قراءة فى المجموعة القصصية:حارس معاليها للأديب : محمود شامى بقلم : حامد حبيب
_[ قراءة فى المجموعة القصصية:حارس معاليها]_
{للأديب : محمود شامى_چيبوتى}
-------------------------------------
بقلم : حامد حبيب _ مصر
"مدخل":
_ مع
المنافسات الاستعمارية الأوربية داخل القارة الأفريقية، اتجهت أنظار
فرنسا للمناطق الساحلية
الهامة
الممتدة على الساحل الأفريقى للبحر الأحمر
وعلى ساحل
المحيط الهندى والتى
كانت تحت النفوذ العربي ، لكن
مصالح انجلترا وألمانيا فى تلك
المنطقة حالت
دون تحقيق الأطماع الفرنسية،إلى أن
اشترت فرنسا
سنة ١٨٦٢م ميناءاً صغيراً على خليج
تاجورة يسمّى
"أوبوك" من أحد
مشايخ القبائل المحليين، ولم تحتله
فرنسا عسكرياً حتى عام١٨٨٢م
حينما أيقظت
الأحداث التى كانت تجرى
فى مصر أذهان الفرنسيين إلى
أهمية هذه المنطقة
التى وضعت فرنسا يدها عليها ، واستولت فرنسا بوضع
اليد على
ميناء "جيبوتى" سنة ١٨٨٨م ، وتبلغ مساحة هذه المنطقة
مايقرب من ( ٥٧٩٠ ميل٢ )
وهى محصورة بين إريتريا وإثيوبيا والصومال البريطانى،
وترجع أهمية
هذه المنطقة الساحلية إلى أنها قريبة من منافذ البحر الأحمر،كما يمكن
استخدامها كمنفذ لتجارة الحبشة ،
وفى سنة١٨٩٦م صدر
مرسوم فرنسى بوضع هذه المناطق
التى استولت عليها فرنسا تحت إدارة واحدة باسم (الصومال
الفرنسى)
واتخذت
"جيبوتى"مقراً للحاكم الفرنسي.
_______________
لمعاناة
الشعوب إذن جذور، وتلك الجذور فى قارتنا
الأفريقية
تبدأ عند تلك المرحلة الاستعمارية الكئيبة
التى مزّقت
بلداناً وسلبت خيراتها
واستعبدت شعوبها وأذلّت أعناقها
، ثم تتواصل
المعاناة بصراعات قارية
داخلية كالتى حدثت بين
إثيوبيا
وإريتريا ،
لتتجرّع جيبوتى مرارتها
أيضاً وهى المحصورة بين كلتيهما ،
ثم صراع
آخر أشد مرارة متمثلاً فى صراع
القوى الوطنية داخل
جيبوتى ذاتها .. كل ذلك عمّق المأساة
داخل نفوس الشعب الجيبوتى ، والأدباء
والشعراء وطبقة المثقفين اكتووا بالطبع
من هذه الحروب
وتلك الصراعات
ومن قبلها
الاحتلال الفرنسى ..إذن هو مدىً طويل من المعاناة ، استمر لأكثر
من قرنٍ من الزمان. وكم
من شعوبٍ
تعيشُ على هامش اهتمام العالم،فلايشعر بها أحد ..فعاش هؤلاء
فى أتون الاحتلال وصراع
الجوار والصراع الداخلى ،
تسير بهم الحياة
إلى المجهول.
على مسرح
تلك الأحداث الأليمة
هناك تفاصيل صغيرة تحمل قصصاً
للمأساة ، لايتسع صدر التاريخ
لها فيتجاهلها،
لكن الذين يدركون
أهمية تلك التفاصيل الصغيرة هم
الأدباء الذين يوثِّقون لها فى قصصهم
ورواياتهم ، ويصنعون منها
تاريخاً أدبياً
له قيمته
وتأثيره على الواقع
وعلى الأجيال المتعاقبة . وكل
أديبٍ يدلو بدلوه ، ليعكس آلام أمته
فى حقبة من
الحقب وعبر الأماكن المختلفة يتنقّل
ليبرز
أحداثها بحسب رؤيته
باعتباره جزء من هذا
الواقع وذلك
التاريخ من خلال رؤية
أدبية فنية
يصوغها بعد
أن يعيد تشكيل هذا الواقع .
والأديب(محمود
شامى) واحدٌ من سكان"جيبوتى"
الذين طالهم
شررٌ من هذه الصراعات أوتلك المعاناة
وسمع من أبيه
وأجداده وقرأ تاريخ
مأساة وطنه
فانفعل بكل
ذلك وكوّن مجموعته القصصية القائمة
فى كثيرٍ
منها على تلك المأساة وماترتب عليها من آثار..فهو فى قصته"مع صديق" ضمن
"ذاكرة وطن"
يقول عن
الشتات والهجرة:
"الأسرة
الواحدة صارت مشتّتة وموزّعة على عدة
دول وقارات..
فأسرة صديقى موزّعة
على ٤ دول
وثلاث قارات مختلفة ، وفى الداخل لايملك اليوم
صديق واحد ،لايوجَد فى الوطن سوى قبر والده....
