العمل الجمعوي و الفرداني في الفن و الادب و الثقافة
العقيد بن دحو
دعنا نقر
اولا ان الابداع عموما حالة سيكولوجية ذهنية فردانية ، متعلقة بذات المكون الشخصي
الانساني البيئوي التاربخي ( انسان - بيئة - تاريخ) على حسب مبدا ( تين) Taine.
غير ان التطور الثقافي و الحضاري ، و تشابك
دواليب الحياة و صعوباتها ، و التكيف مع طوارئها و قلاقلها ، وتشعب اختصاصاتها ،
اصطلاحا نقول : لم يعد مبدعا واحدا يكفي ، و لا تفكيرا واحدا يكفي ، و لا محاكمة
واحدة تكفي.
مما صار
يتطلب في هذه (الحالة) ، سواء في الورشة ، او بالحقل ، او بالمخبر (...) الجلوس
حول طاولة واحدة ، و لا يهم ان كانت مستديرة او تاخذ اي شكل ، هندسي مادامت ( الفكرة) المطروحة للتحليل و
النقاش ، و للملاحظة و للنتيجة واحدة. هذا ما اصبح يسمى ( بالعصف الذهني) ، حين
تسلط على المشكل(...) عاصفة من الافكار ، قصد الوقوف اخيرا على مخرجات عمل صحيحة و
اكيدة و دقيقة ، فيها نسبة النجاح كبيرة ، دون اهمال الجوانب الاخرى التي قد تتدخل
كتغذية راجعة لم تكن في الحسبان اصلا ، الجوانب السياسية الاجتماعية الثقافية
الاقتصادية ، و هوامش اخرى.....
هذا ما يليق
بالعمل الجمعوي.الذي كان من المفروض ان يعتمد على هذه الاطروحة ، اطروحة العصف
الذهني.
غير ان
العقلية الجزائرية نعرف جيدا كيف تسير الجمعيات ، وحده رئيس الجمعية الذي يعمل دون
اهمال الحواشي الاخرى.
راي الجماعة
لا تشقى البلاد به *** رغم الخلافة و راي الفرد يشقيها .
هناك طرف اخر
معارض يرى بان اسوا ما في الجمعيات الفنية الثقافية الادبية ، انها السبب الاول في
تاسيس ادارة القطيع ، تخالف ما تعاهد عليه الناس من طبيعة المبدع المتمردة .
المعارضة ، المقاومة حتى ان كانت الرفض من اجل الرفض.
ثانيا
الانتقادات التي وجهت الى العمل الجمعوي الفني الادبي الثقافي ، ادخلت الحقل
الفكري الى الرداءة و الشعبوية ، اذ صار من هب و دب يدعي امتلاكه مراس الموهبة و
ناصية الابداع ، مما يستغل السياسة هذه ( الثغرة) ، و تولج انصاف المواهب و اشباه
المبدعين و تقدمهم الصفوف الاولى من جلساتها ، حتى اذا ما طولب منها المشاركة
بالحكومة قدمت هؤلاء (....) !. الذين بدورهم لن يتاخروا مادام الامر فيه اعادة رد
الاعتبار !.
من عيوب
العمل الجمعوي الفني الادبي الثقافي ، تكسير الحلقة المغلقة للفئة الانتلجونسيا ،
الفئة القليلة المثقفة و جعل الذي في قلبه مرض يقارن نفسه بالذي افنى زهرة شبابه
تحت ظلال الكتب ورايات البحث العلمي ؛
ووعكاء السفر.
بينما
النظرية الفرداتية تخالف كليا كل ما هو جمعوي ، فالفنان الحقيقي ، الاديب الحقيقي
، المثقف الحقيقي لا يحتاج الى كل هذه الفوضى المدمرة التي تغيشها الجمعيات
المحسوبة عن الابداع و الابتكار.
فايتشتاين
عاش مبدعا منفردا ، و كذا بيكاسو ، و باخ ، تشكسبير ، موليير ، بلزاك ،
كيبليتغ....الخ !.
بل يوجد منهم
من جاءته جائزة نوبل الى عقر داره ، بل يوجد من رفضها حتى....!.
