خيانة الأوطان و الانسان في الأدب التمثيلي اليوناني و غيره
العقيد بن دحو
إذا وجدت حربا خسيس المحتد يتحكم فيها بكريم المحتد ؛ و جبانها يجرؤ و
شجاعها يجبن ففر منها واناى إلى رابية فترقب الاحداث فإن في الامر خيانة " ./
(قس بن ساعده).
تعتبر الخيانة سواء على مستوى الفرد او الجماعة ؛ خيانة صديق أو خيانة زوج
او خيانة شعب بأكمله او خيانة وطن في مجرى الزمن و التاريخ من ارذل و اشنع واخس
الاشياء يمكن أن يلجا اليها هذا النوع من البشر الضعاف النفوس.
وتعددت الأسباب و الخيانة واحدة ، فمن يخون مرة واحدة لا يؤتمن له جانب !.
ولعل الأدب التمثيلي اليوناني واحدة من تلك الآداب الانسانية الكلاسيكي
التقليدي .
ولا سيما في الأدب التمثيلي اليوناني ؛ أين نجد (اونتجونا) او (الكترا)
الماساتين التراجديتين : أين نجد كريون مغتصب الملك بعد مقتل أخيه الملك باتفاق مع
زوجه كلوتيمنسترا ، وظلت اونتجون نجتهد من اجل دفن اخيها بولينيس و في نفس الوقت
لكشف المؤامرة . تنتهي الاحداث بالحكم بالاعدام على اونتجون و يلحقها خطبها هيمون
في جو مهيب من القلق و التراجيديا...وتنكشف خيوط المؤامرة الخيانة العظمى.
نفس الخيانة الأوطان و الانسان نجدها تتكرر في ماساة ( الكترا) عند الشاعر
الدرامي صوفوكل او في ثلاثية اسخيلوس ، التي اقتبسها المفكر الفيلسوف الوجودي جون
بول سارتر تحت اسم الذباب او الندم. .
اين تهرب الكترا اخيها. فس جميع الأحوال الأحوال و الاحالات اخيها اوريست
صغيرا و لما شب و اشتد ساعده عاد بايعاز من الكترا للانتقام من قتلة ابيها ، من
امها و من عشيقها الذين استولا عن الحكم. لتكشف الكترا عن الخيانة العظمى !.
اما التاريخ المعاصر حافل بمثل هذه الخيانات؛ ففي القرن الثامن عشر وقعت
معركة بين الشعوب البلقانية و الدولة العثمانية أين نجد الكاتب الدرامي ( فرنسوا
كوبيه) يجسد مسرحية من انبل المسرحيات تحت مسملى الوطنية الخالدة.
أين سخر الله للشعوب البلقانية واحدا من الوطنيين المخلصين و بفضل
جاسوسة(ميتزا) ، يكشف المؤامرة ، التي
تحاك ضد الوطن ، والد خائن و برانكومير و بازليد خائنة ، ليقضي قسنطينة على الجميع و تكشف الوسيلة و
المؤامرة و الخيانة العظمى.
اما الخيانة التي تكتشف فيها هي عندما يلجا فيها الصراع بين العواطف و حب
امرأة مصحوبة بخيانة وطن و بين حب الوطن ، واين يضحي الجندي الألماني بقلبه وحبه
فداءا للوطن في حوار جميل لم يكرره التاريخ بين جندي يسلم عشيقته لكرسي الإعدام في
رواية ( صقر مالطا) للكاتب " داشيل هاميث" . اخذ أحد رجالات البوليس
السري يسلم عشيقته للعدالة و للكرسي الكهربائي . وهو يشرح بمنطق بارد ، لماذا يفعل
ذلك ، لأن المال ، و النجاح ، و خيانة نفسها اهم من اي شعور او احساس وعندما تسأله:
- او لم تعد تحبني !؟
- الجندي : لا افهم لهذه العبارة معنى . وهل فهمها أحد في يوم من الايام ؟
فلنفرض اني احبك ، فماذا بعد ؟ ربما لا أحبك في الشهر القادم.....
فكيف يكون الحال ؟
يشعر بأني كنت ساذجا. ولو فعلت ذلك والقي بي في السجن سيتاكد لي اتي قمت
بدور الساذج ، اما اذا ارسلتك انت إلى السجن فسوف احزن واسف وامضي أياما قلقة لكنها
سوف تمر .
كانت هذه جل الخيانات العظمى ، لخيانة الأوطان و الانسان من اجل أغراض
دنيوية دنيئة ساقطة غير شريفة . من اجل مال او منصب او جاه.
خائن او خيانة جماعية استراتيجية المجموعة او الفرد تخلى عن ضميره اوالتخلص
منه نهائيا.
وحسب منطق قس بن ساعدة هناك خيانات اخرى أشد قسوة من خيانة الخلان و
الاوطان ؛ و هي عندما تسند مهام عليا لأشخاص
؛ على حساب الكفاءات و الكوادر و الاطر المخلصة النزيهة الشريفة التي تخدم
الوطن و المواطن.
غير ان الباحث في اخبار الوطن و الوطنية تجابهه أسئلة:
ما الوطن ؟ و ما الوطنية؟ و ما مصلحة
الوطن.
وحدها الوجودية بكل شجاعة تجيب عن كل هذه الأسئلة: انا الوجودي الذي يقرر
ما الوطن و ما مصلحة الوطن ! و ليست القيادة العامة.
كانت هذا موقف جندي واحد فمابالك عن عدة جنود
موقف كهذا لا ينجم عنه الا الفوضى المطلقة ؛ الفوضى المدمرة.
الموقف الصحيح ان يعي هذا الجندي
ان المصلحة العامة هي طاعة القيادة العليا .
فلسفة الوطن و مصلحة الوطن و الوطنية لم تحاكي وتجعل كل فرد وجماعة المخاطر التي تحاك ضده و
سائر المؤامرات بالداخل و الخارج.
فالخيانة التي هي بالمجتمعوهي نفسها بالادب و الثقافة و الفن ؛ اذ لا يمكن
فصل الظاهرة الأدبية عن الظاهرة الإجتماعية.
فكما يوجد خيانة ابداعية على النص عندما يلجا الاديب إلى التناص او
الاقتباس او الترجمة توجد خيانات اخرى غير بعيدة عن الواقع ؛ فمن قتل ضميره شرطي
الاعماق ، فبامكان الشرطة الخارجية و الأمن بصفة عامة ان يتكفل بسائر الخيانات
الاخرى
الوطنية ليست وطنية الجندي الوجودي و انما المصلحة العامة للوطن هو اطاعة
القيادة العامة الفوقية فاطلاق النار في هذه الحالة واجب وطني ، و ليست الوطنية هي
ديماغوجية و استلاب عقلي كيما يحارب الجنود مجانا او وفق لحريته الوجودية .