عُمر الخيّام...والجبريَّة ( ٥)
حامد حبيب
* مرّ الخيام بمرحلةالتشاؤم ، وفيها فضّل العدم
على الحياة ، ووصف الدنيا بدار المحن وأكثرَ من
ذمِّها حتى تجاوز الحد،
وآمن بفلسفة التشاؤم ،
إذ واجه فى حياته
مالايسُرُّه ، ولم يجد مايُخفّف
هذا المرض ، ثم دخل
عالم الارتياب والحيرة ، وهو
ماأفضى به إلى إثبات
الفعل منسوباًّ للقدر، وأنَّ الإنسان ليس له اختيار .
* فصرّح فى رباعياته باعتقاده
" الجبر" ، وقال إنه
دخل هذه الدنيا
مُضطرّاً كارهاً، ويخرج منها كارهاً
مُرغماً ، فيقول :
لبستُ ثوبَ العَيش لم أُستشَر
وحِرتُ
فيه بين شتّى الفِكَر
فكُن
خلىَّ البالِ من
أمرِها
فكُل
مافيها شقاءٌ وهَم
----------------------------------
* والجبرية : فرقة
ينفون الفعل والقدرة على الفعل
عن العبد ، ويثبتون
القدَر ، ويقولون أنَّ الله تعالى
يخلق الفعل ويخلق فى
الإنسان مقدرة متعلّقة بذلك
الفعل ، وفيه يقول
الخيام :" أنا أشرب الخمر، ويشربها كل مَن هو أهلٌ لها مثلى..كان شُربى لها
ليس مُستبعداً فى نظر العقل، لأن الله كان يعلم منذ
الأزل بأنى
سأشربها..وقال:" ماذا أفعل ياإلهى وأنت
الذى جعلتنى من ماءٍ
وطين، وأنت كتبت علىَّ كل
مايصدُر منّى مِنةخيرٍ
وشرٍّ فى هذا الوجود،فماذا
أفعل ؟ وهو مايتمثّل فى
قوله :
خلقتنى
ياربّ ماءً وطين
وصُغتنى ماشئتَ عزّاً وهون
فما احتيالى والذى قد جرى
كتبتَه
ياربّ فوقَ الجَبين
---------------------------------
* ويرجع مذهب الجبرية
هذا إلى (صفوان بن جهم)
زعيم الجهمية ،
وهووضالٌّ مُضِلّ ،قُتِل سنة ١٢٨ه ،
فى
"مرو"أثناء العصر الأمور.
* فما اعتقده الجهمية (الجبرية) اعتقده الخيّام
فيما بعد متأثّراً به
فى أوائل حياته...لذا نجده يقول:
" لم َ خُلقتُ
وكيف لاأستطيع الرحيل متى أردت. ،
ليس لنا إرادة فى
الحياة ، وكيف نعاقَب وقد كُتبَ علينا فى لوحِ الغيب مانقترِف ؟". وقد تمثَّل
ذلك فى
قوله :
كان
الذى صوَّرنى يعلم
فى الغَيبِ ماأجنى وما آثم
فكيف
يجزينى على أنّنى
أجرمتُ والجُرمِ قضاً مُبرَم
_________
* ويقول:
وإنّما نحنُ رُخاخ
القضاء
ينقلنا فى الّلوح أنّى يشاء
وكلّ
من يفرُغُ مِن
دَورِه
يُلقَى به فى مستقرّ الفناء
..يقصد أننا مجرّد
قِطَع شطرنج ، يُحرّكها القضاء كيف يشاء..
وحين يقول : حِكمُك
ياأقدار عينُ الضّلال
*ولمّا كانت الجهميةُ ،
وكما نُسِب لجهم بن صفوان:
" إنّ حركات أهل
الخُلدَين تنقطع ، والجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما، وتلذُّذ أهل الجنة
بنعيمها، وتألُّم أهل النار بحميمها..إذ لاتُتَصوّر حركات
لاتتناهى آخِراً، كما
لاتُتَصوَّر حركات لاتتناهى أوّلاً ،
وحمل قوله تعالى(خالدين
فيها) على المبالغة دون
الحقيقة فى التخليد،
كما يقال:"خلَّدَ اللهُ مُلكَ فلان"
واستشهد على الانقطاع
بقوله تعالى(خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلاّ ماشاءَ ربُّك)..فالآية
اشتملت على شريطة واستثناء، والخلود والتأييد
الشرط فيه
ولااستثناء..هذا قول جهم.
* فجاء حديث الخيّام
متأثراً بذلك القول ، وهو ماحمله على الاستخفاف وعدم التزوّد للآخرة، فيما
قاله :
عِش راضياً واهجُر دواعى الألم
واعدِل مع
الظالِم مهما ظلم
نهايةُ الدنيا
فناءٌ ، فَعِش
فيها طليقاً
واعتبرها عدَم
وقال:
وليس هذا
العَيش خُلداّ مُقيم
فما اهتمامى مُحدَثٌ أم قديم
سنترك الدنيا
فما بالنا
نُضيّع منها
لحظاتِ النعيم
وقوله:
لاتشغلِ البال بماضى الزمان
ولابآتى العَيش قبل
الأوان
واغنَم
من الحاضرِ لذَّاتِه
فليس فى طبع الليالى الأمان
----------------------------------
* لقد وصل بعد مرحلة
التشاؤم، لحالة اليأس التى
تمثّلت فى الخضوع التام
للقدر ، وإثبات أفعاله ونسبها إليه، على أنه مُجبَر على أفعاله، للاختيار له
فى شئٍ منها ، وعليه
فعل ماشاء ،وسلك ماسلك بعد ذلك فى اتجاهه إلى اللهو والخمر والندمان ، وهى
المرحلة الثالثة التى
مرّ بها، والتى سنتحدث عنها
لاحقاً_______(سنواصل
إن شاءالله)
_____________________
حامد حبيب _ مصر