فاغنر" و ما بعد "بيجماليون" Pygmalione
العقيد بن دحو
اذا كانت
الرواية كفن حديث ثري رجل الحرب القرن التاسع عشر ، تمرين ادبي يستخدم الانسان قصة
كي يعبر عن شيئ اخر.
انها في
المقام الاول تريد ان تقول كل شيئ من خلال لا شيئ.
اذا لا غرو
ان جاء شعار المذهب الرمزي القائم على الحرب : " كل شيئ لا شيئ" .
فهكذا تبدو
الحرب في روسيا ؛ في عقر المعسكر الاشتراكي سابقا ، عاصمة ( البروستوريكا) لا يمكن
ادراكها الا وفق هذا المنطق المعكوس ، او وفق البرهان بالتراجع كما يعبر عنه
المنطق الديكارتي في علم الرياضيات ذات المنهاج التجربدي. ادراك العبور برزخ ما
يميز الخيال و الواقع.
تماما لا يمكن فهم ما يجري عند معسكر البولشوفي
كفكر سياسي و تنظير حربي الا وقق اللا منطق قديم حديث ، و لا سيما عندما تلك
الحجارة التي رميت بعرض حوض الماء تتسع تتسع الى غاية ما تتلاشى عند الشط شططا !،
او كان الحرب
الروسية على اوكرانية اتخذت لها مجرى او منحى اخر ، حسب حقيقة نظرية ،"
الخرائب الدائرية " ( لبورجس) او ما
صار يطلق عليها ( نظرية العوالم المتداخلة)
: الحقيقة الاولية ليست الا العالم كما
يراه فقير هندي ؛ ولكن هذا الفقير نفسه لا يوجد الا في فكر فقير اخر و هلم
جرا.... مثله مثل صور البروبجندا ( الدعاية) الاعلانية الاعلامية ، حيث يحمل احد
مدمني الخمر زجاجة في يده تمثل اللصيقة عليها صورة مدمنا اخر للخمر عليها زجاجة و هكذا.....
تلك هي نظرية
العوالم المتداخلة : فكل كوننا قد يكون
قطرة دم في جسم برعوث جبار يعيش في كون
ليس الا قطرة دم في جسم برغوث اخر...
بمعنى لم يكد
المذيع المعلن يخبر بالحرب ، و لم يكد ببدا المحلل يحلل ، و السياسي يفكر فيما يجري حوله من اصوات ذوي
المدافع ، راجمات الصواربخ ، هذير
المزنجرات و الدبابات ، و ازيز الطائرات و طائرات المسيرة ( الدرون) حتى تلحقها
حرب اخرى انشطارية توشك اللاتنتهي.... ، و عندما تحط اوزارها في منطقة حتى تندلع
في منطقة اخرى من العالم !.
اذن كان
علينا ان نجدد فهمنا الحرب ، من خلال الورقة الاخيرة ، لما يعد من وجبات بمطبخ
النقانق ، الذي صار يميزه مايميز الحرب ، يميز السياسة ، يميز الاقتصاد ، يميز
الثقافة و العلاقة بين الدول دون قلب - سبب تفوقي على الاخرين لاني بدون قلب (
رامبو) - نكهة و ذوقا و اعدادا و ابداعا ، يصير المطبخ عملياتيا غرفة عمليات.
و هكذا ما
كان يلقب بطباخ الرئيس ( بوتين) رجل الكاجيبي سابقا ، يصبح زبونا من جديد
معتادا ان لم يكن مدمناعلى النقانق مجددا
! في حين غريمه ( الشاف) "
"يفجيني ربجوجين" صار قائدا
حربيا ميدانيا لاكبر جيشا ( انكشاريا) في عصرنا الحديث غير اخلاقي ، خرافي ، تقوم
حوله الكثير من الصواعق الصواعد و النوازل الاسطورية. يقوده عرمرم وارمدة شتات جند العالم.
مجرمين. خريجي سجون ، مرتزقه ، رجال هامش
يحملون ارواحهم على كف عفريت ، لا احد يبكي عنهم ان هم قتلوا في سبيل الشيطان او
سبيل الانسان مادام المال سلطان ، اعمى
يقودهم للاسر للاعدام سيان ، مادام هم بلا هوية و لا عنوان.
هذه الحالة
لا يمكن التعبير عنها بالتعبير الحربي الكلاسيكي المتعاهد عليه التقليدي الاخلاقي
، ان كان للحرب من اخلاق . لا لغة و لا اصطلاحا و لا بالتعبير الفقهي اللغوي
الفيلولوجي. كون ابطالهم ليسوا خريحي مدارس مناهج و برامج حربية عريقة . انما
مجموعة من المجرمين تخلوا عن قلوبهم و عن ضمائرهم ؛ بل انتهكوا عدة ضمائر في
الازقة ، في السجون ، مع بائعي و مروجي المخدرات.
