دراسة نقدية في المجموعة القصصية "وجوه خارج الكادر"للكاتب "صلاح هلال حنفي بقلم : د.مفيدة الجلاصي
دراسة نقدية في المجموعة القصصية
"وجوه خارج الكادر"
للكاتب
"صلاح هلال حنفي"_مصر
بقلم :
د.مفيدة الجلاصي–تونس
¶|مؤتمر"ملتقى النقد الأدبي العالمي"¶|
_اليوم الأول(٢١ يناير ٢٠٢٣م)
التقديم
كنت قدمت
منذ، عامين دراسة نقدية لأقصوصة "طائرة بلون سمائي" للكاتب "صلاح
هلال حنفي" وهي مدرجة في هذه المجموعة وقد نالت دراستي المرتبة الثانية في 11 نوفمبر 2020 في إطار
مسابقة لأحسن دراسة نقدية بمملكة النقد الأدبي للوجدانيات بإشراف الأديبة
"جديلة ياسمين "
اما اليوم
فقد نالني شرف تقديم رؤية نقدية في المجموعة كلها وذلك من وجهتين اثنتين
_1 _الأصوات
في المجموعة
_2_شعرية
الخطاب السردي في المجموعة
وقد آثرت ان
اقدم دراسة غير مستفيضة لأنني ركزت اهم ما شدنا في المجموعة انطلاقا مما ورد فيها
في مستوى العلاقة بين الدال والمدلول لا سيما في مستوى سيميائية العنوان الذي
تخيره الكاتب للمجموعة والذي يعتبر جسر العبور للنصوص وفك شفرتها والغوص، في
ابعادها ودلالاتها ولذلك كان عنوان المجموعة "وجوه خارج الكادر" مثيرا
للمتلقي القارئ ومن هنا رمنا ان نتقصى ما ينطوي عليه من مضامين لأننا راينا فيه من
انزياحية سيميائية قصدها الكاتب قصدا وهي تتناسب مع ما يرمي، اليه من معان تجسد
الأهداف التي ينشدها لذلك كان اهتمامنا
بما اسميناه الأصوات في المجموعة
1_الاصوات في
مجموعة "وجوه خارج الكادر"
ما يلفت
الإنتباه في المجموعة هو كثرة الأصوات التي تبدو صدى لبعضها البعض وذلك من خلال
الشخصيات التي تمثل قطب الرحى في العملية السردية التي انتهجها الكاتب وهي شخصيات
ذات دلالة خاصة في علاقتها بالسارد لأنها بدت قريبة منه عائليا واجتماعيا
مثل" الجد في "وجه جدي الآخر "ص 5 /او الحفيد، والأم
غير ان الصوت
الغالب هو صوت السارد الذي يطفو على اغلب الاقاصيص من خلال ضمير المتكلم وهذا
مرتبط بالاتجاه الرومانسي الذي بدا جليا وهو ما سنبينه في مستوى اللغة الذي وسمناه
بالشعرية فقد عودنا الرومانسيون بالتركيز على وصف أنفسهم وذواتهم على خلاف
الكلاسيكية التي ينحو فيها المؤلفون إلى الموضوعية والواقعية بإستثناء بعض الكتاب
الرومانسيين الذين اتجهوا نحو،الواقعية النسبية مثل :فلوبير/ بلزاك /ستاندال /
لذلك طغى على
مجموعة "وجوه خارج الكادر" الوصف الذاتي العاطفي في التعبير عن مختلف
أحوال الذات وتقلباتها فجعلها تعرب عما نشعر به تجاه الأحداث التي تمر بها وهي في
تماه مع الطبيعة فبرسم من خلالها ألوانا مما يرى ويحس، عبر المونولوج المباشر وغير
المباشر وفي كلنا الحالتين يحضر السارد عبر الوصف والتعليق فيغيب صوت ضمير الغائب
ليبصبح بصوت المتكلم فيغدو الوصف ذهنيا يعتمد على نوع من المناجاة النفسية الروحية
واستدعاء ما يسمى التداعي الحر عن طريق الخيال والحواس وهذا النوع من الأسلوب الوصفي،
يساعد على إذكاء، العواطف والهاب الشعور بأسلوب بدا حماسيا مشبوبا بأحوال
النفس،وما يراود الإنسان من أحلام في مثل اقصوصة "حلم نفسي"
ص. 58 حيث
يقول :"أحلام تأتيني في كل لحظة تقف أمام بابي الموصد، وتنكسر، لم تتركني...
