الحلولية الكينونية المتماهية قراءة تحليلية موجزة في نص" ايقاعات الرماد " للشاعرة السورية "مرشدة جاويش"
باسم عبد الكريم العراقي
الحلولية الكينونية المتماهية
قراءة تحليلية موجزة في
نص" ايقاعات الرماد " للشاعرة
السورية "مرشدة جاويش"
النص :
(1)
رأيت الحرابَ الُمدَماةَ
تخرج من جسَديْنا
وُتمسكُها شهقتي الذائعة
..
رأيت فراشَ النعاسٍ
يحاصرُني
بتراتيله الفاجعة....
تعثرتُ في نزفي المتوغل
بين جراحي..
إلى أن ًتجّسدتَ:
زهرةَ صومِ..
تجاهد غَيْبَتها في
الرمال
كما الشوك في ظمأ الصخر..
فانطبقتْ مُقلتانا
وإنّاعلى شُرفات السرابٍ
إعترانا:
سؤالٌ على هيئة الورد ٍ
فالتحمتْ تحت جلد الصحارى
رُؤانا.
(2)
زهرةَ المستحيلٍ
الجميل....
وياطفلةَ الأزرق
المسقيل..
هوالتَوْقُ للشوق
و الشوقُ للعٍتْق
فالنَبْتدئ هجرةَ
الانكسار الجليلْ..
فها لهفتي ترسمُ الآن
لحظتها:
طفلةً من غيابِ
و قافلةً من هديلْ
(3)
سرابٌ يحاصُرفيَ دمي..
فتؤوبُ خطايِ إلى برهة
الاحتراق
أراكَ تغادرُني
هارباً في تخوم الفُراق
تشققُّ جلدي..
لتنهض ورداتكَ الراعفات
على عنقي..
صرخةً..جمَحتْ في الرمال
و جرحاً على هيئة
الاشتياق...
سرابٌ يجوسُ تقاطيع
رؤياي..
يحبسُني فيكَ..
أدعوكَ..
يملكُني الصوتُ..
تأتي
فيغمرُني الموتُ..
ننضمَ
يُشعٍلُنا صاعقُ
الاشتقاق.
(4)
صراخٌ يحاصرُ كلَّ
العصافير..
يحبسُني في بكائي معك..
صراخٌ على هيئة الذبحٍ..
من أيقظ القتلَ في
صُبْحٍنا..ومضى..؟
سيدي:كنتَ بي..
كيف تخلُعُني من مداكَ!
أُحس تواقيعَ نزفي على
صدركَ المتهدج:
شمساً من الثلج..
تستافُ كلّ خطايَ..
إلى عتبات الرضى..
والصراخُ الأليفُ كما
الظمأ الجاهليّ انقضى.
وحشةٌ..
وحشةٌ..ودمٌ..
وخطاكَ إلى جسدي كالنعاس
الحثيثٍ..
او الماءِ في ظمأ الوهمِ
مثل ندى البحرْ..
ضعْتَ بي..فالتقيْنا..
وغادرْتَني..فانتهينا..
وها إننا في بَراح الفرار
نفتش عن جُرْحٍنا
الأزلي..
لنكتُبَهُ..ونعود معاً...
القراءة :
الحلولية الكينونة
المتماهية ، بين المخاطِب ( صوت الحاكي / الشاعرة ) ، والمخاطَب ( المحكي عنه /
الحبيب الحاضر شعوريا ) ، التي تعبر عنها ضمائر الرفع المتصلة / تاء الفاعل (
للمتكلم والمخاطب ) ، والضميرالجمعي / نا ( هو للاثنين قي النص ) ، هي الثيمة
المحورية للنص ، وهي موزعة بين نفيضين يجمعهما العنوان :
ـ ايقاعات ( انتظامية
حركية ملموسة / حياة )
ـ رماد ( بقايا احتراق
منظفئة الحركة / موت)
هنا النص يختزل معناه /
فكرته ، في عتبته ( العنوان ) الموحي بالاصرار على تحدي اسباب الفناء و ديمومة
الفعل الحياتي ، وتجنبا للاطالة ، فالنص يغري بدراسة تحليلية مستفيضة ، فسأشير الى
بعضٍ من اشارات تلك الحلولية ( حلولية الهو/ الاخر المغيَّب الوجود ) في ( الأنا /
الذات الحاضرة الوجود ) ، و دلالاتها المعنوية .
توزعت تلك الحلولية بين
ايقاعات اربعة : في الاول نجد طغيان ضمير الاثنين ( نا ) / اشارة الحضور )، كما في
( جسدَينا ) في بداية الايقاع ، و (رؤانا ) آخر مفردة فيه ، مروراً بالعديد من
مفرداته المتصلة بهذا الضمير الواردة بينهما ، وهذه الضمائر اشارة دالة على (
ديمومة حلولية قائمة ) ، رغم وجود رمزية الفراق الحتمي ( الحراب المدماة ) ، في
ذات البداية ، فالشاعرة ألغت أثره في مقطعه الاخير حيث تلاحم الرؤى ( اتحاد / حلول
) تحت جلد الصحراء ( رمزية الموت / الفراق الحتمي ) ، وفي الايقاع الثاني نجد
غياباً تاماً لهذه الاشارة ( الحلولية ) ، حيث انعدم وجود ذلك الضمير ( نا الاثنين
) مع اية مفردة ، كذلك ( تاء الفاعل المتكلم ) ، وهذه دلالة على استبداد الغياب
لأسباب ما تركت الشاعرة امر تقديرها للقاريء ( استدراجه للمشاركة في انتاج النص )،
لكنه غياب ظاهري فقط ، فالحضور الحلولي مستمر الوجود مستتراً وراء اشاراتٍ وصورٍ
تواري ذلك الحضور بين ثنيوياتها ( زهرة / طفلة ) و ( طفلة / قافلة ) و ( غياب /
هديل ) ، وبوجود ما يدل على حضور ( الأنا ) وهو الضمير( ياء المتكلم ) في ( فها
لهفتي ترسم .. ) ، نستطيع ان نرسم صورة حلولية ( الهو) فيه ، وراء مايكافؤه دلالةً
، فللهفة حضور فاعل / ترسم ، والهو مشار اليه صراحة مرةً بضميره المنفصل ( هو )
والانفصال هنا مجازي ، ومتوارٍ بين صورة ( زهرة المستحيل ) ، وللتدليل على ان
المعني هنا هو ذلك ( المخاطَب / المذكر ) قامت الشاعرة بتذكير الصفة ( الجميل )
لتتبع حنس الموصوف ( المستحيل ) ، ،فهو ( المستحيل الجميل ) وجاءت باالزهرة لدلالة
رمزية اشعائية المعاني ( منها الجمال ، الوفاء ، الجاذبية / للفراشات ) ولما كانت
الانثى تعني ذات المعاني ، فنستطيع تفكيك جملة ( زهرة المستحيل الجميل ) كمايلي (
الزهرة / مكافيء الانثى ( انا المخاطِبة ) ، و (المستحيل الجميل / مكافيء المذكر/
هو المخاطَب ) ونعيد وفق هذه المعاني المتولدة اعادة تركيب الجملة لتكون ( انا هو
/ دلالة حلولية ) ، هكذا تمضي استمرارية اشكال الحلول في الايقاعين الثالث والرابع
بوتيرة تبادلية ( طغيان الضمير/ كاف المخاطب ) في الايقاع الثالث وهي اشارة ذات
دلالة ( استحضارية كينونية ذهنية ) للمخاطَب ، من خلال ذلك تحاورالانا الحاضرة مع
صاحب تلك الكاف المستحضر ذهنياً / اشارة لرسوخ حلوليته وتأكيده بعودة ضمير الاثنين
المستتر الدال على الفاعلية في (ننضم ) / تأكيد التماهي ، ويأتي ازدحام الايقاع
الاخير بالعديد من الضمائر الظاهرة والمستترة الدالة على ( المتكلم / المتكلمَين /
المخاطب / هو المقدَّر غيابا ) لتمثل مجتمعةً اشارةً الى تأكُّد ذلك التماهي
وانتصاره على الاسباب المانعة او المحاربة لحصوله ( هذه الاسباب وكذلك ماهية
المخاطَب في النص ) يحددها القاريء ايضاً ، حسب فهمه وتحاوره مع النص .
باسم العراقي