حامد حبيب
الخيّام لُغزٌ مُحيِّر "٣"
و( المعرّى يُعاتب الشيخ الشعراوى )
_________________________
*إذا صدقت الروايات بنَسَب جميع الرباعيات التى
جمعها أحمد رامى له ، ف( الخيّام ) لُغزٌ مُحيّر فى ضوء هذا الترتيب الذى وضعه رامى،
لأنّنا لانستطيع
من خلالها
تحديد ملامح حياته ،
أو رسم صورة لشخصيته ، بسبب
تلك الانتقالات من
النقيض إلى
النقيض ، فمِن لذّةِ
الخمر واللهو والنُّدمان إلى التوبة
إلى الرجوع للخمر ثم
التوبة ، فالسخرية من الحياة
والتشاؤم ، ثم
الصفاء مع الله ، ثم
الارتداد لذكر الخمر واللهو
والسخرية من القدر.
..وهذا ماأثبته رامى
نفسُه قائلاً:" بين متفائل ومتشائم وقدرى ومتصوّف ، وتقىٌّ ومستهتر...."
*وحيثُ أنه لا توجد
نصوص توضّح الكثير عن حياته ،حيث لم يبقَ من أثره إلا هذه الرباعيات
والتى تحوم حول بعضها
الشكوك فى نسبتها إليه ،
فإننا حاولنا _فيما سبق
وفيما سنحاوله_إبراز ملمح
عام لحياته ، من خلال
ترتيب المراحل العمرية له
وماارتبط بها من
رباعيات ، وذلك لإنصاف هذا الرجل
حتى لايتبادر إلى ذهن
القارئ أنَّ هذا الرجل كان ذا
أطوارٍ وبلا أيّةِ
ملامحٍ تُميّزه.
*ولنُدرك أن هذه
الرباعيات جُمعَت من مصادر مختلفة _ وكما ذكرنا من قبل_ تراوحت بين ستٍّ
وسبعين رباعية فى
النسخة الخطّيّة بباريس، والتى
يرجع تاريخُها لسنة
٩٢٧ه ، وبين ثمانمائة رباعية فى
مخطوط مكتبة جامعة
"كمبردج" سنة ١١٩٥ه..
*كما أنه ماتوافرَ بين
أيدينا من ترجمة (رامى) لم يكن مقروناً بتواريخ كتابة هذه الرباعيات، والتى لو
وُجدَت لساهمت لحدّ
كبير فى كشف هذا الغموض.
______________________________________
_( ربما هذا يُنبّهنا
وينبّه الأدباء والشعراء إلى تأريخ
كتاباتهم، فلكتابتها أهمية كبيرة تساعد النقاد
والباحثين على بعض
التفسيرات الهامة حول العمل
أو المُنتَج الأدبى
والثقافى).
_______________________________________
* غير أننا _فيماسبق
وفيما سيأتى_سنحاول إيجاد
قياس فى التتبُّع الذى
نتّخذه من حياة الآخرين
للوصول إلى صورة واضحة
المعالم...وهى :
أنّ الإنسان قد
يمر فى حياته بمراحل مختلفة ...
فالمرحلة الأولى من
شبابه تغاير مرحلة الانتقال(المراهقة) ،والمرحلة التى بعدها. ولدينا أمثلة عديدة
فى حياتنا وحياة السابقين، مثل:
_(أبو نوّاس).. الذى
عاش فى العصر العباسى الأول،تاب بعد حياةٍ مليئةٍ بالمجون.
_(ابو العتاهية)..كانت
حياته شطرين:أول الأمر: تشرُّد و مجون ، والثانى: توبة وزُهد.
_أبو عثمان سعيد بن وهب
المصرى،الذىىسلكه ابن الجوزى فى سلك الصفوة، كانت حياته الأولى نجوم
وخلاعة،ثم ندمَ أشدَّ
الندم وتابع توبةّ صادقة.
