أنا والعجوز...
قصة بقلم : ياسر الششتاوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت في مشوار مهم، ليس
مهماً فقط بل أهم من أي مهم، وأخاف أن أتأخر على هذا المشوار، فهو لقاء فارق في
حياتي، قد يقلب حياتي مائة وثمانين درجة ، هو لقاء مع شخصية مهمة، سوف تسهل لي
وظيفة مرموقة، وظيفة كنت أنتظرها منذ سنوات، وها قد جاءت الفرصة بعد دأب، وبحث
مني، ومحاولة تطوير ذاتي.
ولكن في الطريق تعطل
الميكروباص الذي استقله من أجل مقابلة هذه الشخصية التي سوف تكون واسطتي للوظيفة،
فكدت أجن، لا يمكن أن يكون حظي سيئاً إلى هذه الدرجة، ظننت في البداية أنه عطل
بسيط، ويمكن إصلاحه، ونعاود السير مرة أخرى، وكنت أحث السائق بطريقة غريبة أن يصلح
هذا العطل، حتى كاد أن يختنق من كلامي وإلحاحي عليه أن يصلح العطل الذي أكد بدوره
أنه سائق، وسائق فقط، وليس بميكانيكي، فطلبت منه أن يوقف لنا أي ميكروباص من
زملائه، قبل أن يهرب مني الوقت، ولكن كان الكل ليس بها مكان حتى لراكب واحد،
وبينما وقف ميكروباص كي يساعده في إصلاح العطل إذ بي أركب به في المكان الذي يركب
به التباع، بعد أن استأذنت السائق أن أركب ، لأنني في مشوار مهم، فلم يمانع،
وعندما سرنا أكد لي أن الميكروباص لن يستطيع السير مرة أخرى إلا بعد أن يأتيه
الميكانيكي، فحمدت الله أنني وجدت هذا المكان، فنحن في الصباح والزحمة على أشدها،
ويجب أن أرضي بهذا المكان المتعب، فلا مسند لظهرك، وتجلس على حديد الميكروباص
نفسه، في الظروف العادية لم أكن لأفعلها أبداً، ولظننت أن هذه الجلسة تقلل من
قيمتي كثيراً، ولكن لأنني في أشد الحاجة للوصول في موعدي، لم أفكر في قيمتي، ولا
في وجع ظهري!
رغم صعوبة تلك الركوبة
إلا أنني تحملت من أجل ألا تضيع الفرصة، فالوقت قد أزف، وأخشى أن أتأخر، أو يجيء
الرجل ويمضي دون أن أقابله.
نزلت من الميكروباص
مسرعاً في اتجاه مكتب الشخصية التي سوف أقابلها، وفي الطريق قابلني رجل عجوز،
يتكيء على عصاه، ولا يكاد يتحرك إلا بصعوبة بالغة، ونادي عليّ ، وطلب مني أن
أساعده للوصول لآخر الشارع، لم أفكر، فقد كان الأمر يسيطر عليّ، فاعتذرت له،
وواصلت سيري من أجل اللقاء، ولكن وأنا أسير شعرت كأن ضميري يطعنني مع كل خطوة
أتخلى بها عن هذا الرجل، وشعرت شعوراً بالذنب لم أشعر بها من قبل،ولكن ماذا
أفعل،؟؟ فلو مضيت معه لآخر الشارع بمشيته الوئيدة هذه، لوصلت بعد الميعاد بكثير،
ورحت أعزي نفسي بأن الشارع مليء بالناس، ويمكن أن يختار أحداً غيري كي يوصله.
وقبل دخول المكتب، رحت
أمسح عرقي ، وأهندم نفسي، واستقبلوني في المكتب أحسن استقبال إلى أن تأتي تلك
الشخصية المهمة، ولكنه اتصل بمن في المكتب، وأخبرهم أنه لن يأتي اليوم لظروف
طارئة، وأن عليهم تأجيل جميع المقابلات إلى الغد.
أبعد هذا الجهد
والعناء، يتم تأجيل اللقاء إلى الغد؟؟ ولم يكن هذا وحده ما حز في نفسي، ولكن ما
فعلته من ترك للعجوز في الشارع، كان ما يزال أثره النفسي، يحشد اللوم والتأنيب،
ويصبهما عليّ صباً كصب الحميم.
قلت لنفسي: لألحق به،
ربما يكون قد جلس في ركن، أو مازال يواصل سيره وحده، ولكنني لم أجده، بحثت، ونظرت
في كل اتجاه، ولكنني لم أجد هذا العجوز، ورحت أسأل نفسي: هل سر عدم توفيقي اليوم
في مقابلة هذه الشخصية أنني تخليت عن هذا العجوز، وعزمت أنني لو قابلته في الغد في
سوف أوصله إلى ما يريد، مهما تكن النتائج، بل تمنيت لو أنني أقابله كي أعتذر له،
بعد أن كنت أتهرب منه!