علي حسن
ساعي البريد
-----
------------
أعرفه أبًا عاديًا ،
كما هو حال ملايين الآباء . حسنًا هو لم يكن سيئًا ، لكنه لم يكن رائعًا أيضًا ،
بالنسبة لي ، يبدو جوهره مثل أغلب الآباء،
مزيجًا من الخير والشر . أبٌ عادي، يستيقظ في الصباح الباكر ، مع زوجته المستذئبة
، التي تنشغل بإعداد فطوره ، لدينا هنا حفنة من الأصوات المتنافرة . ثرثرتها غير
المعقولة، إلى جانب طرقعة البيض المقلي
بالزيت، مع الأصوات المصاحبة لتغيير محطات الراديو العالية ، بفعل سرعة حركة
أصابعه على قرص البحث أثناء تحريكه ، رجل لا يكل ولا يمل ، حتى يمسك بصوت فيروز ،
عندها فقط يبدأ بتناول فطوره . كيف أعرف هذا ، الأمر بسيط ، كان يثرثر كثيرًا
أثناء تناوله طعامه ، فتبدو غصة صوته واضحة ،تحت ضغط لقم الطعام المحشورة في
بلعومه، بجانب صوت تحريك الملعقة في قدح الشاي لأذابة السُكرَ . أعرف أيضًا متى
يشعل أول سيجارة بعد الأنتهاء من فطوره ، ومتى يبدأ بتدخين الثانية ، في الأولى
يبدأ سعالاً متقطعًا ،أما الثانية، فيستمر سعاله ، ليضيع في هذا المقطع صوت فيروز
، مع الأصوات المنبعثة من قن دجاجات
أم جاسم ، وتهجر عشرات
العصافير النشطة، شجرة التوت
الهائلة في بيت أم كريم
، تلك التي يتكئ خصرها على سياج بيتنا الخلفي .
يتوقف سعاله فجأة ،
فترتاح البيوت التي تحيط أو تلاصق
بيته . وتعود زقزقة
العصافير . لكنه يعود لأشعال الثالثة ، يضعها بطرف فمه، ويضرب على جرس دراجته
الهوائية،بشكل متتابع، مغادرًا صوب دائرة البريد القريبة ، لاستلام حصته
من رزم الرسائل ،
وإيصالها لاحقًا لوجهتها.