الكتاب من حيث الاستعمال الاكلينيكي (الطبي)
العقيد بن دحو
لايزال الكتاب ، و كلما تقدمت الحضارة و الثقافة الإنسانية، كلما ازداد
اكتشاف على المحيط ، و صار حوارا من اجل أهداف إنسانية نبيلة.
اجتماعية بالمقام الاول ، علاجية، اكلينيكية ، و ثقافية تثقيفية ، خدمة
للانسان و انسنة الانسان بالمقام الثاني.
ناهيك عن الأثر العلاجي الذي يشكل الكتاب المدرسي ( المعالجة البيداغوجية)
، و الكتاب الفكري ، و الكتاب العلمي ، و الكتاب الأدبي . اساس المطالعة الحقيقية
؛ اذ تنمية بالاستهلاك العام ، الذي ينقسم بدوره إلى الاستهلاك الوظيفي و الا
ستهلاك الأدبي. و لكل من هذين النوعين من الاستهلاك حافزه الخاص المادي و المعنوي.
الحوافز الوظيفية : الاعلام ، التوثيق ، و المطالعات المهنية....الخ اما الاستعمال الوظيفي الاكثر تميزا للكتاب هو
الاستعمال الطبي الاستشفائي الاكلينيكي ، حيث يلعب الكتاب دورا علاجيا، كان يقرا
القارئ كي ينام من ارق أصابه !
او ليشغل ذهنه وليحوله ماديا عن كرب أصابه . او شبيها بتلك مطالعات
الاستجمام بتلك التي توفر الروح رياضة
صحية. ان نوعا من القصص البوليسية تلعب في هذا المجال دورا شبيها بدور الكلمات
المتقاطعة ، بل احيانا يؤدي الكتاب دور المخذر على الجهاز العصبي للحصول على
أحاسيس معينة او لذة معينة ، قراءات رعب ، قراءات مضحكة ، قراءات تثير الدموع ، و
بنوع خاص قراءات جنسية. حتى لو لم يكن المظهر الإباحي منه الا عنصرا ضئيلا ، حتى
عنصرا لا واعيا.
ان مطالعة كتاب ما هي حافزه اولا. يجعل من الغعل غاية و ليست و سيلة. أن
تكون اللاتكسبية. يفترض ان نذهب إلى الاخر و نحن. نطالع او نقرأ كتاب ما. ان نلجا
إلى الاخر ، ان ننسلخ من ذواتنا. غير ان المطالعات المادة هي الأنشغال الممتاز
بالوحدة. فالانسان الذي يطالع لا يتكلم ، و لا يعمل ، بل ينفرد عن نظرائه و ينقطع
عن العالم المحيط به . فبينما في المسرح و السينما يقتضيان الا جزءا من الانتباه ،
و بقية الفنون الزمكانية الاخرى ، بينما في الادب المطالعة لا تدع اي هامش من
الحرية للحواس وتستغرق الوعي كله ، جاعلة من القارئ عاجزا عن أمر آخر.
ان فعل المطالعة هو اجتماعي و ليس اجتماعي معا. فهو يزيل (مؤقتا) علاقات
الفرد بعالمه ليبني علاقات جديدة مع عالم الكتاب. فإن حافزه دائما هو عدم اكتساب
ثقافة وليس رضى ، و اختلال بين المطالع و محيطه ، اكان هذا الاحتلال عائدا إلى
أسباب تلازم الطبيعة البشرية : ( قصر الحياة -
سرعة عطبها) ، او إلى اصطدام بين
الافراد : ( حب - بغض - شفقة ) او إلى بنى اجتماعية : ( جور - بؤس - خوف من
المستقبل - ملل )
في الاخير ان شعبا من المؤكد لا يمكن له ادبا ، لانه لا يشعر بالحاجة
المطالعة.
ان المطالعة قضية متعلقة بالوطن ، شأنها شان الكتابة .
اما إذا كان المتحف هو من يجعل الصليب يغدو ان يكون نحثا كما قال ( مالرو)
، فإن بعض الناس لا تشتري الكتاب لللاستهلاكين الوظيفي و الادبي ، انما كمخدر !
أين يفقد وعيه لبعض الوقت ، هروبا من واقعه المر الملموس الاكثر ضغطا في الحياة
كتلة و مساحة و حجما و لونا.
بينما يوجد اشخاص يشترون ، و يقتنون الكتاب كاولئك الذين يبحثون عن الآثار
القديمة النفيسة كحب هواية ، العابرون وراء الزخرف. .
يشترون ... يشترون.حتى تصير الظاهرة بالظاهر المرضية !.
اطنان من الكتب المقدسة حبيسة أربعة جدارات بلافائدة
هذه الظاهرة السادية ، التلذذ بعذابات اقتناء الكتاب بلا اية فائدة مروة،
ساعتئذ المقروئية و المطالعة لت تعد حضارة بعدد الكتب التي توضع على رفوف المكتبات
المنزلية و المكتبات العمومية ، انما تعد حضارة و ثقافة فعليا بعدد الكتب (
المقروءة) او تلك التي تمت قرأتها حقا حسب قاعدة : ( 1= 3ن) ، بمعنى : الكتاب الذي
تكون قرأتها اليوم في نفس اليوم ثلاث قراء
محتملين يكونوا قد قرأوه .