لصورته أعني لأنه اعتقد أن وجهه وجه أحد يشبهه فقط
لو تطلع نرسيس للمرآة لاكتفى
بتمشيط شعره فقط .
قلق الإنسان صورة سطحية لفقدانه
أحد آخر بغض النظر عن كون هذا الأحد انساناً أو شبحا أو جماداً .
و قبل سنوات أعلن مارك زوكربيرغ أنه إذا أوقف الفايسبوك لمدة شهر فسيصاب
نصف سكان العالم بالجنون على الأقل وذلك أمر واقعي فإنسان اليوم لا يمكنه أن
يستغني عن عالم إفتراضي يوفر له مكانة لا يجدها في العالم الواقعي ذاته و ربما لو
عاش صاحبنا الإعرابي عصرنا هذا لسأل النبي إن كان في الجنة فيسبوك أو لا . إن رغبة
الإنسان بالجنة هي رغبتة بمواصلة حياته الخاصة بعد أن أصبحت الأبدية وهماً كبيرا
في عالم صرنا نعرف بدايته و نتوقع نهايته أيضا أما الجحيم فهو مكان مجهول و مخيف
لأننا لا نستطيع أن نقرأ مجلاتنا و كتبنا المحببة أو نربي الخيول أو ندردش مع
أصدقائنا و حبيباتنا الفاتنات ، مكان بلا أصدقاء و لا هويات ولا ألعاب يشعر
الإنسان بالفراغ و الخوف و البرد أيضا و ربما لذلك تخيلت الديانات المصرية القديمة
الجحيم مكانا باردا و مظلماً فالرؤية و الحركة هي ما يتوسل الإنسان ألا تفارقه بعد
موته حتى أن أشد ما يرعبنا في منظر الميت :
جسده الجامد و عيناه المغمضتان إلى
الأبد.
#هامش
أجاب النبيُّ الرجلَ:-
"إن الله أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على ياقوتة حمراء تطير بك
في الجنة حيث شئت"
و أقول في الجنة فيسبوك أيضا.
عامر الطيب