جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
آراءAkid Bendahou

اسطورة الخلق و اسطورة التدمير / ( بيجماليون) نموذجا

 

اسطورة الخلق و اسطورة التدمير / ( بيجماليون) نموذجا

العقيد بن دحو

لا يكاد يخلو نص ادبي ، او قراءة ادبية او اي دراسة فكرية من الافكار ، سواء كانت كلاسيكية تقليدية او ذات الاتجاه العالمي ، او حداثية المذهب او ما بعد الحداثة دون المرور على الاسطورة.

اذ لا يمكن النمو بعيدا عن الاسطورة .

 في الاسطورة جنين الملحمة و القصة و التراجبديا و سائر الفنون الزمكانية الاخرى . كون وصلت جل الفنون و الاداب الى الضيق بذات نفسها ، و لم يعد في الامكان ابداع اكثر مما كان !.

 الاسطورة " ميراث الفنون" كما يقول ( نيكولاس فريده). فهي زاد معين لا ينضب للافكار المبدعة ، و للصور المبهجة ، و للمواضيع الممتعة ، و للاستعارات ، و للكنايات ، و عليه ، فانها تهب كل امرئ شيئا.

صحيح هي لا تهيئ هدايا لامعة جاهزة لاشباه المثقفين و لانصاف المتعلمين و للمتشاعرين ليخطوا عليها  حماقاتهم و اسماءهم عليها. بل تشجع المثقفين و المفكرين و ذوي المواهب اكثر للانطلاقة من جديد الى غد جديد و الى ما بعد غد جديد ايضا.

الاسطورة سوف تبقى مدى الحياة ، مادام الابداع ( لعبة الله) مكنونة في خلقه ان قال لها كن فيكون .

دراستنا اليوم لا تخلو من هذا العلم ، علم الميثولوجية ، من حيث لا نشير للاسطورة كما هي في ذاتها ،  و انما كما بجب ان تكون . تشير الى  مختلف اللبوسات ، الى مختلف اللوغوسات ، الى مختلف الاستعارات ، و الى مختلف الكنايات التي تشير اليها الاسطورة او الخرافة . الى تلك التاويلات و الاشكالات السياسية الاجتماعية الثقافية الاقتصادية و حتى الامنية و العسكرية ، حين يصير مصير وطن و شعب و امة في خطر.

عندئذ لن تعود الاسطورة مجرد تسطير اولين ، خرافة الحلم الجمعي ، انما قانونا و عدالة وواجب ، حتى اذا ما تعلق الشعب بشيئ صار قانونا او كما تقول الاغريق القديمة او الاغارقة القدامى.

اذن نحن هنا - شئنا ام ابينا - امام قانون و عدالة ، بحيث لا يجب ان يكون القانون مناهضا للعدالة.

حتى ان كان هذا على الورق من اجل محاكاة ما لافعال نبيلة ، على ان تكون مخرجات الفعل الكوني الدرامي : اعادة التوازن بين الانسان و محيطه ، اذ لا يمكن فصل الظاهرة الاجتماعية عن الظواهر الاحرى الانسانية الفنية ، الثقافة ، الادبية ، و مختلف التصورات الفكرية التي عرفتها و شهدتها الانسانية حتى الان.

تقول الاسطورة و هي قصيدة شعرية مطولة للشاعر " اوفيد"  يحاكي فيها فنانا نحاثا يسمى " بيجماليون " / Pygmalione ، ميزة الفنان كان مصابا بعقدة كرهه للنساء ، كان بالمعنى الحرفي للكلمة عدوا للمراة ، لا سيما نساء البغاء ، و التسكع و التصعلك ، ربيبات الحانات و المعسكرات و الغواية، مدمنات السكر و المخدرات و بيع الجسد.

كان " بيجماليون" يصفهم و ينعثهم ببئس ابخس النعوث ، و بهمز و بغمز ساخرا لمزا شكلا و مضمونا.

و لان الفنان عموما لفظا و لحظا و اشارة ، كتابة ، رسما ، و نحثا يصنع ، يفعل و يخلق او يبدع ما خسر ، فهو خسر المراة بكيفية او باخرى... !.

لهذا تراه ينحث منحوثة من زجاج و خزف ، في شكل امراة ، اعتبرها من احسن ما رات عيناه من النساء في مجرى حياته!.

تعاهد بيجماليون منحوثته صبحا مساء ، حتى اصبحت بالنسبة اليه الهاجس ، الهائل ، المذهل ، المدهش.

احبها بجنون و صارت شغله الشاغل بعد ان كان عدوا لدودا لكل ما يشير الى المراة جسدا و نفسا و روحا.

تعلق و تتيم بها عشقا وولعا. حتى اذا ما اكتمل التمثال و اشتد على سوقه ، صار يعامله معاملة امراة و احبها حب النرجسي لنفسه. فما كان عليه الا ان يتقرب من الالهة " افروديت " لتنفخ في تمثاله نفخات انفاس الحياة. لبت افروديت طلب بيجماليون بعد ورع وصلاة و قرابين... و اذ بقدرة قادر تبزغ المنحوثة جميلة الجميلات ، اذا تحركت اينعت ، و اذا تكلمت انشدت ، صار بيجماليون بتقرب منها تقرب الزوج لزوجه يحتضنها و يقبلها و يسكن اليها بالمضاجع.

بل اعطتها افروديت اه اسما ( جاتاليا) / Gatalea .

