الغائب
الحاضر
أمجد ناصر
***
البيتُ بعدَها
لم يتغير شيءٌ يُذكَرُ في البيتِ بعد وفاةِ أمي.
فأخواتي الأربعُ، صورُها الجانبيةُ شابةً، يواصلنَ
رفعَ النَّهارِ علي أثافيه الثلاثِ: الهالُ صباحاً، الكُرْكُمُ ظُهراً، النعْناعُ
مساءً. ففي بيت أهلي لا حاجةَ بكَ إلي ساعةِ يدٍ أو حائطٍ يكفي أن تشمَّ الرائحةَ
لتعرِفَ موقعَ الشَّمسِ في السّمتِ.
لم يتغير شيءٌ يُذكَرُ في البيتِ بعد وفاةِ أمي.
فأيدي أخواتي منهمكةٌ في ترتيبِ غرفٍ غادرَها
أشقاؤهن الخمسةُ إلي بيوت أخري لن يعرفوا
فيها الراحةَ رُغم أنهم لم يعودوا ينامون علي
فرشاتِ الليفِ الممدودةِ علي الأرضِ ولا يرتجفونَ أمام شاي الصباحِ وخبزهِ
كالمدمنين.
لم يتغير شيءٌ يُذكَرُ في البيتِ بعد وفاةِ أمي.
حتى أننا كلما رأينا كوثرَ، كبري أخواتي، عاكفةً
علي ضبطِ توازنِ الملْحِ في القمْحِ، ظننا أن أمي لم تبرحِ البيتَ الذي بنته لهفةً
لهفةً بكفنٍ أبيضَ وجسدٍ أكلَه السّرطانُ قطعةً قطعةً إلي مقبرةٍ ستضمُ أولَ ميتٍ
في العائلة.
لم يتغير شيءٌ يُذكَرُ في البيتِ بعد وفاةِ أمي.
النَّهارُ بخطوطِ عرضهِ الثلاثةِ
الغرفُ المرتبةُ تنتظرُ أولادَها الغائبينَ
المارثونُ الأبديُّ لأبي بين إبريقِ الوضوءِ
والجامعِ.
الحنينُ الذي لا يكلُّ لأيامِ الفاقةِ السعيدة.
كلُّ شيءٍ علي حالهِ.
إلا تلك اليدَ التي يخضرُّ لها التراب.
.
أمجد ناصر
الأردن