حامد حبيب
_____( تداخُل الأنواع فى القصة القصيرة )___
-------------------------------------------
*هناك توجُّه ثالث يقع فى المنطقة الوسطى بين
الرواية والقصة
القصيرة، وله مراميه السردية،
وطريقته الخاصة فى
اختيار مادّته ، وهى طريقة
مختلفة عن الرواية
والقصة القصيرة،وهى"النوفيلا"
التى تشير معاجم
المصطلحات إلى أنها "كانت فى الأصل نوعاً من القصة القصيرة، وأن السمات
العامة
للنوع كانت تتلخّص فى
طبيعته الملحمية المُختزلة
فى حادثة واحدة، وموقف
واحد،وصراع واحد..إنه
يتركّز على حادث مفرد،
ولابد أن يكون فى الحادث
نقطة تحوّل، حتى أن النهاية
لتُدهشنا مع أنها ربما
تكون مِحصّلة منطقية
.."
★ ف "النوفيلا.".شكل من أشكال القصة القصيرة ،
يُنظَر إليها باعتبارها
منطقة خصبة لتداخل القصة
القصيرة مع الرواية
والدراما، وربما مع الغنائية، وربما يربطها بالرواية اتّساع المدى وكثرة الشخصيات
ونموّها النسبى، وتسيطر الصيغة التراجيدية على بنيتها.
* و" النوڤيلّا"..ليست
شكلاً جديداً..فهناك شواهد
كثيرة على تواجدها فى
تاريخ القصة المصرية مع
كتّاب المدرسة الحديثة،
وقد كتبها: نجيب محفوظ
ويوسف إدريس فيما بعد،
تعبيراً عن ضيقهم بقيود
القصة القصيرة التى
جرّبوها فى مجموعاتهم الأولى
والتى لم تكن تتيح لهم
مساحة واسعة لتحليل الشخصيات وعرض الخلفيات النفسية والاجتماعية.
*
و"النوفيلا"_ إذا ماقورنت بالقصة القصيرة_أكثر
ميلاً إلى تقديم تجربة
موضوعية واجتماعية،تقوم على وصف عالم خارجى والاهتمام بتفاصيله، _وإذا
ماقورِنَت بالرواية_فهى
أكثر ميلاً إلى التركيز والكثافة وتقديم تجربة فردية،تنهض على تحوّل فى العالم
الداخلى للشخصية.
*ف "التيمة subject matter"
الرئيسية فى النوفيلا،غالباً
ماتنهض على هذا التوتّر
بين الخارجى والداخلى،
والحقيقى والخيالى،
والاجتماعى والميتافيزيقى ،
والملحمى والدرامى.
___________
★القصّةُ/اللّوحة...مثل القصيدة المعاصرة،شكل مكانى وتركيبى
يكتسب دلالته من تفاعل الصورة
وانتظامها فى بنية
جمالية درامية قائمة على التكرار
والتقابل والتوازى بين
أجزاء اللوحة الواحدة ، لكن
الصورة فيها ليست
خيالية أو مجازية بالمعنى الموجود فى الشعر،بل صورة مرئية أو محسوسة
بالمعنى السينمائى
والمسرحى، أى:مشاهد تنطوى
على أشخاص وفعل وحركة
.. لهذا فإنّ الكاتب يؤلِّف
بينها من خلال آليات
شبيهة بالمونتاج أو التوفيق السينمائى، ومع هذا فإن التوليف التعبيرى بها،وإن كان
لايخدم بناء الحدث المتسلسل،ولااكتمال قصة،
فإنه يصدم القارئ
ويربكه ويلفته إلى المشهد ذاته،
وعلاقته بالمشاهد
الأخرى فى اللوحة.إنه يوصّل الفكرة والمعنى والتعبير عن مجرّد حضور اللقطات
المتقابلة أوالمتكرّرة
أو المتوازية..إنّ اللقطات الصامتة والتى تبدو لأوّل وهلة مقطوعة عن بعضها
البعض،تُعبّر بنفسها عن
المعنى وتكشف للقارئ اليقِظ
عن جمالية البناء.
