بيرم التونسى شاعر الغلابة...يحكى "٣"
------------------------------------------
[ منفَى وهروب ورحلةُ عذاب ..
...... وسعد زغلول يسخر منه ]
حامد حبيب
* جلس (الملك فؤاد) على العرش ، وتزوّج (نازلى)
،
فأنجبت له (فاروق) بعد
أربعة أشهر فقط من الزواج
فكتبتُ زجلاً
هجوتُ فيه الملك
وشرفَه المذبوح
قلتُ فيه :
البنت
ماشية من زمان
تتمخطر
والغفلة زارع فى الديوان قرع اخضر
العطفة
من قبل النظام
مفتوحة
والوزّة
من قبل الفرح
مدبوحة
والديك
بيدّن والهانم مسطوحة
_ وكان هذا هو أخفّ
مافى الزجل ..أما الذى لم يُنشَر ، وحفظه الناس ، فمنه :
اسمع حكاية
وبعدها هأهأ
زهر الملوك فى الولد أهو طأطأ
ملناش
قرون كنّا نقول
مأمأ
وناكل البرسيم بالقُفّة
سلطان بلدنا حُرمتُه
جابت
ولد
وقال سمّوه بفاروق
فاروق ........ فارقنا بلا
نيلة
دى
مصر مش عايزة
رذيلة
دى
عايشة بالقوة وبالتيلة
ومين
بقى يلحس دى
التّفّة
_كان ذلك فى أواخر سنة ١٩١٩م ، فصدر أمرٌ
بنفيى
من البلاد. ولمّا كان
أسمى مُقيّداً مع الجالية التونسية
فى القنصلية الفرنسية
خرجتُ من ميناء الإسكندرية
على ظهر
الباخرة"شيلى" فى طريقى إلى تونس.......
واعتبرتنى الإدارة
الفرنسية فى تونس بشير الثورة فى المستعمرات، فوضعتنى تحت
المراقبة ، وقبضت
على كل أصدقائى
ومعارفى، فهربتُ بعد أربعة شهور
إلى فرنسا، ونزلت
مدينة" ليون" ، وهى مدينة معتمة
لاتشرق عليها
شمس ، وأهلها يتميزون
بالجهالة
والبُخل وقسوة القلب .
حاولتُ أن أعمل ، لكن العمل
هناك مُحرّم
على الأجانب ،
فأمضيتُ شهوراً
كالصعلوك التائه .
_ عملت فى شركة
المنتجات الكيماوية العالمية، وكانت تعمل فى المعادن القذرة والغازات الكيميائية
الخانقة، فاشتغلت بعشرين فرنكاً فى اليوم ، وهو مبلغ يكفل القوت الضرورى ، ثم عدت
إلى مرسيليا
وأقمتُ بها خمس سنوات،
ورحت أتنقّل من مدينة
إلى مدينة حتى وصلت إلى
باريس.
_ سمعتُ أن (سعد زغلول)
فى باريس، فذهبتُ إليه
لينقذَنى ،
فأدخلونى شقته المفروشة
فى حى
"
الشانزليزيه" ، وخرج إلىّ وهو يرتدى بيچامة من
حرير، وسألنى بخشونة :
عايز إيه؟
حكيت له
قصتى ، فكان يقاطعنى من حين لآخر
بسخريّة ، وهو يقول
:" ماشاء الله".. إيه تانى؟.....
عاوز تقول إيه كمان
؟! ولم
أكن قد أكملت قصتى
عندما قال لى "
طيب اتفضّل مع السلامة.." وأشار بيده إلى باب الشقّة.
*لمّا حدثت أزمة بطالة
بين عمال فرنسا سنة، أعادت
فرنسا العمال الأجانب
إلى بلادهم ، فعدت إلى تونس
وأمضيت فيها
خمس سنوات ، أعمل
فى جريدة "الزمان" ،
ولما جاءت وزارة " ليون بلوم" الاشتراكية
فى فرنسا ، فأباحت حرية الكلام
فى المستعمرات،
وكان على كل من
يريد إصدار جريدة جديدة ، أن يبلّغ
البوليس عن عنوانه ويدفع رسماً ستة فرنكات..
فأبلغت البوليس عن
عنوانى ، ودفعت الستّة فرنكات
وأصدرت جريدة"
الشباب" ، فانتشرت ، وصارت تُقرأ
فى تونس
حتى وصلت الدار
البيضاء ، فأرادت
السلطات الفرنسية أن تتخلّص منى
، فقررت نفيى
إلى داكار فى السنغال،
فقابلت محافظ المدينة وقلت
له : إن كنتم مُصرّين
على نفيي، فأنا أفضّل النفى إلى سوريا ، وعشت
فى سوريا سنةً
متخفّياً ، فقررت
السلطات الفرنسية
إخراجى من سوريا
على ظهر
باخرة مسافرة إلى
مرسيليا ، ووقفت
الباخرة فى
ميناء بورسعيد ، فقلتُ
لأحد البمبوطية : " الواحد
يقدر يتفسّح ؟ ففهم
قصدى ، وقال بهمس : امشى
ورايا .
_ فنزلت وقبّلت تراب
بورسعيد ، وأعطيت البمبوطى
(٦٠ قرشاً) ، ثم جريت إلى المحطة ، وركبت
القطار
ووصلتُ إلى
القاهرة مساءً ، بعد ثلاثين
سنة من المنفى.
* أذاع راديو القاهرة
نبأ هروبى من الباخرة ، وكنت
لا أغادر البيت إلا فى المساء
، لأجلس على مقاهى
عماد الدين...لم يكن
أحد يعرفنى ماعدا بائع يانصيب
كان يعترضنى
كل مساء ويقول
: " تاخد ورقة يا خواجة؟"...ثم انكشف أمرى، وكتبت الصحف تطالب
بالعفو عنّى ،
فأصدر (أحمد حسنين باشا) أمراً
إلى
البوليس بعدم التعرُّض
لى.