النقد الأدبي"الاسس المنهجية- السياق الاجتماعي"
بقلم : بهاء الصالحى_مصر
¶| مؤتمر"ملتقي النقد الأدبي العالمي"¶|
_ اليوم الخامس (٢٥ يناير ٢٠٢٣م)
------------------------------------
______________
يقوم النقد الادبي علي عدة اعتبارات قائمة علي المدخل الرئيسي لقراءة ذلك النقد دون غيره
،ووفقا للدوافع التي قام من أجلها الحركة النقدية ، فقديما ظهرت حركة تداول الشعر والنثر بغرضين
رئيسيين وهما التدوين بدلا من الشفاهية مع
تراجع مساحة الذائقة العربية بحكم
دخول عدد من الشعوب ذات الثقافة والالسنية والنابعة من تطور
تاريخي وصراعات محددة بحكم تباينات الجغرافيا حول العالم وهنا حكمة التعدد الاثني
حول العالم.
ومن هنا جاءت اللغة كمقياس مشترك عبر العالم حيث تحمل المفردات اللغوية
مقابل ملموس لمكونات الطبيعة المحيطة وبالتالي تأتي اللغة كمحور رئيسي في قراءة اي
إبداع فكري ،ولكن وفقا لمهارة تحليل اللغة كمنتج إنساني يتغير بتغير الواقع
وبالتالي لايجوز ان يصادر عصر العصور التالية عليه ، ومن هنا يجب أن نؤسس لقاعدة
معرفية أولية وهي ان الأدب منتج اجتماعي يقدم الأديب من خلاله مساهمته الإنسانية
ورؤيته المعرفية لمشاكل ذلك الواقع الذي يحياه وذلك تأصيلا علي ان التحليل اللغوي
من وجهة نظر اجتماعية وأن اللغة اوعية فكر تعبر عن خبرة تاريخية للمجتمعات ،
وبالتالي يطرح لذلك التحدي القائم بين مدلولات
الألفاظ المختلفة عبر البيئات الاجتماعية داخل الأسرة اللغوية الواحدة.
وبناء علي ما سبق يعد التباين مابين المقاييس القديمة والحديثة في معايير
النقد الأدبي وبالتالي آلية خلق المعيار النقدي حيث جاءت المقاييس القديمة ممثلة
في أوزان وبحور الشعر الخليلية كمقياس اوحد لجودة الشعر العربي خاصة مع انتفاء
فكرة المسئولية المجتمعية للشاعر طالما كانت وظيفة الشاعر فكرة ارساء أنظمة الحكم
من خلال تكريس الصورة الذهنية للحاكم لدي
الشعب مستغلين في ذلك سحر اللغة وسحر البيان كموهبة شعرية، كذلك الترويج للمناهج
السياسية المصارعة كشعر الخوارج، مع تراجع الصدارة الخطابية لمنطوق النص القرأني
الذي تراجع لصالح المديح كنوع من الدعاية السياسية، خاصة مع التركيبة القبلية
للسلطة وقتذاك ، ولم تتبلور فكرة المجتمع وقتذاك لان فكرة المجتمعية تشترط التعدد
وتجاوز فكرة القبيلة التي تعظم الأنا لصالح المشترك الإنساني حيث مفهوم الوطن ذي
الأبعاد الثابتة .
ومن هنا فأن الظهير الاجتماعي لفكرة ان اللغة هي البوابة الملكية لقرض
الشعر ،قد تلاشي في العصر الحديث ،قد ادي لظهور مقياس نقدي جديد وهو الصدق في
التعبير عن الواقع الاجتماعي ،وذلك بخلاف الاعتبار القديم القائم علي فرضية ان
النص صانع للمجتمع وليس المجتمع مشكل للفهم الخاص بالنص وذلك بحكم قداسة النص الذي
يعمل كمرجعية أخلاقية ليست مقولبة بل
انسانية وفق احترام العقل البشري .
