أدب المهجر القديم والحديث
نبيل عودة
هل بات المهجر هو الساحة
الابداعية للكثيرين من الأدباء العرب؟
أحدث ادب المهجر ثورة في
الفكر الثقافي العربي، وفي اللغة العربية وفي الادراك الثقافي الجديد، وأحدث
تطويرا للغة العربية، من السجع الممل القاتل للفكر وللرقي الحضاري، الى لغة حديثة
تخاطب العقل، وتنور الروح بجماليات الأفكار والنصوص. وغني عن القول ان الأدب
المهجري ساهم بإنقاذ اللغة العربية من التتريك الذي ساد عالمنا العربي بعد حكم
متخلف وقمعي لم يقم بأي نشاط تعليمي يستحق الاشارة، ولا باي جهد لتطوير المجتمعات
العربية التي خضعت لسلاطين متخلفين حولوا المجتمعات العربية الى صحراء قاحلة
ثقافيا ولغويا وفكرا. وما زلنا حتى اليوم
نقرأ ابداعات ادباء المهجر، خاصة أبناء لبنان، الذين حولوا المهجر الى عاصمة
الثقافة العربية.
بدون تردد أقول: ياسرنا
اسلوبهم وتسحرنا افكارهم ونندمج بنصوصهم وتأسرنا لغتهم التي فرضت نفسها مكان لغة
نصف تركية نصف عربية مشوهة. واكاد اقول لولاهم لفقدنا لغتنا وضعنا بالتتريك اللغوي.
ويبدو ان واقع العالم
العربي، الثقافي بظل انظمة رقابة فكرية وقمعية، تمنع وتصادر الكتب التي لا تتفق مع
فكرها الحضيضي اوجد كل الظروف لنشوء ادب مهجري جديد.
المهجر لم يغادرنا بل
يواصل الحياة والابداع.
يتطور اليوم ادب مهجري
حديث لا يقل بحداثته وانفتاحه على التنور والحداثة الفكرية والابداعية عن أي ادب
أجنبي آخر. حتى لغته العربية تزداد طلاوة واتقانا وجاذبية (ولا أعني القواعد
والنحو والتقييد اللغوي الذي يسجن اللغة وراء قضبان التزمت). ابحثوا مثلا (كنموذج)
عن اعمال الأديب المهجري المبدع د. جميل الدويهي (له موقع في الفيسبوك ايضا باسم
"افكار اغترابية") وهو، مع زملاء له في بلاد المهجر استراليا، يشكلون في
هذا المضمار النموذج الأمثل لفكر الحداثة الإبداعية والفكرية واللغوية. في وقته
أيضا انجز ادباء المهجر انقلابا فكريا ولغويا أخرج لغتنا من سجن الغباء اللغوي
والانغلاق، وساهم بتحريرها من الضحالة القاتلة والتكرار الممل والقيود المتزمتة.
طبعا لا أنكر وجود ادباء ومفكرين حداثيين أبدعوا في مضمار الأدب والفكر، لكن
الساحة الأدبية مقيدة بتطور المجتمع، ان تطوير الأدباء لمشروعهم الثقافي هو عملية
تقع خارج مجتمعهم بواقعه وقيوده. لذا ليس بالصدفة ان المهجر أضحى ملجأ للكثيرين من
المفكرين والعلماء والباحثين والأدباء، ولا اكشف سرا بالقول ان خسائر العلم العربي
من هجرة العقول الثقافية والعلمية والتقنية تقدر بمليارات الدولارات سنويا!!
في الأشهر الأخيرة بدأ
الأديب المهجري الموسوعي د. جميل الدويهي بإصدار مجلة ثقافية رائعة، تضم اقلام
باقة من الأدباء العرب. صدر عددها الثالث قبل ايام، واقول بكل ثقة، ان عالمنا
العربي يفتقد لمثل هذا النشاط الثقافي الرائع والمجدد للفكر الثقافي العربي.
الصورة للأديب د. جميل
الدويهي