الحق" في الادب التمثيلي اليوناني/(اجاممنون) انموذجا
الحق" في الادب التمثيلي اليوناني/(اجاممنون) انموذجا
العقيد بن دحو
*- الحق لا
يعطونه
الحق يمنعونه
وحده الغني
الذي يعمل.
،"
مكسيم غوركي ".
لطالما دافعت
ورافعت الماساة / التراجيدية اليونانية حاضرة الاغريق عن القيم الانسانية ، على
الرغم من شدة وقع الكلاسيكية التقليدية ، المذهب الاخلاقي الارسطي ، و هيمنة عظمة
الشخصيات الالهة و انصاف الالهة و الابطال على المدينة الاغربقية (Polis)
: اي المدينة الاحسن معلم.
و كذا
السيطرة على سائر مظاهر الحياة للمجتمع الاغريقي اللاهوتي ، اين ( القضاء و القدر
) الها يقرر مصير البشر.
"اجاممنون"
انموذجا ، اجاممنون امثولة ، لما عاد من حرب طروادة منتصرا ، ملكا ظافرا ، سالما ، غانما . و لما عاد الى قصره
انفردت به زوجه و عشيقها و قتلاه ، في ليلة فرح اقيمت خصيصا لعودته.
ولك و
للمشاهدين ما يروا و يعوا من هذه القصة الدرامية التراجيدية الماساة. التي دخل
بطلها ظافرا حيا يرزق من باب ، و في نفس اللحظة يراه جمهوره مسجى في دمائه ، ميتا
يخرج من باب
اخر .
هذه
(التثنية) ، تثنية الفعل الدرامي و نقيضه تكاد لا تخلو ماساة اغريقية منها. توشك
ان تكون واحدة عند جل شعراء (العقد) ، الماساة التراجيدية الاغريقية ، كما هي عند
اسخيلوس ، كما هي عند صوفوكليس ، و يوريوبيدس. الانتقال بما يفيد الصدمة و الترويع
عند المتلقي. تماما كتعرض الثلج الى ارتفاع درجة حرارة عالية . عند الظاهرة الطبيعية الذي يتحول الى
بخار او غاز دون المرور على الحالة السائلة. هذه الظاهرة تسمى ( تصعيد) او تسمى
(تسامي) !.
الحق ان
اجاممنون بطلا ملكا. الجمهور يراه احق بالتتويج بالحكم.
غير ان
الشاعر ايسخيلوس يرى ليس هناك صاحب حق مطلق ، و انما الحق يوزع بين الخصوم ، و
يختلف مقداره باختلاف عمل كل فرد . يرى اسخيلوس
ان الانسان لا يستطيع ان يحتفظ بحقه على الدوام ، لانه دائما يطالب باكثر
من حقه ، و عندئذ يتحول الحق من عنده الى خصمه بعد ان كان الحق ملك يمينه.
فالانسان الذي يثار لنفسه يميل دائما الى الاسراف في الاخذ بالثار فيظلم و
يجور ، و يترتب عن ذلك ان يرتكب اثاما و
اخطاءا جسيمة جديدة تبعده كل البعد عن حقه الاول ، و هكذا....
تقوم فلسفة
ايسخيلوس هو محاولته الجادة دون كلل و لا ملل في ايجاد الحلول لهذا المشكل ، و هو
الاعتدال ، الاعتدال في كل شيئ ، لا افراط و لا تفريط ، و ما لا يؤخذ كله لا يبطل
جله .
صحيح ما ضاع
حق وراءه مطالب ، لكن تضيع الحقوق ان لم يعرف صاحب الحق ان يطلب حقه على مراحل ، و
بهدوء ، برزينة و تعقل .
الحق و لا
سيما الحق السياسي هو من اصعب و اعقد الحقوق ، كونه متعلقا (بالحكم). الحكم عند
الاغريق كنزا ، و من حق الشعب ان يطالب بحقه من الحكم الكنز !
بمعنى حق
الشعوب من الثروات ، كل الثروات المادية و اللامادية.
غير ان
الحكومات و من هم في الحكم اكثر ذكاء من الشعوب ، فهم يورينه اكثر من حق دفعة
واحدة ، حتى اذا ما بدت له جملة ، نسي
الحق الاول الذي كان يطالب به اول مرة..
و هكذا الشعب يعيش في دوامة من المطالب الحقية دون ان يتحقق احدا منها !.
الحق الحق ان
يكون سبيلا للشعب ليشارك في الحق الاعظم ، شريكا في الحكم ؛ الحكم الكنز كما ترى الاغريق مهد الحضارات الديمقراطية.
لكن من غير
المعقول ان يشارك كافة الشعب في الحكم. لهذا جعل البرلمان ، عقدا اجتماعيا كنوع من
انواع السيادة للشعب او شعار الشعب السيد.
غير ان تبث
مع كبار الفلاسفة ان نظرية العقد الاجتماعي اكبر اكذوبة عرفها التاريخ. بمعنى ساعة
ما يتولى ( النائب) انابته يغترب عن من اوصله الى سدة السلطة التشريعية.
صحيح انتصر
اجاممنون و صار الحق جانبه ليعتلي عرش المملكة ، غير ان حق الموت و الاغتيال كان
اقوى . حين تستفحل الدسائس ، و المكائد ، و المؤامرات ، و طعنات الغدر بالظهر من
اقرب الناس . هؤلاء الذي خسبهم اجاممنون ذوي القربى لهم عليه حق الرعاية و الحماية
و الدعم .
اسدلت
الستارة عن اعظم مسرحية بموت اجاممنون ، لترفع نفس الستارة في مسرح اخر من العالم
و في عصر اخر و انسان اخر ، يغذي نسر ضميره بالندم ، و ينصب لنفسه محاكم اخلاقية
ليرد الحقوق.
فهناك حقوق
مسلوبة فردانية ، حقوق شعوب ، و حقوق دول. لا بد في الاخير ان ينتصر الانسان
و يقتلع
حقوقه كاملة غير منقوصة حتى ان بدت اليوم حقوقا ضائعة مهضومة كبلتها ايادي الخيانة
لبعض الوقت و على بعض الناس.