عيسى مزوار
الإعلام والإمام : الأدوار والمهام
بدعوة من نادي البيان وتحت إشراف
مديرية الثقافة والفنون لولاية معسكر، ألقى، صباح يوم السبت 18/12/2021 ابتداء من
الساعة العاشرة، الإعلامي والأستاذ الجامعي أحمد طالب أحمد، محاضرة تحت عنوان
" الإعلام والإمام: الأدوار والمهام "، احتضنتها قاعة المحاضرات لدار
الثقافة أبي رأس الناصري بمعسكر.
نشط هذا اللقاء، الذي دام أكثر من 3 ساعات، د. طاهر بلقدار أستاذ الأدب العربي بجامعة مصطفى اسطنبولي معسكر، الذي حيا في البداية الحضور بقوله: أيها الحضور الكريم المؤمن بالفكرة الثقافية مجالا قيميا في حياة الإنسان، تحية لكم في هذا اللقاء في أسبوعه 98 من عمر هذا النادي، الذي بوجودكم يتجدد وباعتقادكم وقناعتكم الراسخة يخطو بخطى ثابتة. وها هو اليوم يؤكد عهده ويستضيف وجها من وجوه الإعلام الهادف الأستاذ أحمد طالب أحمد، فباسمكم جميعا نرحب به ونقول له أهلا وسهلا بك بيننا، مستحضرا
قول الشاعر:
لقاء الناس ليس يفيد شيئا
سوى الهذيان من قيل
وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا
لأخذ علم أو
لإصلاح حال
ولا شك أن هذا الموقف الموالي يؤكد ما أقوله.
ثم شرع في تقديم سيرته العلمية والمهنية، مقدما لها بعبارة تقال في
النحو:" المعارف لا تعرف ". هناك: النكرة، المعرفة، وأعرف المعارف.
ولاشك أن أ. أحمد طالب أحمد من أعرف المعارف، وأنا واثق من ذلك، فهو:
_حاصل على شهادة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال.
_يحضر لأطروحة دكتوراه موسومة ب" إيديولوجية الدراما
التلفزيونية".
_ أستاذ مؤقت (2017 _2018)
بالمدرسة الوطنية لموظفي السلك الديني دار الإمام.
_ أستاذ مؤقت بكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر العاصمة.
_ يعد ويقدم، ابتداء من سنة
2006،برامج دينية نوعية ومتنوعة بإذاعة القرآن الكريم .
_ يعد ويقدم برامج ثقافية، فكرية، وسياسية متنوعة بالقناة الإذاعية الأولى،
منها على سبيل المثال: ضيف ومسار، المجال، بين الشرق والغرب، هو مجرد رأي.
_ يقدم ، منذ 2009 إلى يومنا هذا ،
في القناة الخامسة للقرآن الكريم للتلفزيون الجزائري ، برامح دينية وفكرية مغذية
للعقل، الفكر والإنسان. منها: اللقاء الأسبوعي مع ثلة من العلماء الأجلاء لمناقشة
قضايا مهمة، وبرامج أخرى منها على سبيل المثال: هذا الحوار، حقائق من وثائق، هلا
سألوا.
_ قدم بالإذاعة الثقافية برنامج" بين الأنا و التاريخ " .
_ محاور بارع بثقافته واعتداله.
_ يؤمن بالروح الإنسانية في تساميها كرمز للتحضر
_ متمسك بالمرجعية الدينية الوطنية
وغيور عليها.
ولما أعطى د. طاهر بلقدار الكلمة
للمحاضر، شكره هذا الأخير على التقديم وقال له: إن الذي قمت به كان في إطار المهمة
التي أسندت إلي مثل أي إنسان آخر لو كان في مكاني. وبعد أن حمد الله وصلى على
رسوله، سلم على الحضور وقال: أسمحوا لي بداية أن أعبر عن سعادتي الغامرة لوجودي
بينكم يا أبناء معسكر: ولاية البيان والعرفان، أبي رأس الناصري والأمير عبد
القادر، العلم والثقافة، المقاومة جهادا واجتهادا. كما شكر نادي البيان على الدعوة
وعلى رأسه أ. عبد الحميد سي ناصر، الذي يتحلى بالصبر وسعة الصدر مثله مثل إخوانه
من أهل معسكر، فكان يؤجل هذا اللقاء كلما قدمت له حججا لعدم توفر الوقت للمجيء .
