لماذا تقدمت امريكا و تاخرت اليونان
العقيد بن دحو
ليته الخطا كان في السؤال لهان الامر و سهل الجواب ، انما الخطا في الجدال
الفلسفي الذي يطرحه صيغ السؤال ذاته .
اذ الخطا اصيل في الذات البشرية ،
يمكن التقليل منه ؛ لكن لا يمكن القضاء عليه.
الغرب هو الغرب ، هو الغسق ، هو الحدث و ( الحادث) كما يقول المستشرقون : L'occident c'est un accident .
وعندما ندرك بالمخيال الغربي او عبر الحديقة الخلفية للذهنية الغربية ، ان
الغرب و الولايات المتحدة الامريكية وجهان لعملة واحدة . يصبح اي تشابه مع الفارق
كالفرق بين جزئ اوكسجين و جزئ هيدروجين في مكون جزئ الماء ، الذي بدوره يشكل
اسطورة عنصره .
ورغم ما اصبح يميز القارتين الاورويية و الامريكية بما يميز الجنس البشري ،
العائلة و القبيلة (كالعم سام) ، و (وكماما امريكا) ، و القارة في حد ذاتها صارت تلقب ( بالقارة
العجوز). الا ان لا ضير ان تجد فرقا ما خضاريا ثقافيا لنلج الى نفس السؤال البدء :
لماذا تقدمت الولايات المتحدة الامريكية حاضرة الغرب ، و تاخرت اليونان حاضرة الاغريق ، بكل وزنها التاريخي ؛ بل ما قبل
التاريخي ؛ و الشبيه للتاريخ !؟
اذا علمنا ان هذا الذي يسمى (غرب) ولد ما ( بين النهرين) افريقيا و اسيا.
اي جل المفكرين و الباحثين يشيرون الى ان امربكا و الغرب عموما قام على انقاض
افريقيا و اسيا الجغرافيا و البشرية ! لم يكتفي للاستعمار و الاستدمار و انما سرق
و نهب الثروات الفوقية و التحتية و نقلها الى بلدانهم للاصلية خصيصا الولايات
المتحدة الامريكية ، حيث استعبدوا البشر و الحجر و الشجر وعومل كبضاعةولها ثمن
بالاسواق.
اذ لا يمكن التخلص من التبعات الاخلاقية ، و محاكم الضمير اذا ما اردنا ان
نجيب على السؤال الخطا اعلاه بجواب خطا !.
صحيح كما يقول فلاسفة الالمان الذين قالوا بفلسفات الحياة ...(شلنج) الذي
قال بهدف الحياة ، و (هيجل) الذي قال بصيرورة الحياة ، و (شوبنهور) الذي قال
بارادة الحياة. ان اليونان او الحضارة الاغريقية ظلت وفية لالهتها و اشباه الالهة
و الابطال حتى بعد ملاحم شعرائها الكبار ( هوميروس) و ( هزيود) ، و كذا في (
الثيوغونيا) / Theogonia انساب الالهة للشاعر الملحمي (هزيود) ، دون
ان ننسى الاشعار التمثيلية بشقيها التراجيدي الماسوي ، و الكوميدي الملهاتي !.
ظلت الاغربق مخدرة في جو مخيالها الجمعي الاساطير و الخرافات ، و زادتها
سفسطائية الجدال العقيم ، و كذا الحروب الداخلية بعدا عن اي تفكير مادي ، ناهيك عن
مختلف الصراعات و الاختلافات السياسية و الصراع عن الحكم. على اعتبار الحكم عند
الدولة اليونانية بعرف " بالكنز" / Le pouvoir c'est un tre'sor .
ظلت الاعربق متمسكة بتراثها الكلاسيكي على جمبع الاصعدة و المحاور الفنية
السياسية ااتي بدورها انعكست على التيارين او المذهبين الثقافي و الاقتصادي.
بينما امريكا استفادت من جل الحروب التي ام تقام على اراضيها ، باستثناء
الهجوم الانتحاري الياباني الكاميكازي بالطيران الحربي
كما استفادت امريكا من جل القارات ماديا و معنويا ، كما شجعت معظم العلماء
الهجرة الى امريكا . و قدمت لهم خدمات مالية و مادية جليلة لم تكن تتاح لهم في
بلدانهم الاصلية.
فلاسفة الولايات المتحدة الامريكية
، رفضت ان تظل فلسفتهم رهينة و حبيسة ادمغتهم. بل حاولت ان تجعل فلسفتهم تسري في
كيان الانسان ، و ان تتصل بعواطفهم و مشاعرهم اوثق اتصال ، و ان تهز روح روحهم. و
من هنا فلاسفة الغرب و ادبائه و فنانينه و علمائه. يعلنون ان اهم عامل يقرر مصير
الحياة الانسانية انما هو الظرف الاجتماعي ؛
و كذا النجاح ؛ اله العصر الحديث و من حيث النجاح يجر النجاح.
