سامحنا أيها الاغريق العظيم ... تقبلوا عزاؤنا المتاخر
العقيد بن دحو
ولأن عاداتنا هي عاداتنا منذ ذاك العصر الجاهلي إلى هذا العصر الجاهلي
الجهلاء ، و لان طبعنا يغلب تطبعنا، ( كل
شيئ و كل شيئ لا شيئ ) يصل إلى اذهاننا متأخرا، حلما ، كلمة ، فكرا ، و فعلا و
شعرا وشعورا و استشعارا. فإن علمنا نكون
آخر من يعلم ، و ان أحببنا نكون آخر من
يحب ، و ان حزنا يكون آخر من يحزن ، و ان ضحكنا يكون آخر من يضحك ، و من يضحك
اخيرا يضحك كثير !.
وكم ذا بمصر من المضخكات *** لكنه ضحك كالبكاء !.
أو كما قال المتنبي.
سامحنا يا أيها الاغريقي الفارس النبيل ؛ يا من أبدعت فن المسرح و سميته
ابي الفنون ، و قننته و جعلته على مسطرة الوجدان الانساني تكفيرا و تطهيرا ، و
خلقت منه الفرح و الحزن ، الشقاء و التعاسة و كل تثنية الفعل الدرامي و تقيضه :
الماساة التراجيديا و الكوميديا الملهاة.
لكن تعلم أن لكل بداية نهاية ، و
ان لكل ميلاد موت ، و لا بد للنهاية في عصر النهايات هذا الذي استشرفتموه حتى قبل
أن تروه اليوم بهذا الشكل الاكثر الما و دراماتيكيا ، يبكي فيها البشر بلا دموع و
يضحك بلا فرح ، و يصفق بلا رحع صدى!.
لقد تنباتم بنهاية المسرح في كوميديا ( الضفادع) للشاعر الدرامي ارستوفانز
قبل أن يصل إلينا بهذه الميتة اللاصفات !.
سامحنا أيتها الآلهة الاغريقية ، سامحنا يا " ديونيسيوس" ،
سامحنا يا " ابولو" ، سامحنا يا " ميزيس".... اخيرا وصلنا نعي
وعزاء المسرح بالصحراء ، و كان الاحتفال تابينيا يليق على واحد ميت ، تماما كما
كانت الزهور لا تدل على الميت و انما على
عظمة الميت !
انا لم احضر أيها الاغارقة الفرسان ، كالعادة ، انا بالسليقة ممنوع من
اعرابهم و من عرابهم و من اعرابهم و من عربانهم ، فهم لا يحبون من يبكي على
الأحياء!. و لا من يذكركم بأن المسرح عالميا مات و شبع موتا!.
اليوم أيها الاغارقة ادرار التي تبعد عن الجزائر العاصمة 1700 كم احتفظت
بدورها بهذه الميتة العظيمة وظل الكتف و الردف خباطا دورة شمس واحدة .
هنيئا لك أيها المسرح و الناس من بدو وحضر تشهد كيف تموت مرات مرات.... و
انت اصلا مت منذ القرن الخامس قبل الميلاد ، و لم يعد الا الإعلان عن هذه الوفاة
في مثل هذا اليوم خفلا بهيجا يهتز له (
هديز) مملكة الأموات من تحت أسفل سافلين
!.
اليوم بالضبط كنت تزف إلى مثواك
الاخير تحت إيقاع الزرنة و الطبل و البلدية و أهل البارود !.
هنيئا لك ، يا لك من ميتة على المباشر ، و طيلة اسبوع و الساكنة تنثر على
جثمانك التطبيب اكاليل الغار و الاس فارس شهيد قادم مما قبل الميلاد....!.
اخيرا لم يعد للمسرح من قبر مجهول و هو يرفع على الاكتاف إلى مقبرة القيم
جنبا إلى جنب نهاية التاريخ.
كم كانت اخ الجهالة فاقع لونها بهجة و سرورا، منتشرة و هو يحاول أن يتعلق
الجنازة ليبدو في صورة حاملة النعش او حاملة القرابين و الله لست أدري...
بطبيعة لا أحد يريد أن يدفن المسرح اليوم ، حتى يلتحق كافة وفد المعزيين،
(فالرجل) ليس بالأمر الهين ، قدم ما عليه للانسانية جمعاء و حان اخيرا للفارس أن
يترجل، بل ان يحمل بنعش يليق بمقامه و بمربع هويئ له خصيصا ؟ ، و ان يوضع على قبره
المحروس شاهد ، يشهد اخيرا على موت المسرح بالصحراء !
اتقوا الله يا قوم المسرح مات و شبع موتا منذ عهد الاغريق القرن الخامس قبل
الميلاد ، مات في عز ازدهاره المعرفي العلمي ، الفلسفي ، الحضاري ، الثقافي على
شواطئ قرابين بحار جوقة وكورس مدن " اثينا" و " طيبا" و " ارجوس"....
و غيرها فمابالك بالصحراء ادرار التي تبعد
عن الساحل بالمئات من الكيلومترات !.
اتقوا الله بالمسرح دعوه ينام في هداة رحمة من خلقه اولا ، و انتبهوا على
فنون اخرى لا تزال على قيد الحياة.
كفى ضحك على الناس ، ضحك يشبه البكاء !.
غدا ستوزع التكريمات و الهدايا و الجوائز كما كانت توزع العجائز الفطائر
على قبور الاموات.. النيات الميتة التي
شبعت موتا بدورها ، لن تجدها الا في رؤوس العجائز الذين ينتظرون بدورهم موتا رخيما
او رجيما مثل هذا الذي سيعلن عن اسدال الستارة عن اكبر حفل تابين شهده موت المسرح
ظل مؤجلا منذ الازل.
اتقوا الله في الأحياء و فيما هو بين أيديكم و دعوا ما هو في المقابر و ما
هو رميم إلى يوم يبعثون !
انتهى المسرح ليس في ادرار فحسب ؛ و في الجزائر ، و لا عند الاغريق ؛ و
انما بالعالم با سره . ولن يسترده للحياة لا الميزانية المرصودة و لا لليريستيج و
المظاهر الكرنفالية الفلكلورية ، صحيح يبقى الأثر و العبرة لمن يعتبر.
سارعوا لتاخذوا صورا مع المرحوم (....) قبل ان تسدل ستارة المقابر
سامحونا أيها الاغارقة و تقبلوا عزاءنا المتاخر .