بينما رجل
الحرب النظامي هو رجل يكافح بضمير وشرف ، هم يحاربون يستحضر في حربه كل السلوكات و
المعاهدات الانسانية. فرضت عليه الحرب. اما الاخر هو من اختارها فكانت له وقودا لن
تبقي و لن تدر.
"فاغنر"
مرتدا ، لا يمكن التعبير عنه الابتلك ( القصة) الدرامية الماساة التراجيدية
الشعرية للشاعر اليوناني : " اوفيد " ، تمثل امثولة نحاثا فنانا ، يسمى
( بيجماليون) / Pygmalione ، ميزته
كان معقدا ، يكره النساء ، صنع تمثالا من الزجاج و الرخام لامراة ، يوما عن يوم
حتى سطعت الفضيلة و الجمال على التمثال. عشق بيجماليون التمثال فصار يتودد الالهة
" افروديت" لتنفخ بالتمثال الحياة ، و بعد تقرب وود استجابت الالهة و
صار التمثال يسمى (جاتاليا) انثى مكتمل البهاء و الحسن و الجمال.
تزوج و عسق
بيجماليون تمثاله و صارت انثاه عوض كرهه في النساء اللواتي عقدنه. و لكن بعد فترة
سئم بيجماليون من التمثال ، و طلب مجددا من الالهة ان تعيده الى صورته الاولى حجما
و مقياسا ونسبة وتناسب. شعر مجددا بالسام و الملل ، طلب من الالهة ان تعيده له
انثى ، رفضت الالهة طلبه فما كان على بيجماليون الا ان هشم و حطم التمثال ، ثم
استخزى فعل ما قترفت يداه و قتل نفسه.
في هذه
الحالة ما العمل الذي يقوم به الشاعر او المخرج بعد ان لحق الدمار بكل شيئ ؟.
لقد صنع
الجيش الروسي ( غوله ) قضائد و قدره ( مونيتوره) "فاغنر" ، لقد صنع الدب الروسي بوتين طباخه الشاف الى
جنرال خريج السجون. تمثالا فزاعة العالم. في انتظار الوافد الجديد ، المخلص ، من
يجيب على اسئلة المدينة . تظل موسكو في قلب الاعصار ، رهينة لغز ، صنعته بايديها ،
يداك كتفوك نفخ . تجاوزت من خلاله قدرة الدولة طاقة الدولة. وبالتالي لا غرو ان عشنا
من جديد اساطير كنا نظنها اساطير اولين ،
و لم تعد الا في احلام اليافعين و صغار المراهقين ، اذ هي واقع الواقع ، حين تتمكن
هيبة و تاريخ الترسانة الروسية الاستراتيجية منها و الردغية صناعة هول خرافتها .
مجبرة على ان تغذيها من لحمها ودمها يوميا ، في انتظار ( اودبب ملكا) اخر ، روسي
يخلصها من اخطاء و غدر البشر. كما انتظرت اليونان القديمة اوديب ، و كما انتظرت
فرنسا نابليون بو نابرت ، و كما انتظرت الاتحاد السوفياتي ستالين...... و العديد
العديد.
ففي كل مكان
و في كل زمان ان كان ورلء كل سؤال اجابة ، ووراء كل( هولة) ( اوديب ملكا) !.
شريطة هذه
المرة اللايقابل اباه و يقتله ، و اللا يتزوج امه ، فينجب منها بنينا و بناتا هم
ابنائه و اخوته في ان واحد. و ما دامت الحرب صارت قذرة بهذا الشكل ، و بهذه
الزراية ، و بهذا العفن العالمي ، و بهذا ( الذباب) ، و بهذا ( الندم).
يحسبها الجاهل
مجرد سيمفونية فاغنر ؛ اسطورة موسيقية
ملحمية لموسيقي نازي الماني قادم من ارشيف
الحرب العالمية الثاتية، لكنها سرعان ما صارت ميراث فنون ، ميراث جنون ، حين يفكر
المرء و فق منطق جنون التاريخ . وفق منطق ابليس ، حين تفكك الامم و الدول و فق
قواهم التدميرية.
اخيرا صارت
الحرب تجارة تهريب ، تهريب البشر ، تهريب الضمائر ، و تهريب القيم. فبقدر ما تحققه
من قوى بناءة بقدر ما تحققه من قوى تدمير
، ما بعد بيجماليون ياتي الاسوا ما بعد
فاغنر ، ما بعد يوجيجين ، ما بعد بوتين ، ما بعد جاتاليا ، ما بعد بيجماليون ، ما
بعد المخرج ، و من ما بعد ان تسدل الستارة
و يسمع الجمهور ذوي رصاصة الرحمة من نيران صديقة و من مسافة صفر على العملية
برمتها.
من تمة فقط
يظل ( الغرب) وحيد قرن صادما طارئا ينطبق عليه القول القديم الغرب الغسق الحدث
الحادث L'occident c'est un accident او كما
يقول المفكر المستشرق (روجيه غارودي) او ( رجاء غارودي) الذي اعلن اسلامه على ارض
الثوار الجزائر.