تأتي في خطوط متشابكة حالكة بينهما نور"
ولكأن الكاتب
يسجل خواطره متخفيا وراء، شخصياته وهي اصواته التي اختلقها ليجعلها لسانه الناطق
باسمه، (نجد هذا الأسلوب عند "ررسو، " / شاتوبريان /رينيه /ولا سيما
عند" رينيه Alfred De, Musset في كتابه
"اعترافات فتى العصر"
ومع ذلك
فإننا نقف على مجموعة من القضايا التي يطرحها بطريقته من خلال تلك الأصوات، متجسدة
في الطفولة المشردة (ص 48 و48)
الفقر (ص43ر)
الظلم الإجتماعي او، معاناة المرأة (ص 52)... انه التعبير عن الضيق بالمجتمع
وقيوده والهروب منه إلى "حلم مثالي، "، والاعتداد بالفرد الساعي إلى
النضال من اجل استرداد حقوقه وهو الصوت الطاغي
إنه يصوغ كل
ذلك من خلال تجربة ذاتية اصبغها بصبغة إنسانية من خلال اعلاء صوت الفرد الثائر بكل
ما يحمله من مشاعر متوقدة يدفعها الطموح إلى تحقيق الحلم بخطاب يتوجه مباشرة إلى
القلب والروح قبل العقل وهذا يفضي بنا إلى الجانب الوجداني المتسم بالطابع الشعري
للمجموعة
_2_شعرية
الخطاب السردي في مجموعة "وجوه خارج الكادر"
في إطار
المنهجية الحداثية في الدراسات النقدية واستجلاء ابعاد النصوص الأدبية عبر قراءات
نقدية بآليات وتقنيات منهجية في تناول تلك النصوص تبلورت في ضوء المناهج المتصلة
بالمنحى البنيوي اللغوي كان تناولنا لشعرية للخطاب السردي عند الكاتب "صلاح هلال حنفي"
في مجموعته" وجوه خارج الكادر"
يتمثل عنصر
شعرية الخطاب في المجموعة من خلال نوعية العبارة السردية التي اعتمدها الكاتب لا
سيما في اختياره لعناوين الاقاصيص من قبيل "نقطة مطر" ص 15/ لعبة تغازل
احبال الغروب ص 18 / فيض ص 29 / حنين وانين ص 33/..)
ويتأكد لنا
هذا المنحى الشعري اكثر، في الاعتماد على الانزياحات اللغوية في الوصف مع التركيز
على نوع من التقاطع بين وصف الطبيعة الداخلية والطبيعة الخارجية لا سيما في سعيه
إلى استبطان ما يعتمل في النفس من المشاعر والأحاسيس في علاقتها بالطبيعة من قبيل
قوله في "فيض ص 29" :
"قبل
غروب روحانيات شمس الجمعة والناس قابعون في بيوتهم ينتظرون الآذان رياح الخماسي
تقتحم الربيع لا تهدأ تعاند شيخا يتنهد يتشبث، بباب عتيق" ان هذا المقطع
يستبطن بكل وضوح ذات الشيخ وهي في تماه مع أحوال الطبيعة الخارجية إذ نقف على لغة
شعرية مفعمة بالاستعارات وهي تتكثف مع تقدمنا في قراءة الأحداث وسردها بآليات
لغوية لها سيميائيتها الشعرية واضحة المعالم عبر اقصوصات تنزع منزع الخواطر
ففي" ورقة " ص 31 مثلا يقول :" احمل أوراقي تنفرط مع رياح وهزات
الشتاء"
هذا المنحى
الشعري ساهم في خلق صور موحية بمشهدية اتسمت بالطابع الرومانسي الموغل في تصوير
الوجدان وما يعتمل في النفس من مشاعر وأحاسيس ففي "حنين وانين" ص 33
يقول:"في سواد الليل من ان لأخر يأتي رجل تركه الزمن يمكث قليلا او طويلا تحت
شجرة عاقر تشاركه أحزانه تتساقط أوراقها مسح بها دموعه وهي تبلل جدران البيت
العتيق"
وقد تسرب هذا
الخطاب الشعري أيضا إلى الحوار بين الشخصيات ففي "خروج من دوائر مغلقة"
ص 38 يقول السارد :"ظللت كاتما انفاسي فقلت لها لأول مرة :
أفنيت سنوات
عمري في محرابك
مع ابتسامة
رقيقة :
متى رجعت؟
أو في