وقبر
عمه".." وأقنعتُ روحى بالانتصار الوهمى عليه
وفى الحقيقة
لم يكن ذلك سوى خيبةأمل لاتقِلّ عن
نكسةِ صاحبى فى كل حال..".
وفى ذات
المعنى، وفى قصته"ذاكرةُ شتاتِنا" يقول:
" قبل
أكثر من أربعين عاماً، نزحتُ مع عائلتى من
مدينتنا الساحلية على البحر الأحمر، مدينة "عُدَىّ"
الواقعة شمال
ميناء"عصب" بنحو ١٦٠كم، والقريب
من باب
المندب ، برفقة أُسَر وعائلات هاربة مثلنا تلوذ وتنأى بروحها وجسدها
من نيران الطائرات والبارجات
الحربية الأثيوبية، ومن حربٍ ضروس
بين
عدوٍ مُدجَّج بأسلحة
ثقيلة وحديثة وجبهة
تحرير
مُسلّحة بأسلحة خفيفة....ووراءنا كل مانملكه
من غالٍ
ونفيس ، وذكريات للروح والجسد، نزحنا
بمساعدة جيش
جبهة التحرير إلى منطقة داخلية
محاطة
بالجبال تُدعى"أربيلى....وبعد سنتين وبضعة أشهر اشتدّت الحروب وتقهقرت
الجبهة نتيجة خلافاتها الداخلية
وخيانة من البعض للثورة، ونزحنا
ونزحت
العائلات مُجَدَّداً مع الجبهة من تلك المنطقة إلى منطقة
"برعصولى" ، وهى مرفأ بحرى.. كانت "برعصولى" مدينةً
الأشباح وقتها... مدينةً مُخطّمة بلا روح.."
_استطاع ببساطة
أن يسرد لنا حجم
المعاناة فى
التشتُّت
والهجرة ونوعية الصراعات القائمة .
_وفى
قصته:"قادمٌ من الماورائيات" يقول:
"
أعيشُ منذُ زمنٍ طويل
بعيداً عن وطنى.. ورغم
البعدلم
أنسه ولم
يغِب عن ذاكرتى ... وكل أشيائه
عالقةٌ
بالذاكرة ،برُّ ه وبحرُه وأسماكه...جباله
وسهوله
..
حقوله وزرعه ومراعيه
ومواشيه ... وأكثر شئٍ استوطن
بذهنى هو البحر وحكايات البحّارة...".
_استطاع أن
يجعل من حديث الذكرى غنائية
درامية،
تعبّر عن مدى عشقه وانتمائه لوطنه.
_وفى قصته:"
الجرى وراء الذاكرة، يقول:
"قبل
أكثر من خمسين عاماً لجأتُ إلى الجيل
والبندقية والثورة، وذلك بعدما ضاقت
الدنيا واسودّت بوجهى، بعدما قتلوا أبى وأخى أمام عينى
بسبب موقف
أبى المُعلَن ، ورفضه لسياسة لاحتلال."
_أعادنا معه
إلى الاحتلال الفرنسى لبلاده، وماذا
كان يحدث لكل
رافض للاحتلال، فهى الذكريات الدامية العالقة بذهن ذلك الجيل وبذهن الكاتب.
_ومن التنويعات
الجميلة التى تضمنتها مجموعته
ماينقله إلينا
من عادات وتقاليد ، تكشف لنا
مدى التقارب والشبه الكبير
بين عاداتهم وعاداتنا
فى المناسبات الدينية ، مثل
ماأورده عن الاحتفال فى " عيد الأضحى
" فيقول : "نستعد
لاستقبال عيد الأضحى ..كان بعضنا
يقيم شعيرة صوم يوم عرفة ،
والأطفالُ فرحون
يتباهون بالملابس الجديدة،
وبالألعاب
من دُمَى
ومسدسات وألعاب نارية... الخ،
وربّات البيوت
منشغلات بطلاء المنازل
وترتيب البيوت ةتغيير الستائر والملاءات واستبدالها بأخرى
جديدة، وكذا
إعداد الحلويات، وأما الآباءُ منشغلون
بشراء خرفان
العيد...والبعض من أبناء حارتنا جمعوا تبرعات
من بعض الميسورين
ومن أبناء حيّينا،
ويقومون
بشراء ملابس العيد للأطفال المعوزة".
_فاستطاع
الكاتب من خلال مجموعته أن ينقل إلينا
صوراً شتى من
حياة مجتمع مجهول لدينا، فى معاناته ،فى عاداته وتقاليده..تلك وظيفة القصة
فهى سفير
الشعوب لدى الشعوب الأخرى..تُقرّب
المسافات
لنكون أكثر قدرة على
الاطّلاع على
ماتجاهله
التاريخ من مخبوءات الشعوب .. إنها
تقدم لنا
جوانب معرفية شتى وفولكلوراً شعبياً
وتُقرّب بين
الشعوب فتتوحّد على عاطفة واحدة
وعلى مشاعر
عامة وعلى موقف واحد ساخطٍ على الاحتلال،على الظلم،على كافة أشكال المعاناة.
_نحن من خلال
القصة القصيرة أكثر قرباًومشاركة ،
إنها شعور مشترك لدى نلتقى عنده دائماً.
★ تحياتي للصديق
(محمود شامى) وتمنياتى له بدوام بالتوفيق.