*وسواء بدأت
القصة/اللوحة بالوصف أوبالحدث
فليس جوهرها الشخصيات
ولاالزمان،بل الجوّ والمكان ،والراوى الذى يراقب المكان،هو صانع الحدث
والشخصية،وصانع الزمان نفسه..فكل مفردات العالم القصصى فى "النوفيلا
"تأخذ شكلاً
مجانياً.
*ولقد بدأت كنهج فى
الكتابة أواخر الستينات، وتميّز فيها:محمد البساطى، ابراهيم أصلان،يحيى
الطاهر عبدالله وبهاء
طاهر.
_____________
★القصة القصيرة جداً(/دراما الاختزال والتكثيف/القصة الومضة):
وتقوم على المبالغة فى
جانب من جوانب الغنائية
فى القصة القصيرة،وهو"القِصَر"
ومايستدعيه من تركيز وكشف. كلا الشكلين قائمٌ على الاختزال.
_فالأوّل: يختزل العالم
فى لوحة ثابتة.
_والثانى: يختزله فى
لمحة عميقة عابرة.
وكلا الشكلين يأخذ
القصة القصيرة فى اتّجاه "الصفاء الخالص"..أى تصفيتها من "الحدّوتة
والقَص" والاعتماد على التكثيف الشعرى والدرامى وحده. وكلا الشكلين يوقف
الزمن القصصى،لكنه لا يغفله ،بل يحتفظ بمؤشّراته الدّالّة،ويترك للقارئ
مجالاً مفتوحاً ليملأ
ثغرات النَّص ، ويبنى الحكاية
الضمنية، معتمداً على
دقّة الكاتب فى صياغة النَّص
القصير..وهذه الدقة
والرهافة والحساسية الشديدة
فى صياغة النص
القصير،وتلك القدرة على الإخفاء
الدال، هما مصدر
الغنائية والدرامية فى هذين الشكلين القِصَصيّين.
وعلى حين يبدو الراوى
فى القصة/اللوحة محايداً
أو متوارياً
تماماً،بحيث يترك للصورة الخارجية وللحوار المسرحى إمكانية"التعبير"عن
ذاته والتأثير
فى القارئ،فإنَّ الراوى
فى القصة القصيرة جداً يتخذ موقفاً مغايراً، إذ يقف فى مواجهة جمهوره مخاطباً
ومُعلّماً،سواء اعتمد على الكشف الدرامى أوالعِبرة
المُضمرة فى لقطته، أو
اعتمد على المناجاة المباشرة
فى صورة قصيدة غنائية.
وكان أول من اهتم
بالقصة القصيرة جداً فى أدبنا
المعاصر هما : يحيى الطاهر عبدالله و محمد مستجاب،
أواسط السبعينيات.
* وفى النهاية، فإن القصة القصيرة جداً، مثل كل
تنويعات القصة القصيرة،شكل حديث..وأبرز مظاهر حداثته مُتمثّلة فى الإخفاء، ودعوة
القارئ للمشاركة
الواسعة فى انتاج
المعنى..فهى تدعو القارئ أن يبنى
ويتصوّر تفصيلات غير
واردة فى النَّص،وفهم الترابط بين الأحداث،ودوافع الشخصيات،وحين نتصوّر هذه
التفصيلات ونبنى منها الدلالة،سنشعر
بوجود قصة.
*ولكن التحذير من تراكم
المجاز الذى يعوق الخيال
القصصى..فبما أنّ القصة
القصيرة جداً تقع على حدود قصيدة النثر التى تكشف عن افتنان باللغة (عبر توريّات
وطباق ومجاز مُفرط واهتمام بالأداء والأسلوب)..كل هذا يتصادم مع تقدُّم القصة
واستكناه المعنى فى النَّص.
_______________
حامد حبيب_ مصر