بسام المسعودي
..
تقول الحكاية :
كانت النسوة يجمعن هسيس
الريح من جبل الجنيات
وحين تجمع الصبح حول
مواقدهن المليئة بحطب العمر
أحرقن أصابعهن
وبِعْنَ للإنطفاء قصة
الصرير والغيمة.
تقول طبيعة البلاد:
أن منطق الزهر لا تفهمه
حقول القوم البارة
بمنابت القمح الضرير،
بعدها غفت السنين بلا
مطر
ثم تواشج ظل الضرر
إلى داخل البيوت
المطلية بالطين
وبدت على مناجل الجدات
علامات الصدأ
حتى تورمت لهجة المهاجل
وغزت الجبل تعرجات
الجفاف ونهدة العطش
حينها هجر الرجال
القرية إلى مدينة عدن مدججين بأغنية
"يا نجم يا سامر
فوق المصلىٰ
كُل من معه محبوبه وأنا
لي الله"
وعادوا حاملين
على شغاف قلوبهم
(ارجع لحولك كم دعك
تسقي
ورد الربيع من له سواك
يجني).
تقول الوجوه العائدة من
عدن:
أن الذي رفد العيون
بالدمع
لم يكن دخان المواقد
التي أشعلتها أمهات القرى،
لقد كان حريق أحدهم وهو
يحاول أن يسرد الحكاية كاملة.
حكاية عن الشمس حين لم
تجد متكئاً
غير كتف أبي،
وحكاية عن خيام الرعاة
يوم لاذت إليها مآرب الرمل
تدوسه خطوات العائدين
وعن نفسي يوم ولدتُ
مرغماً
على اتباع عقيدة البكاء
باكراً.
أبي استطاع كفالة الشمس
كابنة يتيمة
لسماوات التائهين
وحين لم تجد مرتعاً
ترمي عليه
سطوعها
عادت بالية
تجر غروبها بلا توقف
إلى كتفه
الذي سطت عليه أيدي
المنفيين من الملامة
هجروا الثورات وتدثروا
التقلب
داخل دياجير الذين
وأدوا وهجها،
مروا بقفار القوم
وحين وافتهم خيام
الرعاة بالتلويح
ركضوا،
ركضوا مكرهين على
الوصول لأوتادها المنصوبة
على رمال ماكرة.
أما نفسي التي لم تجد
كفيلاً لتفسخ لونها الداكن
عادت لي بلا رغبة
وأعدتها برغبة مسدها
على يباس القصائد
أضفيتُ عليها
مكائد الصبر على مكاره
الحال وأضفتُ للوحها الممسود
في سقف الإنتظار أصل
الحكاية،
أعددت لها مخبئاً
على جدار الشمس
المستلقية على كتف أبي،
حشرتها في فراغ جسدي
المنفي
داخل جراب التيه
وأسبغتُ عليها نعم
العويل والويل
وقبل أن يفيق أبي من
غيبوبة القسطرة
تذكرتُ حكاياته
حين كان يرفل بحسن وجهه
داخل شوارع عدن
غريب يجر ظله لنشيد
ومهجل حقوله،
بعدها
رمتُ لي الشمس بأجرة
مكوثها على كتفه
وتركت هديرها الساطع
يقلق رعشة نفسي
وتطمي دلجة الروح داخل
جسدي الغيور
على أكتاف أبي المنقبة
بالربت وسنين الكفاح.