وقبل أن يدخل في موضوع مداخلته، قال أ. أحمد طالب أحمد: سأتقاسم معكم اليوم
جملة من الأفكار وأرجو أن نتناقش حولها في نهاية عرضي عن ثنائية الإمام والإعلام:
الأدوار والمهام، فالفائدة في المناقشة. سأقترح عليكم منظورات أراها بحكم الممارسة
أكثر من حكم التنظير. هذا هشام بوراس واحد من طلبتي، أهلا وسهلا بك.
مقلدا لأستاذه مولود قاسم، الذي رغم قدرته على الكتابة والجدل الاصطلاحي في
اللقاءات كان يباشر النقاش حتى يفيد الناس، دخل المحاضر مباشرة في صلب الموضوع،
وطرح سؤالا: من هو الإمام؟ و أجاب: هو ذلك الرجل الذي نؤدي خلفه الصلاة ويتقدمنا
يوم الجمعة ليلقي علينا خطبة يجب علينا الاستماع إليها. وأضاف سؤالا آخرا: هل هذا
هو الإمام؟ أليس هو خليفة منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وفي رده، ذكر بأن
الإمام هو رجل من رجالات الإصلاح في المجتمع بحكم وراثته لمنبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم. ومن ثم كان عليه أن يخلفه في الوظائف الاجتماعية في شطرها العلمي
(المعرفة وطلب الفتوى ). ففي ثقافتنا الجزائرية (العربية الإسلامية )، كان الإمام
قائدا مثل: أبي رأس الناصري، الأمير عبد القادر، الشريف التلمساني، السنوسي، أبي
الفضل المشدالي، عبد الرحمان الثعالبي، سيدي بومدين الغوث... الخ. الإمام يتسرب
إلى أسرار الناس بحكم الثقة التي يريدونها فيه: يحدثونه بما لا يحدثون به أقرب
الأقربين إليهم بحثا عن جواب للفتوى أو الإفضاء. وحتى السياسي لما يفشل في حملته
الانتخابية يلجأ إليه ليذكر الناس، يوم الجمعة، بأداء واجبهم الانتخابي، وحتى لو
لم يصرح بذلك. والراتب هو من قلل من قيمته حتى عرف بموظف مركز السكوك البريدية (C.C.P) . وهذا شكل
خطير من أشكال التحقير، يقول المحاضر. ودعا إلى إعادة تعريف الإمام وفق الدور
الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي، الذي قام به الإمام عبر تراثنا العربي الإسلامي،
الذي تنتمي إليه الجزائر. ففي ذلك الوقت، كان الإمام في مقدمة الصفوف لمحاربة
العدو، استجابة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم
به". وإمام اليوم يقوم بدوره في المسجد لكن ضروريات الحياة ابتلعته، ولذلك يجب
بعثه من جديد ليؤدي دوره الاجتماعي على أحسن ما يرام. وختم حديثه عن الإمام، وهو
النقطة الأولى من مداخلته، بقوله: إن حرمة الإمام في دورة الحياة، هي التي تساهم
في حل الكثير من المشاكل التي يعيشها المجتمع.
