فتحي عبد السميع
أنت نشيد يجتاز
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أتذكر تاريخ تلك
الأمسية التي أقيمت في مهرجان طيبة بالأقصر، وحضرها عدد كبير من الشعراء، مثل
حجازي، والأبنودي وغيرهما، كان حجازي عائدا للتو من فرنسا، وكانت الحفاوة
بالشاعرين كبيرة جدا، وكان هناك تنافس غير حميم بينهما في استعراض المكانة.
ألقيت قصيدة صغيرة
بعنوان (فوق الورقة ) فحظيت باستحسان الجميع ، قام حجازي وصاح أعد، أعد، وفي تلك
اللحظة تذكرت عفيفي مطر الذي كان في اعتقادي شاعر مصر الأهم .
أو شكت على إلقاء قصيدة
أعرف أنها مثل (فوق الورقة) سوف تحظى بإعجاب الجميع، لكنني فضلت إلقاء قصيدة (أنت
نشيد يجتاز) وأنا أدرك وقتها أنها لن تجد حفاوة من أحد، وربما جعلت الكثيرين
يسحبون إعجابهم، وقد حدث، ألقيت القصيدة سعيدا بأن أهديها للشاعر الكبير محمد
عفيفي مطر، معلنا بذلك عرفاني وشكري للرجل، الذي يستحق النجومية التي راح حجازي
والأبنودي يتصارعان عليها.
عفيفي مطر لم يحظ
بالحفاوة كما هو حال حجازي والأبنودي، بل ولا وجه للمقارنه من حيث الحفاوة، ورغم
أن الشاعر الذي لا يأخذ في حياته ما يستحق، غالبا ما يأتي موته ليقلب الآية كما هو
حال أمل دنقل، إلا أن عفيفي مطر لم ينل ما يستحقه لا في حياته ولا بعد موته، وكل
ما يستطيع فعله واحد مثلي الآن، هو نشر قصيدة أنت نشيد يجتاز ، والتي لم أقم
بإلقائها سوى مرة في حياتي لتكريم الرجل بطريقتي المتواضعة.
أنت نشيد يجتاز
ـــــــــ
ـــ
عَصْفٌ مأكول
أضرحة تتزاحمُ في
حنجرتي
حَجَرٌ مأهولٌ بصراخ
وفضاءٌ مُكتَظٌ
بجماهيرَ وتعويذات.
كيفَ تُغادِرُ تلك
البلدةُ جغرافيتَها ؟
لِمَن تَرَكَ الصبحُ
بياضَ مَناسِكِه
ولِمَن صار عَنانُ
التأويل ؟
أدخنةٌ تَقتلِعُ
المَشهدَ مِن حدقاتِ الفقهاء.
شيخٌ يَستَلُّ ملامحَه
مِن مِرآةٍ
يَتَصبَّبُ إصرارا
ويُمَرِّغُ تعويذتَه في
فوحِ الندَّابَات.
حين دَخَلْنَا
عدودَتَنا
كانت مقتنياتُ الروحِ
مبعثرةً
وبُخارٌ يَتَصاعَدُ مِن
أفئدةٍ
كلُّ الأشياءِ تَفِرُّ
إلى جبلٍ
غَيْرَ تراتيلك يا شيخي
ما الجمرةُ غير تلفُتِك
إليّ
وما البرّيَّةُ غير
حنينِكَ حين تُفتِّشُ
عن ولدٍ يَلعبُ
ببلابلِنا الموقوتةِ
ويعيدُ زغاريدَ النسوةِ
للشرفات.
لم يربض قَنَّاصٌ
بيْنَ الزلزالِ
وبيْنَ منازلِنا
رَحَلَ رجالُ الإنقاذِ
وما زال أنينٌ
يَنبِعُث مِن الأنقاض .
شيخٌ يَستَلُّ ملامحَه
مِن مِرآة تَتَشظَّى
يَنحَدِرُ إلى موالٍ
كي يَسترجِعَ قامتَه
ويُبعِثر في الأنفُسِ
ما يَمنحُها السلوان
يُحدِّق فيّ:
ـ أمَا مِن سخطٍ
يَنفِتُح على مصراعيه ؟
أمَا مِن أوردةٍ
تَتَشبَّثُ بدمٍ سيَّال ؟
ظُلُماتٌ تَتَدحرْجُ
وتَسُدُّ على برقٍ كلَّ
مسالكِه
تَغرِزُ في ذاكرةِ
الممحاةِ سلالات.
حينَ خَرَجنا مِن عدُّودَتِنا
كانت مقتنياتُ الروحِ
وراءَ برابرةٍ تَتَقافَزُ
وصفيرٌ يجتازُ القامات.
وحدَكَ
لا تَعبَأُ بخرابٍ
يَتَبختَرُ في أنَّاتِ الدورِ
تُباغِتُ سكرتَنا
ممشوقَ الأنفاسِ
توثِّقُ عهدا مع كلِّ
جماد
هل تَعبرُ تلك الرقصةُ
بذبيحٍ قنواتِ الظلمات؟
ما الأبديةُ غير جناحيْكَ
المضموميْنِ علي خارطةٍ
أيُّ رهانٍ يَحتَكِرُ
حسابات؟
أيُّ نفيرٍ يَتَخلَّقُ
بين ترائِبِكَ؟
وأيُّ بُكاءٍ يَتركُ في
عينيكَ صهيلا وفتوحات؟
فَرّتْ مِن سِتْرَتِكَ
الأنجمُ حاملةً كلَّ مواقيتِك
كيفَ يوتِّرُ فانوسُكَ
ما لا قِبَلَ لشمسٍ بِدَوامِسِه
كانت صخرتُكَ
مُهَلهَلةً
حينَ وقفتَ علي
الجَرْفِ
وظَهْرُكَ للفُرَّارِ
تُحدِّقُ في عضلاتي
وأنا أهمِسُ
يا قُرْصُ
مراسِمُ دفْنِي
تَنتَظِرُ مَغيِبَكَ
أَمْ أنَّ مَغيِبَكَ
يَنتَظِرُ مراسِمَ دفْني؟
يا سَيّدَ أرجائي
ضاقتْ كلُّ ينابيعي
بطلاسِمِكَ
ولا رغبةَ لي في أنْ
أتَمَلَّصَ مِن نورِك
أنتَ نَشيدٌ يَجتازُ
كمائِنَ لا حصرَ لها
ويَحُطُّ على شَجَني
بَحْرَا
لكِنَّ رياحا تَفتَحُ
بي فجواتٍ
فأرَى رأسَكَ مَبْوَلةَ
الدنيا
والكُرَةَ الرسميةَ
لجميعِ ملاعِبِها
لا أَملِكُ حَرَسا
لممالِكِكَ
ولا صدري يَتَّسِعُ
لتهويمات.
ارفَعْ عينيْكَ
بَقَايايَ الرخوةُ لا
تَحتَمِلُ
زفيرا
فارفعْ عينيكَ
سأختَنِقُ
هشيمُ وميضِكَ جرَّحَ
رئتيََّ
ولا تَحتمِلُ بقايايَ
تَتَبُّعََ شيخوختِكَ
المتفجرةِ بِحُمَمٍ وغوايات.