مايا ملا
"إنّ الطريق المستوي، لا يرفع قيمة سالكيه"
إنّها التّاسعة والنّصف مساءً، وموج البحر يبلع حزن الشّواطئ ويغصّ فيه، من يبيعني رأساً نظيفاً لأشتريه.
لعلّني أنسى وجهه في
الليلة الفائتة، كانت عيناه غائرتين بدون دموع، وصدره ضاق على تنهيدة عضّ ضلوعها
نقص الأكسجة اللعين، أتساءل لماذا لايبكي الأطفال في العناية اليوم، لربّما هم
أيضاً اعتادوا على آلامهم وتعايشوا معها.
كما اعتاد الأطباء هنا على صوت المونيتور وهو يدقّ قبّة
قحفهم حتى ساعات الصباح بدون راحة.
أحاول أن أركن رأسي
المخدّر إلى الكرسي لعلّ غفوة يمكنها أن تنقذ بقايا خلاياي العصبية من التّلف بعد
مناوبة الست وثلاثين ساعة.
أحاول أن أنام في مكان
مستيقظ على الدوام، فالألم هنا ليس له موعد هجوع، ومنظر الدم لأول مرة سيبدو لك
هيّناً أمام منظر الدموع.
هنا في هذا المكان،
يتمدد طفل لم يتجاوز الخامسة بجسده
النحيل، لا يحفظ الأطباء أسماء مرضاهم، في المشافي يتحوّل المرضى إلى أرقام تناسب
أضابيرهم أو أسرّتهم.
لكنّي أفعل، أحفظ
أصواتهم المختلطة بالأنين، أعرف أنهم لا يجوعون، أحفظ أسماءهم وأتعلّق بها، وعندما
أفقد أحداً منهم أُجَن وأجهش بالبكاء.
لا يحفظ الأطباء
الأسماء ..
لكنها العاطفة.. التي
شدّتني من شعري وجرّتني مرغمة من شرياني الأبهر وجاءت بي إلى هذا العالم حيث
الأفئدة الضعيفة والوجوه المكفهرّة والعيون المصفرّة، بسبب اليرقان وانحلال الدم.
إنها العاطفة التي
جرّتني من ثيابي وجعلتني أنسى أمر صباي وشبابي.
كان (عمران) طفل في
الخامسة من عمره، ساحر المبسم لوزي العينين، ينام ممسكاً يدي بكفّيه الصغيرتين،
وهو يعيد لي حكاية علي بابا والأربعون حرامي، يغفو وأنا أقف إلى يمينه أتأمل عروق
يديه المنهكة من القثاطر الوريدية.
تلك الأصابع الصغيرة
التي يستخدمها للعدّ إلى عشرة مصدّقاً وعودنا الكاذبة التي كانت تحتاج إلى معجزة
إلهية تعيد الوظيفة إلى كليتيه.
إنها التاسعة والنصف
مساءً، وموج البحر يبلع حزن الشواطئ، فالليلة كل الدنيا تبكي وجهك الملائكي الصغير بسحنته المدوّرة،
الليلة لن يكون هناك حكاية قبل النوم ستكون أنت الحكاية..
كان يا مكان...طفل
ملاك... اسمه (عمران)..يحاول أن يسرق الأمل من الحياة... لكن..
سرقه السّرطان.