وبخصوص النقطة الثانية، المتعلقة بالإعلام، بدأ بتعريف الإعلامي: وحسبه،
هو: كل شخص يتعامل مع المعلومة: يستقيها، يحررها، ويقولها للناس، حسب السياق الذي
تطرح فيه (الأنواع الصحافية ). باختصار، هو مكلف بنقل المعلومة. لكن كيف؟ تساءل
المحاضر. وأجاب: يكون ذلك عبر مؤسسة إعلامية، وهي التي تعطيه الشرعية، وخارجها لا
يعتبر إعلاميا. وقد أضرت وسائل التواصل الاجتماعي كثيرا لمفهوم الإعلامي، وأصبح
الكل يقول أنا إعلامي. وهنا التناقض، ففي كل العالم، الصحفي هو من ينتمي إلى مؤسسة
إعلامية. وبخصوص التفرقة بين مصطلحي:الصحفي والإعلامي، قال المتدخل: مصطلح
الإعلامي مصطلح أوسع، وعمل الصحفي الأساسي هو الإعلام الذي يسترزق منه. ومن هنا
تبدأ العلاقة بين الإمام والإعلام. فالإمام ينتمي إلى المؤسسة الدينية (المسجد ).
وانتقل أ. أحمد طالب أحمد بالكلام عن انتماء الإعلامي والإمام إلى مؤسسة، التي
يفترض تاريخ وسائل الإعلام، أن يكون لها تمويلا خاصا (أصحاب الأموال،المصالح...)،
أو عاما (الخزينة العمومية). وصاحب التمويل هو من يملي السياسة التحريرية للمؤسسة.
وتوقف طويلا عند هذه النقطة طارحا السؤال التالي: من أين تستمد مؤسسة المسجد نصها
؟ ولمن يكون ولائها؟ مجيبا على الفور: من الكتاب والسنة. والولاء يكون للمالك الذي هو الله .الإمام هو وارث منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا يكون الولاء إلا لله. وبخصوص المرتب، كان الإمام
في القديم مرفها يكسب النخلة والمعزة ولم يكن محتاجا. لأن المجتمع كان يحتضن دوره
بصفة طبيعية. والآن أصبح يكتسبه من الوظيفة. و بالنسبة للإعلامي، يكون ولائه لممول
المؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليها. إن كانت عامة يكون للدولة. وإن كانت خاصة
للذي يدفع. وفي ظل هذا التوازي بين الخطين، استطرد المحاضر وقال أن الإعلامي يحتاج
إلى الإمام. وطرح سؤالا: ما الذي يريده الواحد من الآخر؟ وفي رأيه عندما تختل العلاقة
بينهما، ينتقد الناس الإمام الذي يجب عليه، إذا أراد الاندماج في الإعلام، أن يحدد
أولوياته ويضع لنفسه حدودا يمارس فيها دوره الاجتماعي حتى لا يبتلعه. فأحيانا يريد
الإعلامي من الإمام أن يدافع عن أيديولوجيته حتى ولو لم يعلن عن ذلك. وأحيانا أخرى
يريده لشكله وصوته اللذان يجلبان المشاهدين، في حالة إذا كانت وسيلة الإعلام
التلفزيون. وعليه، فعلى الإمام أن ينتبه إلى أن لا يستغله الإعلامي ويخرجه من
دائرة الإمامة إلى دائرة الشهرة و
النجومية. وذكر مثال ذلك الإمام من منطقة توات، صاحب زاوية الأمير عبد القادر
بالجزائر العاصمة، ذو الحضور المميز بلغته، لباسه، ورهبته، الذي اعتذر عن مواصلة
تقديم حصة بقناة القرآن الكريم بنصيحة من شيوخه بالابتعاد عن الإعلام والفصل بينه
وبين الإمامة. وقد أبدع في الأستوديو كما أبدع في زاويته مؤديا أدوارا عظيمة أهمها
التعليم القرآني لطلبته حتى من خارج الجزائر.