استطاعت الولايات المتحدة الامريكية ان تاخذ من الاغريق اساطيرها ؟، الهتها
لا لتقدم لها القرابين و الولائم و الدبائح و اعياد البواكي للتطهير و التكفير ، و
انما للتفكير و التجريب و التفعيل.
فهم نظروا الى (القضاء و القدر) وحولوا الهته الثلاث : Parque - athropus - clothos الى اجهزة دولة امنية عسكرية و كشرطي العالم ، و كالهيمنة على
الشعوب للصغط المزيد على حكومات الدول
المهضومة و لضمان و لاءها امام المعسكر الاشتراكي سابقا ، او لضمان امنها امام (
بعبع) الارهاب ورهاب الفكر المتطرف و لا سيما الديني منه.
لقد قرات جيدا الولابات المتحدة الامريكية الثقليد الاغريقي لا لتظل سكرانة
ثنلة بنخب قدسيته الروحية النفسية و مخدرة به ، و انما لتحوله الى حق تاريخي و
مجال حيوي عابر للقارات. بل عابر للاكوان عندما انخذت من (ابولو) اله الشعر و
الحكمة عند الاغريق الى مركبة فضائية علمية مدنية و عسكرية !و عندما اتخذت من (
فينوس) اله الجمال و الحب عند الاغربق اكبر عنوان لشركاتها المتعددة الجنسيات... و
عندما اتخذت من ( الفوضى) الافلاطونية : نظاما غير مرئي ، عنوانا ميكيافليا جديدا
لمصلحتها ( الفوضى الخلاقة) نطاما مرئيا ، و عندما اتخذت من فلسفة الاتجاهات
الحديثة العالمية ( عولمة) او (كوكبة) او ( امركة) من امريكا شعارا : امريكا اولا
!
هذا هو الفرق ان تمة فرق ، ليس بين الحضارة اليونانية التي راهنت على
الانسان و انستة الانسان ، و ان صوت الانسان من صوت الاله. انما على تكافؤ الفرص و
على الليبرالية المتوحشة ، و على النجاح ، من حيث امكانية الاستثمار في الانسان
مجددا ، راس المال و كذا صناعة النجاح و الانسان معا الخالق للثروة ! في كنف حوار
الحضارة الديمقراطية ، و اتخاذها كعصا تلوح بها عن من يخرج عن صف الطاعة و الولاء
و النهج و الاسلوب ، باتخاذها مجموعة من الاساليب الاخرى كحقوق الانسان و حق
الفيتو ، و حماية مصالحها عبر ربوع العالم.
كل هذا يشير الى العالم الغربي مدين اليوم الى جل الحضارات الانسانية التي
انطلق من فلسفتها و من تصوراتها الذهنية ، و من مخيالها الجمعي الفردي ، و حولهتا
الى قدرات خلاقة بديعة ، بينما ظلت اليونان و الرومان تتمسح على الايقونات و
التماثيل و الاقنعة شعرا تعبر عن الصور ، و لم تتحول بعد الى فلسفة ترى بالافكار و
توضع محل تفكير و تجريب.
و الان يخطئ من يظن ان امريكا علمية تجريبية و انما ايضا كانت تعنى بشان
الفلسفة عندما رفضت ان تظل حبيسة و سجينة الادمغة.
ان الهدف الاخير من الفلسفة الامريكية هو تحريك الوعي و العقل الى الفاعلية
و التغيير ، كون العالم يحوز على فكرة القابلية للتغيير الديناميكي ، و ليست الى
تلك الستاتيكيات الهوميرية. فموقف الانسان من العالم ليس موقف المتفرج السلبي المنغعل
، بل موقف الثائر الفعال. موقفه من النهر ان ينظم مجرى النهر ، زموقفه من شجرة
الفاكهة ان يقلم شجرة الفاكهة ، وموقفه من الحركة المتصلة ان يصنع العربات و
الطائرات و يبني العمارات و ناطحات السحاب ، و موقفه من المجتمع ان يغير هذا
المجتمه من جذوره.
اذن التقليد الاغريقي ، من حيث الفكر و التصورات الذهنية التقليدية
باعتباره الوجه الحقيقي الفني للواقع الاجتماعي ، كتن و لا يزال اداة فعالة في
عملية التغيير.
اذن اخيرا نشاهد عودة الفلسفة في عز نهاية التاريخ و تراجع الشعر فنا تقنيا
عملياتيا تسري في ادمغة الناس حلما ، ثم فكرا ، ثم ابداعا ، ثم ابتكارا.
وعندما تنصب امريكا قواعدا عسكرية متقدمة لها على لرض جزر و ارخبيل اليونان
، تمة نلمس تلاشي تلك الحدود الفلسفية البراغماتية ، و يصبح ما يسقط على اليونان
حاضرة الاغربق يسقط على امريكا حاضرة الغرب.