"حوار" ص 63 حيث يقول :
خاورتني نفسي
وقالت :"بم تفكر الآن؟
تعال معي
نسرح ونمشي في الفضاءات
قلت :
اتركيني لحظات نخل مع أرواحنا"
ان هذا
الأسلوب الاستعاري وهو سمة الشعر اساسا يكتنف الخطاب السردي في كل المجموعة وكأننا
بالمؤلف يكتب اقصوصاته بروح الشاعر الرومانسي بكل ما يمتلكه من طاقة تخييلية في
رسم الصور المستوحاة من الطبيعة التي اتخذها ملهمة له مثل ما ورد في مجموعة من
النصوص، القصيرة التي تعتبر،ومضات او خواطر قصيرة ( طفل / شفق " ص 20/براءة
/ص 26 /روقة ص، 31 / طفلة / النورس / ضياع ص 40...) وفي
" شروق
" ص،63 نجد ومضة بدا فيها التكثيف البلاغي والاستعاري بوضوح حيث، يقول
:" تاوي، نفسها تحت سحابات المطر تقذفها رياح بعيدة وعيناها تبحث عن الشروق
مسافات في فضاءات لا متناهيه يقف الجسد ممدا ذراعه يتشبث في جذوع شروق الشمس"
إنها لغة
الرمز التي تحمل في طياتها ايحاءات لها دلالاتها المتنوعة تنفتح على قراءات
تاويلية متعددة لأنها تحيل القارئ المتلقي على عالمين متباينين يتقاطعان ولا
يلتقيان مع أنهما في تفاعل مستمر في اطار جدلي يكشف عن صراع حاد لا يهدأ بين الذات
والموضوع بين الجوهر والفشور بين الظاهر والباطن بين الجزئي والكلي بين المحدود
المتناهي واللامحدود غير المتناهي بين الواقعي والخيالي بين المادي والمعنوي،بين
الشر،والخير بين القبح والجمال بين الفضيلة والرذيلة أنها ثناىيات لا حصر، لها ولا حد تنبني عليها
علاقة الإنسان بالكون والعالم.. ٍومن هنا كان اعتماد الكاتب على نوع من الخطاب
السردي القائم على العبارة الشعرية التي تحمل طاقة تعبيرية بكل عناصرها الجمالية
وكأننا أمام قصائد شعرية بكل مقوماتها الفنية لذلك بدا الكاتب متأثرا في خطابه
السردي وفيا لمقولة "الشعر ديوان
الخاتمة :
يبدو لنا أن
فعل الكتابة السردية عند الكاتب " صلاح هلال حنفي"
" مشروع
إبداعي لعله قد رام به التخلص من ذلك النمط المألوف في الحكي أو القصة القصيرة في
السعي إلى التاسيس لأسلوب جديد بناه على أشكال تعبيرية اعتمدت بالأساس على التصوير
الفني للطبيعة عبر عناصرها المتقبلة ابدا حسب الفصول وكأننا به يروم الانفلات من
تلك الأسس التقليدية في القص المرتكزة على ما يسمى بالحبكة السردية وما تقتضيه من
ضوابط ومقومات (الزمان /المكان /الشخصيات / الأحداث...)
إنه ينشد خوض
تجربة متفردة أساسها السعي إلى تجاوز الواقع الفني المستهلك في اطار من تقنيات
منزاحة تتجاوز المألوف التقليدي في البنى الشكلية المتعارف عليها في كتابة الفصة
الفصيرة وعناصرها الفنية من حيث انها غدت فيضا لغويا وثراء لفظيا لعلها تندرج في إطار التحديث في الكتابة
السردية
دون أن
يفوتنا ان الكاتب بدا مثقلا بهموم كل الشخصيات يتحمل وزر التعبير عن مشاكلها
واوجاعها تلك التي باتت تعيش على هامش المجتمع مفعولا بها
إنه البحث عن
القيم الأصيلة المنبنية على المبادئ الإنسانية على أسس من العدل والمساواة
انه صوت
نداء، صارح قوي، لكل الضمائر الحية من اجل فئات اجتماعية وانسانية نالها الضيم
والظلم يساندها في انكسارها عله يخفف من اوجاعها (انظر " عودة ص 42) "
انها وجوه خارج الكادر " أو هي أصوات خارج الكادر