*وقد أوضح (الإمامُ
الشعراوى)_رحمه الله_ذلك قائلاً: "كنّا فى مقتبل حياتنا التعليمية نحب الأدب
والشعر والشعراء، وبعد أن قرأنا للمعرّى، وجدنا عنده
بعضاً من الشعر يؤولُ
إلى الإلحاد،فزهدنا فيه وخصوصاً عندما قرأنا قوله فى قصيدته:
تُحطِّمنا الأيامُ
حتى كأنّنا
زُجاجٌ ولكن لايُعادُ لنا سبكُ
وأخذنا من ذلك القول
أنه يُنكر البعث ، فقلنا يُغنينا
الله عنه ، ولكن صديقنا
الشيخ(فهمى عبد اللطيف)
_رحمه الله_رأى المعرّى
فى الرؤيا ، وكان مولعاً به، فجاء إلىّ ذات صباح ونحنُ فى الزقازيق، وقال لى:ياشيخ
..لقد رأيتُ المعرّى الليلة فى الرؤيا
وهو غاضبٌ منك ؛ لأنّك
جفوتَه، فقلت:أنا جفوتُه
لماذا وكذا ..وأنت تعلم
السبب فى ذلك ، فقال
الشيخ فهمى عبد
اللطيف:هذا ماحصل .
وقُلتُ لنفسى: يجب أن
أُعيد حساباتى مع المعرّى،
وجئنا بدواوينه
"سقط الزّند" و" لزوم مايلزم".....
ووجدنا أنَّ للرجل
عذراً فى أن يعتب علينا ، لأنّ
آفةَ الناس الذين
يُسجّلون خواطر أصحاب الفكر
أنهم لا ينظرون إلى
تاريخِ مقولاتِهم ، وقد قال المعرّى قولَه الذى أُنكرُه عليه ، وقت أن كان شابّاً
مفتوناً بفكرِه ، وعندما نضجَ قال عكسه ، وكثيرٌ
من المُفكّرين يمرّون
بذلك ، مثل : طه حسين والعقاد
، بدأ كل منهما الحياةَ
بكلامٍ يؤولُةإلى الإلحاد ، ولكنهما كتبت بعد النُّضج مايحملُ عطرَ الإيمان الصحيح
، لذلك لايصحّ لمَن يحكُم عليهم أن يأخذهم بأُولياتِ خواطرِهم التى بدأوها بالشك
حتى
يصلوا إلى اليقين.
وجلستُ أبحثُ فى
المعرّى الذى قال:
تُحطّمُنا الأيامُ
حتّى كأنّنا
زُجاجٌ ولكن لايُعادُ لنا سبكٌ
فوجدتُه هو نفسه الذى
قال بعد أن ذهبت عنه المراهقة الفكرية :
زعم
المُنجّمُ والطبيبُ كلاهما
لاتِحشَرُ الأجسادُ
قلتُ إليكما
إن صحَّ قولُكما فلستُ بخاسرٍ
أو صحَّ قولى فالخَسارُ عليكُما
* كما مرّ (ابنُ
سينا)_الذى توفّى قبل(الخيّام)بنحو
خمس سنين، بشئٍ ممّا
مرَّ به الخيام ،إذ انصرف
حيناً لحُب الخمر ،حتى
قال فى ذلك شعراً :
صَبّها فى الكأسِ
صرفاً غلبَت ضوءَ السراج
ظنّها فى
الكأسِ ناراً فطفّاها بالمزاج
_لكنه هو الرجل الذى
نفض يديه من الدنيا، واغتيال
وتابع وتصّدق بما معه
على الفقراء وردّ المظالم.. ...
وأعتقَ مماليكَه وجعل
يختم القرآن كل ثلاثة أيام...
وأصبح ضريحُه مزاراً .
*كما مرّ(ذو النون
المصرى)بمثل ذلك، قال نفسُه:"
كنتُ شابّاً صاحبَ لهوٍ
ولَعِب "..لكنه ب ذلك صار من
أشهر الصوفية، وتتلمذ
على يديه كثيرون.
_______________(سنواصل
إن شاء الله)
حامد حبيب _ مصر