حامد حبيب
سرُّ تمايُز القصةِ القصيرة
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
من المقولات العتيقة
التى بدَت كأنّها
نوع من السُّلطة المفروضة على
الكُتّابِ والكتابة ، هى مقولةُ
"النوع الأدبى"، والتى وقع الهجوم
عليها من
جهاتٍ
متعدّدة ، إذ
أنّ الانواعَ لم
يعُد لها ثباتها
القديم التقليدى ، وأصبحَ كل
نصٍّ كأنّه نوع فى ذاته ، ولم يعد من
السهل أن تجمع
مجموعة من النصوص يمكنك
أن تقول عليها إنها
تنتمى إلى" نوع أدبى"
واحد ، فقد تضاءلت قيمةُ
تحديد النوع ، ولم تعد نظرية الأنواع تحتلّ مكان
الصدارة فى الدراسات الأدبية الحديثة
، حيث أن التمييز
بين الأنواع الأدبية لم يعُد ذا
أهمية فى كتابات معظم كُتّاب هذا العصر، لأن الأنواع صارت فى خلطٍ ومزج ، والقديمُ
منها تم تجاوزه، أو تحويره، وتُخلَق من الحين
للآخَر
أنواع جديدة ،حتى صار مفهوم النوع غير ذى قيمة، بل
موضع شكّ.
فتعريف
النوع يتم وفقاً
لشكله الخارجى أحياناً (الطول_القِصَر_...)، ووفقاّ لشكلِه
الداخلى أحياناً
(الموقف_الموضوع_....)..والنوع قد
يتاسّس على وجود سمة
واحدة تشترك فيها
مجموعة من الأعمال ، أو
مجموعة من السمات
مُركّبة على نحو مُعيّن ، وبناءّ
على ذلك يختلف
النقّاد حول عدد الأنواع ، فمنهم من يقترح "أن يكون
كلُّ عملٍ نوعاً فى ذاتِه ،
ومنهم من
يقترح أن يكونَ هناك نوعان: أدب ، ولا أدب ،
ويقترحون أن تكون
ثلاثة: غنائى، وملحمى ،ودراما.. ويقترحون أربعة:غنائى، وملحمى، ودراما،
وقصّ نثرى.
وعمل (التفكيكيون) على هدم مفهوم"النوع
الأدبى"
وقالوا إنَّ هُويّة النوع لايُمكن تحديدها بجسم ،
لأننا
فى
هذه الحالة سنجرى وراء الأنواع فى
إطار لعبة
"الاختلاف" التى لاتنتهى ، وتثبيت النوع ليست إلا محاولة تحكُّميّة
من صُنع الثقافة ، تعمل بها على إيقاف اللُّعبة التى لاتتوقّف.
أما (البنيويين) وأتباعهم ممّن رفضوا مفهوم النوع،
واحلّوا مكانَه مفهوم"النّصّ" لم
يتوصّلوا لمفهوم أو تعريف بنيوى
للنصّ الأدبى ، فعجزوا عن
تقديم مفهوم بديل للنوع ، وأن هناك عقبات مُستخلَصة من التفكير النظرى
، فكل نصّ يستند لجملة خصائص تسمح
ب "تنويعه".. أى إدراجه
ضمن نوع أدبى، ومحاولة تحقيق نمذجة بنوية
عامة لجميع أنواع الخطاب الأدبى ، أمرٌ مازال لم
تكتمل معالمه حتى الآن.
ونُقّاد مع بعد الحداثة، يحاولون أن يعملوا بلا
نظرية للنوع .
وهناك
اعتراف ضمنى من
البعض بوجود الأنواع الأدبية وأهميتها
فى الدراسات الأدبية
، ولكنها تتعامل مع
النوع الأدبى باعتبارِه
مفهوماً مرِناً ومفتوحاً ، يسمح
بالتعدُّد والتداخُل ، وإنه
مفهومٌ يطوّر من نفسِه مع الزمن.
فالأنواعُ الأدبية مفاهيم مرِنة متطوّرة ، بمعنى
أنها تتطوّر من عصرٍ
إلى عصر ، ومن فترة
إلى فترة، ومن مدرسة إلى مدرسة ،ومن كاتبٍ إلى كاتب.. فكل عمل جديد_ إذا
كان عملاً أصيلاً_ يضيف إلى النوع ،
وكل كاتب متميّز يُغيّر من طبيعةِ النوع ، وأمام هذا التغيُّر الدائم
للنوع الأدبى ،
يسعى النقّاد لضبط مصطلحاتهم وتنميتها ،
لمتابعة النصوص الجديدة
فالنقّادُ
على وعىٍ بما يحدث للنوع الأدبى من تغيُّر.
وقد كان (أرسطو) نفسه على وعى بإمكانية تداخل الأنواع ، بسبب
تداخل المقولات أوالجوانب
التى يتألّف منها مفهوم
النوع..، حتى أنه
لاحظ أنّ (سوفوليكس) الذى هو كاتب
دراما أساساً ، يتداخل
مع ( هوميروس
) كاتب الملاحم
، ويتداخل (سوفوكليس) كاتب
التراجيديا مع( أرسطو فانيس)
كاتب
الكوميديا فى طريقة
المحاكاة والعرض الدرامى.
والقصة
القصيرة بين الأنواع
، مفهوم اكثر إشكالاً،ولايكفى لحل هذه
الإشكالية أن نقول
إنّها تبتعد عن الرواية بقدر ماتقترب
من الشعر والدراما، وإنّ هذا سرُّ
تمايُزها وهويّتها المستقلة ، وأنها_فى الوقت ذاتُه_ تقترب
من ذاتية الشاعر
ومنظوره الشخصى ، ولاتتخلّى
عن موضوعية الرواية ونثريتها ، فهى نوعٌ "بينىّ"او
"هجين".
ويصفها(فاليرى شو) بانها"توفيقٌ بين المتناقضات،
تفاعُل بين التوتُّرات والمقاولات المتضادّة : قصيرة لكنها رنّانة، مكتوبة نثراً
لكن بها كثافة الشعر.. مصنوعة من كلمات سوداء على صفحة بيضاء، لكنها
تومض باللون والحركة ، مكتوبة لكنها تحاكى الكلام
الإنسانى..يبدو ان العامل الوحيد المشترك فيها ،
هو هذا التوازن الذى نسعى إليه".
وقال(شكرى عيّاد) :"إنّ القصة القصيرة تبدو
جامعة للنقيضين فى وقت واحد، موغلة فى الذاتية موغلة فى الموضوعية".
وكاتب
القصة القصيرة يختار
دائماً الزاوية التى يتناول
الحياة منها ، وكل اختيار
يقوم به يحتوى على إمكانية قالب جديد.