الحرب و الذباب
العقيد بن دحو
كم تبدو حروب
هذا العصر الذي اثقله منطقه ، و حتى لا اقول حروب حديثة ، كيما لا اذكر مذهبا و
منهاجا و برنامجا و اسلوبا بين الناس.
كم تبدو
الحروب في عصرنا هذا نوعا من انواع الهرطقة ، نوعا من انواع اللاطائل ، نوعا من
انواع الحماقة و العبث....!.
الجندي
المحارب فيها يحارب بلاشرف ، لا يدري (لماذا...متى.. اين...كيف ) يحارب ، و لا
يدري لما اطلق النار !؟
حرب الحروب
هذه ما بعد القذارة ؛ و الخسة و الرزاية . حرب ( الذباب) للمفكر الفيلسوف الوجودي
الفرنسي ( جون بول سارتر) . المقتبسة عن ( الاورستية) عن الشاعر الدرامي من روائع
ينابيع الفكر الكلاسيكي اليوناتي حاضرة الاغريق. عن الشاعر الاديب ( اسخيلوس).
الثلاثية :
(اجاممنون - اوريست - حاملة القرابين).
فالذباب هنا هو ربات النقمة تضرب الالهة به المدن. الذباب
الذي يغزوا المدن بالمزيد من العفن و العطن... هكذا يتصور منطق الحرب اليوم ان كان
للحرب من منطق !.
منطقها
الوحيد ؛ منطق ابليس ، حين يفكر الطرفان وفق ، وفق قواهما التدميرية.
حرب الوكالات
، بل حرب المقاولات ، شغل اربابها الشاغل الربح اولا ، الربح المادي المتوحش
القائم على القتل بالمقام الاول.
حرب لم تعد
قي حاجة الى ما هو فوق طاولة تخطيط و هندسة ، كما هي لم تعد في حاجة الى ما هو
اسفل الطاولة لتحط اوزارها.
حرب جنون
التاريخ قي عز نهاية التاريخ.
حرب من
يبديها لا يعرف كيف ينهيها ، و تمة المشكلة... ؟
حرب عابرة
للقارات ، تضرب بكل الوحداث و الاغراف و المواثيق و المعاهدات المتعهاد عليها.
تضرب بوحدتي الزمان و المكان و عظمة الشخصية. تنتشر ارجاء المعمورة كالنار في
الهشيم ، كانتشار ربات النقمة للشاعر الدرامي اسخيلوس اليوناني ، او كانتشار (
الذباب) لجون بول سارتر.
حرب جنودها
لمن يدفع اكثر ، لا قلوب لهم لا على ارض و لاعلى عرض و لا على بشر. همهم الوحيد
ادرام الدمار و الفوضى الخلاقة القائمة على الفوضى المدمرة ثم ينتقلون كمغني العلب الليلية الى علب اخرى
، الى اخر نفس من ارق الهزاع الاخير . كملائكة العذاب ينشرون الكوابيس المزعجة.
تقض مضاجع الساكنة ان كانت لهم بقية
متبقية من نوم او احلام.
لقد انجبت جل
الحروب التي شهدتها الانسانية جل الحضارات الانسانية . امهات الملاحم ، و القصائد
المطولة الشعرية الدرامية منها ، منذ ما قبل التاريخ / ما قبل الميلاد ، عرفت نهضة
ادبية فنية فكرية انبثق عنها المذهب الكلاسيكي... و هكذا الباحث المتتبع يلاحظ
وراء كل حرب ووصولا الى الحربين الكونيتين
كان خلف كل حرب ( فكرة) ، بل مدرسة ووصولا الى اخر اتجاه نحو العالمية.
اما حروب
اللحظة كشعلة عود ثقاب تحمل بوادر فنائها معها ، تنطفئ بمجرد ان تلامس الهواء
الجوي.
اما حروب (
الرصيد) او ( الحساب) البنكي لا تقوم عن اية فكرة ، سوى القتل المقابل. اذ ؛ لا
يهم القتيل رجلا كان او امراة او طفلا صغيرا.
وحدها اللا
انسانية تتجلى ملامحها كالقضاء و القدر بالمعنى الاسطوري الاغريقي من يقرر من جديد
مصائر البشر ، بل تجعله لا يكتفي بانتهاك ضمير واحد بل عدة ضمائر دفعة واحدة ،
تستعبد الناس فيها من جديد ، و تجرى عليها ابشع انواع التجارب الانسانية. دون غرف
مكيفة و لا انعاش ، و لا ابر تخدير.... اكبر عملية تجرد ونزع الانسانية من قلوب
البشر.
حرب لا طائل
من وراءها تقودها مليشيات عالمية (بلاك ووتر)
و ( فاغنر) و لمن يدفع اكثر !
مليشيات دون
قلب ،- سبب تفوقي على الاخرين لاني دون قلب ( رامبو) - و ها نحن نصل الى محاربين
اليين متعددي الجنسيات ، كالموت يتغدون على الحرب.
الحرب على
افغانستان ، الحرب على العراق ، الحرب اليمنية ، الحرب على اوكرانيا ، و الحرب
السودانية السودانية النموذج الامثل لتلك الحرب ( الاورستية) او الحرب ( الذباب)
التي تضرب المدن و تحولها اشلاء ، تنبعث من جنباتها الروائح الكريهة النتنة ،
العفن ، الخسة ، و الزراية. اين الانسان يفر من جلده. يفر من ذاته بعد ان طفح جسده
كله باورام و ذمامل و قرحات ، بعد ان نقل اليه الذباب كل اوبئة العالم.
من الصعب ان
تجد فكرة نائمة في مخدع جندي هذه الحرب ، كونه اعد لوجستيكيا للقتل ، فهاهو يقوم
بفعل القتل لاتفه الاسباب . فلا تساله كونه غريبا عن هذا الوجود . مجرد ترسا من
تروس ، و برغي من دولاب اليات عملاقة تحركه خارج عمليات مسرح الجريمة.
قتل الذباب
عبر مبيد حشري لا يكفي بعد ان اكتسب ممانعة و مقاومة خاصة ، و حتى الحوار تحت
الطاولة غير مجد. كون الحرب اساسا لم تقوم فوق الطاولة. حرب عبثية مقاولاتية فيها
الكثير من الريبة و الحذر و الاحتياط و المشاربع الفاسدة.