  ماهي الا ايام حتى  انتابته نوبات هيستيريا ، اهتلس قيها وشعر بالملل و الكلل ، و فقد السيطرة على نفسه واعصابه ، فانهال على منحوثته يهشمها ذات اليمين و ذات الشمال شظايا شططا..... و لماافرع كافة جنونه ، عاد اليه صوابه ، استخزى ما اقترفت يداه ، ندم ندامة (الكسعي) . طلب مجددا من الالهة افروديت ان تعيده للحياة. لكن قوبل طلبه بالرفض ، و من شدة الالم و الياس و التفكك و التفتت انتحر بيجماليون.

ظاهرة الفم تتكرر في جميع الحالات (الايروسية) و الشعر اللذين يجمعا التمثال. لان الفم ( يقبل) و ( يتكلم)  يستخدم لاثارة الاحاسيس و تحويلها الى فن في نفس الوقت. كما يصلح ان يكون رمزا مناسبا للتمثيل طبيعة الفن المزدوجة. تمثيل ظاهرتي : العقل و الجنون في الفن. ظاهرتي (الديونيسية) و ( الابولية) فيه. يمكن ان يمثل الانغماس في الحسي و اصول الشكل. حيث يصير للاثر الفني حياته الخاصة. و تنتهي الى تخطي حياة الفنان نفسه. و هذا ما تتضمنه الكلمات الغامضة التي ينطق بها التمثال. و قد استيقظ من سبات طويل. عندما يكون التمثال قيد التكوين يكون حبيس عبقرية النحاث  ، حتى ليمكن اعتباره ضحية لها. لكن ما ان يكتمل  و يطلق حتى يغدو بدوره الظافر و السيد المتتصر. يستيقظ العملاق من قمقم السبات الستاتيكي بلسان اجش زجاجي او رخامي قائلا: " اليس من الحماقة ان نوقظ تمثالا من سبات القرون ؟

انتحار النحاث ، من حيث اذا كانت حادثة نطق التمثال تمثل في جملة ما تمثل اسطورة بجماليون  ، فان من جهة اخرى احداث ردهة الفندق عند برناد شو تمثل اسطورة ما بعد بجماليون .بعد اسطورة الخلق و الحياة  تاتي اسطورة التدمير و الموت. و الشاعر او الفنان يقوم بفعل الخلق ، تحطمه مخلوقاته بلا رحمة.

ان عقدة بيجماليون او اسطورة بيجماليون  تطالبنا عن ايجاد اللغز و الحل في نفس الوقت ، جدلية تثنية الفن و الحياة ، فاذا كان الفن قائم على اساس النسبة و التناسب كما يقول ستانسلافسكي فان الحياة بدورها تقوم على النظام و التنظيم ، و ليست الفوضى بكل انواعها النمطية منها و المستحدثة. الحياة هي التي تقلد الفن و ليس العكس.

كان لا بد من وجود اسطورة فنان عندما يضعنا الشاعر في ثلاثية سيكوباتية : الملائكية ، الكهانة ، و النرجسية ،  الخاصيات الثلاث التي تمثل الفنان النحاث بجماليون.

فالملائكية : هي ان الشاعر بخلق عالمه الخاص او الفنان . و يعيش فيه و هذا يطابق لحظة هجر التمثال ( جاتاليا) عالمه الرخامي و رجوعها الى برجها البشري ، ثم الرجوع مجددا الى برجها العاجي.

ان المتحف هو الذي يجعل الصليب ان يغدو نحثا ( مالرو).

اما الكهانة فتتجلى في محافظة بيجماليون و الشاعر اوفيد ؛  النحاث الفنان على اسرار النحث و غيرته عليه. اما النرجسية تتجلى  في ان يفترض في كل فنان ان يكون هو نفسه موضوع نحثه .

كما هي سائر الاساطير الانسانية جاءت لتعلمنا الفن قائم في كل نفس واحد منا. و عليه ان يتدرب ويتكون يوميا كيما يتسنى له القبض على تلك اللحظة المسحورة ، فيخطها على الورق كتابة او بالالوان لوحة فنية ، او  ؤفق الحجوم نحثا.  كيماتسطع مجددا من خلالهم الفضيلة. اين يكون الانسان مضافا الى الطبيعة مكملا و متمما للحياة دون ان يفقد وعيه فيها.

في الاخير يبدو التدمير الفني اقسى انواع التدمير ، حين يعمد الفنان الى جعل بطله يقترف ابشع انواع الجرائم ، و لكنه لن يتركه يغادر مسرح الجريمة حتى يقتل او يلحق الدمار بنفسه.

و لنا نموذجا ماسويا عدة فنانين من انتحروا... او قطعوا اجزاءا من اعضائهم.

مثل البطل اليوناني اياس جن ثم  قتل نفسه بعد ان انزل في ثيرة و اغنام اليونان دبحا و تقتيلا.  او اوديب ملكا جين علم انه تزوج امه و قتل اباه دون ان يعلم ففقع عيناه ثم تاه في المدينة متشردا ،  حتى قضى شريدا طريدا وحيدا. مل هذا ، كيما تتحقق اهم وحدتي التكفير و التطهير.

 /  Catharsis من ادران انفعالات النفس.

غير ان فلسفة شو و كذا توفيق الحكيم اللذان قدما لنا هذه التحفة الفنية الخالدة ترجمة و اقتباسا ، يجب الاتظل فلسفة الشاعر الدرامي ( اوفيد) حبيسة و سجينة ادمغة الباحثين و النقاد و الدارسين ، انما يجب ان تنتقل الى ادمغة عامة الناس ، بل يجب ان تسري في حواسهم مجرى الدم حلما...كلمة..فكرة...وفعلا ليس بفن المسرح و انما بفن الحياة.

 


***********************


***********************

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *