حامد حبيب
أمل دُنقل..حكايةٌ لاتُنسى
_ رجولةٌ مُبكّرة_
أيَدومُ لنا
البَيتُ المَرِحُ
نتخاصمُ فيهِ
ونصطَلِحُ
دقّاتُ الساعةِ والمجهول
تتباعدُ عنّى
حين أراك
وأقولُ لِزهرِ الصيفِ أقول
لو ينمو الوردُ بلا أشواك
ويظلُّ البدرُ طوالَ الدهر
لايكبُر عن منتصفِ الشهر
آه يا زَهر.......لو دُمتَ
لنا
أو ................دام النّهر
-----------------------------
* الاسم : مُحَمَّد أمل
فهيم مُحارِب دُنقُل
"أعتبرُ أنَّ
الشعرَ يجبُ أن يكون فى مواقف المعارضة، حتّى لو تحقّقتِ القيَم التى يحلُمُ بها
الشاعر،لأنّ الشعرَ هو
حُلمٌ بمستقبلٍ أجمل،والواقعُ
لايكونُ جميلاً إلّا فى
عيونِ السُّذَّج"..هكذا قال.
_____________
* ماذا تظنّون بالشاعر ؟....بينه وبين رفاهية
الحياة
مسافاتٌ
شاسعة...الطمأنينة لاتزوره..السعادةُ لاتطرُق
بابَه ..لايعرفُ سوى
القلق..الأرق..الحزن..الهم..الفقر
يحملُ فوق همِّه همَّ
العالَم..إنسانٌ يعانى..
كثيرٌ من الشعراء
والأدباء يعشقون الجلوس على
المقاهى، وكلُّ منهم له
حكايةٌ معها وذكريات ، لاأعلم
سرَّ هذا الارتباط
بينهم وبين عالمها..
كان
مقهى"ريش" هو بدايةُ الطريق بالنسبة ل(أمل
دنقُل)..منه ،بدأت رحلة
البحث عن كينونته..من كان
يريدُ لقاءه فعلى
مقهى"ريش" يعثر عليه...كان كثيراً
مايؤجّل دفع الحساب
لحين أن تتوافرَ معه نقود......
عبّر عن ذلك قائلاً:
إنّنى أوّلُ الفُقراء..
الذين يعيشون مغتربين
يموتون مُحتسبينَ لدىّ العزاء
قلت : فلتكُن الأرضُ لى ولهم
وأنا بينهم
فأنا أتقدّسُ فى صرخةِ الجوع
فوقَ الفراشِ الخَشِن
---------------------
"لم أكُن أُدرك فى
ذلك الوقت أنّ هناك فقراً يصلُ بشاعرٍ إلى حد الاستدانة،أو أنّ هناك رجلاً
لايستطيع
امتلاك ثمن كوب
الشاى،أو فنجان من القهوة".
*هذا الذى كان يعجز عن
دفع ثمن كوب الشاى الذى
يشربه، كانت لعائلته
عزوة،وقوة وثراء، فقد أباه وهو فى العاشرة من عمره، فصار رجُل البيت فى سنٍّ
صغيرة، بعدما صار الأهلُ غُرباء،يسرقون الأرض
بين عينيه...تخلّى
الجميع عنه وعن عائلته ،فصاروا
سلعةً لمن يملكون
الثمن، فيسخر قائلاً :
ورأيتُ ابنَ آدم
ينصُبُ أسوارَه حولَ مزرعةِ الله
يبتاعُ من حوله حرساً ويبيع لأخوتِه
الخُبزَ و الماء
يحتلبُ البقراتِ العِجاف لتُعطى اللبن
قلتُ : فليكُن الحب فى الأرض
لكنّه لم يكُن
أصبح الحبُّ ملكاً لمن يملكون الثمن
-----------------------
*وهل يأتِ الشعرُ من
رفاهية الحياة؟ قُل:من رحِم المعاناة...
كان ابنٌ لأبٍ من
عُلماء الأزهر..وكان أبوه يكتب الشعر العمودى، وكان يعامل ابنه البكرى(أمل)
كرجُلٍ صغير،ليس من
حقّه ممارسة اللعب،أو النزول
إلى الشارع والتعامُل
مع الأطفال،فنشأ طفلاً انطوائياً خجولاً.. كان أسلوباً تربوياً ترك آثارا على
شخصيته،
وعلّمه اليُتم والألم
والظلم من عائلته بعد موت أبيه
أن يصبح بالفعل رجلاً
صغيراً فى العاشرة من عمره..
لقد كان يخجل أن يتناول
أكل الحلوى كما الأطفال، لأن ذلك لا يليق برجُل...لقد اشتُهر بين رفاقه بأنه
الشخص الذى لايعرفُ
الابتسامة..كيف مع هذا الفقد وتلك المسئولية الملقاة على عاتقه وهو فى هذا
السِنّ... رجولته المُبكّرة ،جعلته يرفض دخول السينما
حتى سِن الرابعة
عشرة..حتى كان أول فيلمٍ شاهده
هو فيلم " مصطفى
كامل"..لأنه فيلمٌ يليقُ برجُل محترم.
*فقد أباه صغيراً وضاع
إرثه على يد أعمامِه..ماذا يفعل الرجل الصغير ؟...تصرّف كرجُلٍ كبير، ليعول
أسرته..ترك الدراسة بعد
إتمام دراسته الثانوية.....
بدأ رحلة البحث عن نفسه
وحيداً، وهو لم يتجاوز
السابعة عشرة من
عمره..علّمه ظلم الأقربين والأهل
أن يكره الظلم، وكل شيئٍ
قبيح، وكل ماهو زيف ،
وأن يهَب أحلامَه
للفقراء...كان ينتمي إلى الشوارع
والأزِقّة والطُرُقات،
حتى ذكر يوماً أنَّ تاريخ الأرصفة
هو تاريخه الشخصى..كان
يحملُ بؤسَ الفقراء
والمطحونين، ويشاركهم
معاناتهم..
قلبى صغير كفُستُقة الحُزن
لكنّه فى الموازين
أثقلُ من كفّةِ الموت
هل عرف الموت فقدَ أبيه ؟
هل اعترف الماء من جدول الدمع
هل لبس الموت ثوب الحداد الذى..
حاكَه ورماه ؟
-------------------
*لايعيشُ الشعراء فى
قصور ، إنما على أرصفة الشوارع..على المقاهى...أزقّة ضيٌقة..يتوسّدون
الألم..يحترقون..يحترقون لاينامون كما ينام الناس
..حياتهم بين الآلام
والأحلام.
*لم يكن (أمل دنقل)طوال
حياته يعرفُ منزلاً واحداً
يمتلكه ،أوبيتاً خاصاً
يسكن فيه..كان يقتسم غُرف
أصدقائه،متنقلاً من
مكانٍ إلى مكان،حتى صارت
جدران غُرَف المدينة
تحملُ بعضاً من ذكرياته، وبعضاً من أشعاره، وعن أحد أصدقائه يقول:
كان يسكنُ قلبى
وأسكنُ غرفَتَه
نتقاسمُ نصفَ السرير
ونصفَ الرغيف
ونصفَ اللّفافة
والكتب المُستعارة
-------------------------
* يتضامن مع
الفقراء،يشعر بأوجاعهم، وكان يُصابُ
بحساسية خاصة ف التعامل
مع الأغنياء، فلايسكنون حياته:
لايسكن الأغنياء بها
الأغنياء الذين يصوغون من عرق الأُجَراء
نقودَ زنا....ولآلئَ تاج
ومِسبحةً للرياء
*عمرٌ من الأنين يمضى،
إلى ينتهى به الحال فى
"الغُرفة
٨"فى معهد السرطان، ويكتب بها ثمانى قصائد(ضد مَن_زهور_لعبة
النهاية_الخيول_السرير
_الجنوبى).
*لقد مضى على تواجده
بمعهد السرطان،ثلاثة أشهُر
لم يتذكّر وزير
الثقافة(عبد الحميد رضوان)، أن أكبر
شاعر فى مصر مريضً
يُعالَجُ فيه.. من الذى أثار مقالةً تكشفُ عن كيفية التعامل مع شعرائنا ؟...
إنه الكاتب الأديب(
يوسف إدريس)، وعلى إثر تلك
المقالة،أرسل وزير
الثقافة باقةَ ورد كبيرة، وخطاباً
يدعو له فيه بالشفاء
العاجل...ثم بعدها،أصدر رئيس
الوزراء(د.فؤاد محيى
الدين) قراراً استثنائياً بعلاج
أمل دنقل على نفقة
الدولة، وبعد هذا القرار تمتلئ غرفته بباقات الورد،فيختنق أمل ويزداد كآبة من
هذا المهرجان الفجائى
المُزيّف،ولم يستطع النوم
قبل أن يكتب
قصيدته"زهور":
كلُّ باقة
بين إغماءة وإفاقة
تتنفّسُ مثلى بالكاد
ثانية ثانية
وعلى صدرها حملت راضية
اسمَ قاتلِها فى بطاقة
------------------------
*كان آخر ماكتب فى
"الغرفة٨" قصيدة"الجنوبى"
إنَّ الجنوبى ياسيدى
يشتهى أن يكون الذى لم يكُنه
يشتهى أن يلاقى اثنتين :
الحقيقة والأوجُه الغائبة
-----------------------------
* هل نمضى،وهو الذى
اشتُهر بقصيدته"لاتُصالح"
لاتُصالح
إلى أن يعود الوجوه لذروته الدائرة
النجوم لميقاتها
والطيور لأصواتها
والرمالُ لذرّاتها
والقتيلُ
لطفلتِه الناظرة
-------------------
* (أمل دنقل)..حديثٌ
يطول..حكايةٌ تمتدّ ، تحتوينا
تعيشُ فى الذاكرة
..رحمه الله.
-------------------------------------
حامد حبيب _ مصر