العقيد بن دحو
إن لم تعودوا الى الكلاسيكيات فلا تتحدثوا عن تكوين...
كم يعجبني ,و يشدني شغف الشباب و حماسهم في الفن و الادب و الثقافة ، وهم
يتوسلون في خيرا ، كيف يصيرون رجألات مسرح ، رجالات سينما ، كتابا ، رسامين ،
مؤلفين... الى غير ذلك من هدايا السماء الى بعض المحظوظين المصطافين من اهل الارض.
كم هي جميلة احلامهم ، الوردية ،مفترشة بالورود و الزمرد و الحرير !
وهم يسالونني بالطريق ، ياتون الى
بيتي ، يلاقونني بالمقهى ، و في اي مكان بالكواليس كلما انتهى عرض وطقس اولئك
الذين يسمون انفسهم بالكبار ، المحافظين..... الذين حافظوا على كل شيئ الا عن
رسالة الاجيال كابرا عن كابر !.
بل ذات يوم في شارع ما التقى بي مخرحا سينمائيا.
، قدم الي بطاقة هويته ، بطاقته الفنية ، اخرج عدة افلام قصيرة و طويلة و
عدة افلام و ثائقية. توسل في خيرا و هو يشتكي البيروقرطية و الحقرة الثقافية و
الفنية على جميع الاصعدة و المحاور الافقية و العمودية.
رغم اني لا انتمي الى اية هيئة رسمية الا ان - يشهد الله - ساعدت الرجل ماليا و ماديا ، و اشرت اليه الى
بعض الاخيار الخيرين في هذا الوطن ؛قاموا بواجبهم الوطني القومي الثقافي الفني.
بعد اشهر لم اعد ارى هذا المخرج ، و لما سالت عليه : قيل انتهى متوفيا وحيدا ، دون
ان يبكي احدا ، ملوما كالظل الحسير في
احدى القرى من قرى مدينة ادرار ، قبرا مجهولا ، دون شاهد يذكر اسمه فنانا ؛ اثرا يذكر ميته بخير ، و لا من يضع على قبره
اكليلا من الغار و الاس يدل على عظمة ميت !.
هؤلاء اليافعين و صغار المراهقين الذين اختاروني من بين العشرات ، و حتى
على تلك المؤسسات المحسوبة عن الفن و الثقافة ، بالوعي و اللاوعي ، كنت اعلم بانهم
يبحثون عن قدوة من دون ( اوراق) و من دون من يجعلهم يقفون بالطابور.... لساعات
طوال ، ينتظرون هذا المدير او ذاك....!
هم يدركون بفراسة الموهوب ، المجد ، المبدع ان حاجته في ذاك الذي خارج
الابراج العاجية. و خارج التصنيفات
الكارتوتية هي الاصل و مالذي يعلو السطع ما هو الا دحان يعلو بنفسه ؛ او الا
فقاعات زبد البحر.... !
كم يحز في نفسي وانا التقي بشباب كانت مواهب في جل المجالات الفنية ، يوم
كانوا عندي طلبة بالمسرح المدرسي ، ولما لم يجدوا من يشد على ايديهم ، خرجوا الى
الحياة المهنية . هم اليوم تجار و حرفيين و اناس بسطاء ناجحين ، كلما التقوا بي ، كلما اعادوا علي سرد ادوارهم
التي لا يزالون يحفظونها على ظهر قلب .
نصوصا باكملها من البيريتوار العالمي ،
الكلاسيكي الاغريقي التراجيدي و الكوميدي الخالد . لا يطويه زمان و لا مكان
، الضارب بعمق التاريخ ، ما قبل التاريخ ، الشبيه بالتاربخ ، و جنون التاريخ ايضا.
اريد ان اقول (ورشات التكوين) هذه التي تعقد عقب كل مهرجان ادبي فني ثفافي
بلا غاية و لا هدف ، ان لم يعودوا بها الى
الكلاسيكيات العالمية مذهبا ، و لغة ، واسلوبا ، و عظمة شخصيات ، ووحدة نغم... الى
غير ذلك من القيم الرفيعة التقليدية الفكرية. انهم يكررون المكرر و يجربون المجرب.
يتعلمون الحفافة في رووس اليتامى !.
كان الاجدر على ابطال هذه المهرجانات ان ينزلوا في اول محطة قطار الرداءة و
الاساءة و الخطيئة ، عما قدموه الاوائل من
تضحيات جسام ، خير لهم من الوصول الى اخر محطة بخف حنين الى ما نخن عليه من سخافة
و سقط متاع....!
نتساءل ما الفائدة من هذه الهياكل ان لم يكن لها مشاريع تكوين على النهج
الكلاسيكي اولا، و خرائط ثقاقية فنية تهندس و تخطط.... يهتدون بها ثانيا.
لا اريد ان نسمي الاسماء بمسمياتها ، كون لم يعد في فهرس المواليد الفنية و
الادبية و الثقافية اسما على مسمى ، و لم يعد على جغرافية الابداع ممكن الامكان
اكثر مما كان.
سوى الفوضى ، و الضجيج و العجيج و التهريج - على حسب تعبير عميد الادب
العربي د. طه حسبن - و كذا المباح و عدم
" الغيرة" على الموهبة و الملكة الابداعية بصفة عامة .
العودة الى الكلاسيكيات هي الحل ، المذهب الاخلاقي ، اخلقت المهنة و الحرفة
قبل كل شيئ ، اي بما ينبغي ان يكون ، و ليس بما هو كائن.
وعندما تجد رجل الثقافة في حاجة الى ثفافة ، و رجل الادب في حاجة الى ادب ،
و رجل الفن في حاجة الى فن فلا تنتظر اغنية مما سماها ابن خلدون في مقدمته ، و لا
تنتظر مسرحا عالميا مما نادى عليه " ارثر ميللر" او " يونسكو يوجين
" ، و تنتظر لوحة فنية وطنية :
" بيكاسو " ، و لا غير ذلك مما يحافطون و يتحفظون عليه هؤلاء (...)
الجدد الذبن يجددون العبث ، التفكك ، التفتت ، العدمية ، و الهروب من المجتمع !.
اوصلونا الى هذا العنوان الكبير ، اللافتة الكبيرة عنوانها : " فاقد
الشيئ لا يعطيه ".
" اسيدي اعتبرونا مجانين و اسمعوا اقوالنا و ما ديروش براينا "
كما يقول المثل الشعبي الجزائري .