باسم عبد الكريم العراقي
من وحي تجربتي الشعرية / الوعي الإبداعي و صولجان السلطة المؤسساتية
الفهم ... وفق تعريفي اياه هو قدرة و قابيلة الوعي
على الاستيعاب العقلاني للاحداث والوقائع
الحاصلة من حوله وتحديد
الموقف منها ، فلا يكفي ان نعي ( والوعي
هنا نسبي ) تلك الاحداث والوقائع ، المتسلسلة زمانياً والمتوضعة مكانياً ضمن حدود
الكلمات ، في شكلهما و نطاق وجودهما
اللغوي المنطوق او المقروء ، اوضمن الحيز الواقعي الوضعي لظهورهما او تحققهما ،بل
يجب ان يترتب على هذا الوعي اتخاذ موقف مما وعيناه ، بالقبول او الرفض ( ايجابية
التعاطي / فاعلية الوعي ) ، اواللاموقفية ( لا تعاطٍ / عدمية الوعي ) ، وانا وجدت ان هيمنة المؤسسة السلطوية بكل
احكامها الثقافية الماقبلية وايديولوجيتها الفكرية الشمولية ، على موضوعة الفهم
وبالتالي الوعي عموماً ، والادبي خصوصاً ، فالاول ( الفهم )
يُعدُّ الاساس الأهم لنشوء وتكوُّن الثاني
( الوعي ) في العقل الانسان، في حقيقتها ( اعني الك المؤسسة ) استندتْ على مبدأ
اساس هو ( قدسية اللغة ) الذي ادى الى ترسيخ جمودية خطابها التخارجي المُحدَّد
والمحكوم تعبيرياً وفق آلية ( دال/ مدلول ) ، وقاموسية المعاني ، وتلك القدسية
ترقى الى مصاف المحرّمات ، المحظور على اي
أحد التشكيك بآلياتها الاستخداماتية ، او مجرد التفكير بالتحقُّق من صحة معطياتها
المعرفية البدهيَّةِ او المؤكَّدَة الحجة ( فهي لغة القرآن واهل الجنة ) ، ناهيك
عن ( حُرمةِ ) السؤال عن حقيقة وجود
قياسات منطقية تؤكدها وتبررُ (عصمتها) عن الزلل و القصور، في مصطرع الحاجات
التعبيرية والقرائية المستجدة ، بظهور وتولُّد المؤثر و المحفز الظرفي الواقعي ،
بحكم الترابط الوثيق بين تطور الوجود الانساني في العالم ، و دوران عجلة التجدد
والتغيرالتي تحتمها قوانين ديمومة الحياة في هذا العالم الدائم الحركة ، وما اضفى تلك القدسية على اللغة هو
ارتباطها التلازمي مع ( الدين ) كما نوهت أنفاً ، ونحن كأمة كان لابد لها تتأثر
بغيرها، بحكم وجود حالة التماس والتفاعل الانساني الحي مع شعوب المعمورة ،
بمشيئتنا او بمشيئةِ التأثُّر القسري او الاضطراري ، حسبما قرره و فرضهُ عنوةً ،
على سائر امم الارض، زلزال العولمة الذي مثّل حداً فاصلاً بين انغلاقية حدود دول
العالم / ونحن منهم، وبين الانفتاحية المشرعة الابواب على تلك الشعوب ، وذلك بما
وفره من مختلف انواع وسائل التواصل الاجتماعي بعد ثورته الانترنتية التي عمت ارجاء
كوكبنا قاطبة ، تلك الوسائل التي طوّحت واخترقت ما يعرف بالحدود الفاصلة بينها (
بكل ماتعنيه من معاني جغرافية او اجتماعية وثقافية ) ، وكان من جملة اوجه الثقافة
التي تحتم عليها ان تتطور بهذه الدرجة او تلك هي اللغة ، التي تشبثت بحكم جموديتها
التي اشرت اليها آنفا ، حتى بطبيعة اجترارية مفرداتها لسلفية معانيها ، حتى في
عصرنا الراهن ، ناهيك عن ركونها المزمن الى الاحكام و الضوابط الذوقية والجمالية
لتحديد ( مقبولية / مرفوضبة ) المنجز الادبي ، واخضاع ( الفعل الكتابي / القرائي )
بالمجمل لتلك القياسات الماقبلية ، و ( قمع ) اية مساعٍ للتحرر من قيود سلطتها ،
ولما كنت شاعراً مادته ووسيلته الخطابية هي اللغة ، ولي ( موقفي التحرري ) من
الاشياء والوجود عموما ، فان جميع تبدلات اوجه الحياة المجتمعية ، وما تنتجه
وتشكّله من بنىً فوقية للحياة الفكرية ، وغيرها من اوجه النشاطات والفعاليات
الانسانية الاخرى ( ومنها سائر انواع واشكال الثقافة العامة ومنها ما ذكرته عن تلك
الاحكام والقياسات الذوقية والجمالية الضابطة للمنتج الادبي ) ، انما تعنيني ككاتب
ودارس ومحلل للنصوص الشعرية ، لذا عملت على المروق من هذا القيد المقدس، ورحت
اتعامل مع اللغة باعتبارها آلية ووسيلة للتفكير والتعبير، احاكمها واطوّعها كي
تخدم مقاصدي وتنقل إيماءاتي وإشاراتي كما احدده انا ، لاتلك السلطة القامعة لحرية
التفكير وارادة التجدد في طبيعة الخطاب ، الخطاب الذي اريده إشعائي الإرسال للاخر
، اي أنه يشع بدلالاته وتعددية معانيه في جميع الاتجاهات الفهمية، ويخاطب شتى
العقول حسب درجة وعيها وثقافتها ، لذا جاءت نصوصي شكلاً واسلوباً ، خارقة لأصوليات
السلطة المؤسساتية وعابرة لقياساتها الجمالية والمعنوية .