اسباب تباين النظرة النقدية وتراجع مساحة اللغة كمعيار اول للمطروح جاءت مع
تطور حركة المجتمعات وكذلك التثاقف مع العالم الغربي بعد مرحلة الثبات الاجتماعي
حيث لم تبرز حركات التجديد القادرة علي تغيير شكل المجتمع وسيادة الفهم التوفيقي
للدين لمدة خمسمائة عام تم تهميش الأطراف لصالح القلب حيث مفهوم الدولة المركزية
التي جاءت خارج حركة التاريخ حيث ساد مفهوم الأمة في عصر ساد فيه مفهوم القومية
ولكن مع ثبات الظهير الاجتماعي ساد الضعف في الشعر والادب المصري والعربي ولعل
دراسة الدكتور عبدالعزيز الاهواني حول الابتكار والعقم في شعر ابن سناء الملك خير شاهد علي ذلك .وصلنا
نسترشد برأي الدكتور محمد مندور في كتابه فن الشعر : اقتضي المضمون الشعري الجديد
النابع من الوجدان الجماعي أن يلجأ الي صور وقوالب جديدة يصبون فيها وجدانهم الجماعي، وبخاصة بعد ان تغيرت الظروف بعد الثورة ، ولم
يعد هناك مجال مستمر للاستنفار الثوري العنيف الذي يلائمه القالب الغنائي التقليدي
في شعرنا العربي ..... فقد أقدم شعراؤنا علي تغيير الصورة مجاراة لتغير المضمون
وتغير طريقة تصميم القصيدة وبناءها الفني
والمضمون هنا هو مجموع الأفكار والقيم التي صارت وجدان المبدع والمتلقي
ومابيننا من نقاد، والناقص هنا هو مرحلة
وسيطة مابين المتلقي تكون مهمته تطبيع الإبداع اجتماعيا تأسيسا علي ان الثقافة
اسلوب حياة وفقا للتعريف الأوربي للثقافة وبالتالي لا يستطيع احد التفكير خارج نطاق عصره الا المفكرون ،ولكن
تتفاوت أدوات التعبير عن الرؤية تجاه العصر وبالتالي ينطبق ذلك علي رأي الدكتور طه
حسين ان الناقد هو القارئ الأول وقد أورد ذلك في احدي افتتاحيات مجلة الكاتب عام
١٩٤٧ .
وقد استفدنا في تحليلنا هذا لقول د عبدالقادر القط حيث يربط بين ظهور
الأشكال الجديدة في الفن وبين الانقلاب الحضاري فيقول حسب ما أورد دكتور محمد احمد
العزب في كتابه ظواهر التمرد الفني في الشعر المعاصر والصادر عن سلسة أقرأ عدد
ديسمبر ١٩٧٨ ( فالفن الجديد في اي عصر من العصور لاينبع من عجز أصيل في الفن الذي
سبقه، وإنما ينبع من مفهوم حضاري جديد
للفن ، ومن نظرة جديدة عند الفنان نحو الحياة والعلاقات الإنسانية تخالف نظرة الفن
السابق الذي كان يعبر عن روح حضارة مختلفة،
ثم فقد وظيفته بانتهاء تلك الحضارة ، فالرسم التجريدي- مثلا- لم يظهر لأن
في الرسم القديم عجزا اصيلا في طبيعة الوانه وخطوطه يجعله غير صالح لتصوير
انطباعات الفنان عن الحياة ، ولكنه ظهر لتغير في مفهوم التصوير وفقدان نظرية
المحاكاة لوظيفتها الحضارية، وهكذا تظهر
الأشكال التعبيرية والفنية الجديدة نتيجة لحاجة الفنان الي التعبير عن تجارب
ومفاهيم جديدة لابد بالضرورة ان تبحث عن تجارب ومفاهيم جديدة لابد بالضرورة ان تبحث
عن أشكال تلائمها.
وبالتالي ظهرت أشكال تعبيرية جديدة تلائم التغيرات التي حدثت في العالم حيث
جاء العلم وانعكاسه علي الوعي الإنساني فلم يعد المجتمع مستقبلا في كينونته بعيدا
عن التطبيقات الاجتماعية القادمة مع الاختراعات التي تيسر سياقات الحياة
الاجتماعية ، مثلا استعمال الموبايل يغير مفهوم الزمن الخاص بالفعل الإنساني وكذلك
أدوات التحقق والتواصل مع الآخرين وهنا يزداد العمق الخاص بالشخصيات والمساهمة في
طرح أبعاد أعمق واشد تعقيدا من الفعل الإنساني
وبذلك يصبح الواقع محدد لفكرة الوعي الإبداعي حيث مجموعة الأسئلة الوجودية
التي تطرحها فكرة التحدي وكلاهما إطار حاكم للمبدع الناقد والمتلقي، وهي أول خطوة
لخلق بعد علمي للنقد الادبي .
اما النماذج التطبيقية علي ذلك ففي الحلقة القادمة .