ان الابداع
عموما حالة فردانية ، بينما الافكار تشاركية.
وقف الخلق
ينظرون الي جميعا *** كيف ابني قواعد المجد وحدي.
في الحقيقة
المبدع ( الفرداني) - شئنا ام ابينا - ليس وحيدا يغرد خارج السرب ، بل هو ينتمي
الى (جيل) معين من الفنانين الادباء المفكرين ، صحيح هو لا يغترف مما يغترفون ، و
لا يشاركهم حفلاتهم الكارنفالية ، و لا البافلوفية ، و لا الميكيافلية ، و لا
الماكلوهانية ، لكنه بالمقابل ينتمي حسب نظرية هرم الاعمار ( الجرس المقلوب) الى
لعبة ( المجايلة) بجودتها و سواتها ، بحسنها و قبحها ، بنجاحها و فشلها ، بماساتها
و ملهاتها ، و بافراحها و اقراحها....!.
المبدع
الفرداني حر لا يحتاج الى رخصة جماعة و لا لاي بطاقة تصنفه من ضمن التصنيفات
الستاتيكية.
المبدع
الحقيقي سواء كان لفظا او لحظا او اشارة لم يعد في حاجة الى احد ، و لا الى دعم ،
و لا الى رعاية ما في ظل اعلام محتوى رقمي عالمي معولم ، و في ظل منصات شبكات
التواصل الاجتماعي ، التي توصل ابداع المبدع من الدائرة الثقافية الى الدائرة
الشعبية ، بل تنقله من المحلية الى العالمية.
وفي حين
الجمعية الفنية الادبية الثفافية تكتفي بادارة القطيع ، يكتفي المبدع الحقيقي
بادارة نفسه واعماله ، بل تجعله يركز على تحقيق اهدافه الابداعية ، و بالتالي ان
لم يلحقه النجاح في حياته ، سيلحفه بعد وفاته ؛ بل يضمن له الخلود ضمن مسرد
الخالدين ، بعد ان تكون انتاجاته بلغت مرحلة الاتزان .
المبدع
الحقيقي له تاريخين للميلاد ، تاريخ ميلاد بيولوجي ، و تاريخ ميلاد ادبي عندما
يبلغ من العمر خمسون سنة.
لكلا العملين
الجمعي والفرداني يضع المبدع في حالة ابداع ، في حالة تفكير ، في حالة محاكمة.
غير ان كان
من المفروض ان تكون احد اسس اهداف الجمعية التكوين اولا الاجتماعي الثقافي
الاقتصادي و حتى السياسي ، من ضمن مكونات المجتمع المدني الحي .
غير ان
القدرات البشرية الخلاقة البديعة لم تعد في حاجة مساعدة احدا ، ولا سيما عندما كف
المبدع عن مجاراة التاريخ ، و صار الاديب الفنان المثقف بصورته الفردانية سلطة (
مانا) Mana نسبة الى الماناليزمManaleisme
. اخيرا صار الادبب الفنان المبدع اامثقف على صورته الفردانية سلطة ، تضاهي السلطة
السياسية ، السلطة التنفيذية ، السلطة القضائية ، و السلطة التشريعية
اخيرا صار
المبدع بصورته الفردانية رجل الادب ، رجل الفن ، رجل الفكر و الثقافة ؛ تضاهي تضاهي رجل الدولة ، رجل المال و الاعمال
، و رجل الاقتصاد.....
فما الذي منحته الجمعيات الثقافية الفنية
الادبية للمبدع سوى ادارة القطيع و الانتماء السلبي لجماعة ضغط تخدم بالخفاء لرجل
خلف الكواليس لاجندات سياسوية !؟
ماالذي قدمته
هذه الجمعيات المحسوبة عن الابتداع غير تقسيم ( الكعكة) ما بين افرادها كومبارس و
فوارس.
فمنذ البدء
اختار المبدع الحر ان يكون سيد نفسه ، ان يكون الفارس فهذه الحياة لا تعطي لضعيف ،
و تلكم هي المشكلة اما ان نكون او لا نكون فتلكم هي المشكلة !؟
اننا لا ندعو
الى التفوق انما نؤمن بان تؤخذ الدنيا غلابا.