واستخلص المحاضر في هذه النقطة، بأنه لا ينبغي للإمام أن يكون إعلاميا،
فالمهنتان لا تلتقيان. ولكلاهما خصوصيتها. وقد كرس الإعلام أنماطا من الأئمة:
الإمام الذي تتسلى به الناس مع الأسف، يقول المحاضر فقد وقفت بنفسي على شاب يسمع
لشيخ نجم من نجوم القنوات التلفزيونية ويضحك. ولما سألته: لماذا تتابع هذا الشيخ؟
أجاب: لأنه يضحكني. وفعلا في الفيسبوك يختارون تلك الردود التي فيها نوعا من
التسلية ويعيدونها. الإمام المفتي: الشيخ إسماعيل موسى. الإمام القاضي: الشيخ سعيد
بويزري، الذي يسعى إلى عقد جلسات الصلح في كل وقت وفي كل مكان من الجزائر مستعملا
وسائله الخاصة ومستمدا قوته من سلفه الإمام الذي كان يستلل إلى تفاصيل الناس. وعلى
السياسي الذكي أن ينتبه إلى هذه العلاقة الطبيعية بين الإمام والمجتمع و يسعى إلى
أن تستمر. إن الإمام يحترم العلاقة بين المؤسسات ولا يتدخل في اختصاص العدالة، فهو
يفتي ولا يقضي.
وقبل أن يختم محاضرته قال أ. أحمد
طالب أحمد: من خلال هذه السنوات في عملي الإعلامي، أرى أن الإمام إذا أراد أن يدخل
عالم الإعلام، عليه أن يكون حذرا، مستعدا، محددا لرؤيته وإلا سيبقى بين بين، لا هو
إعلامي مكتمل ويفقد سمعته في المجتمع. ثم ترك الحضور يعيشون معه دقائق قليلة مع
نموذجا للإمام الأصح صاحب الدور الاجتماعي المتمثل في أ. سعيد بويزري، في حوار من
برنامج هلا سألوا بقناة القرآن الكريم الذي وجد الكثير من القبول عند عموم
الجزائريين.
وفي الختام قدم بعض الملاحظات، منها:
_ لقد حققنا واجهة معينة في الإعلام الديني بواسطة أسماء كبيرة مثل:
إسماعيل موسى، سعيد معول، محمد إيدير بوشناق... الخ، وهم يمثلون نموذج الإمام في
الجزائر.
_ إن دور الإمام في الإعلام هو عمل بنائي يجب توخي الحذر فيه حتى لا يشتبك
الدورين ونخسر الإمام.
_
إن أصعب الحصص الدينية في العالم الإسلامي هي الإفتاء على المباشر لأنها
توقع العالم في حرج كبير والسياسي في جدل أحيانا.
_ إننا في قناة القرآن الكريم لا نستقبل مكالمة
المشاهدين عبر جهاز عرض رقم الهاتف وإنما العلاقة بيننا وبين المشاهد هي علاقة
مبنية على الثقة. وكان مديرها الأول أستاذي محمد عوادي يعلمني بأن أجنب الجزائري
عناء الاستفسار خارج الجزائر وأتركه يتكلم كما يشاء وخاصة إذا كان مجاهدا.
_ إن مصطلح الإعلام الإسلامي هو
مصطلح حديث ولم يعرف من قبل وما كان يقوم به الصحابة هو تبليغ للدعوة المحمدية.
_ إن علاقة الإمام بالجمهور علاقة طبيعية.
المناقشة
وعند إعطاء الكلمة للقاعة،
تجاوب الحضور مع محاضرة أ. أحمد طالب أحمد. وكانت المناقشة ثرية بتدخلاتهم
وأسئلتهم التي تنوعت وتمحورت أساسا حول الإمام: دوره في المسجد والمجتمع،مستواه
التعليمي وتكوينه الديني،مرتبه وحالته الاجتماعية،رؤيته وعلاقته بالإعلام.
وقد أجاب المحاضر على كل الأسئلة
الواحدة تلو الأخرى،نجمع بعضها على النحو التالي:
إن الإمام مفهوم لا ينحصر في
أشخاص. هناك أئمة في المستوى وآخرون دونه. وقد تضررت صورته بسبب الأوضاع
السياسية،الأمنية،والاقتصادية،التي عرفتها الجزائر. ولابد من تحسينها عن طريق
تحديد دور الإمام الاجتماعي قانونا بمراجعة قانونه الخاص الذي عرف النور سنة 1993.
ونبدأ بالإمام أستاذ الذي أعتبره الإمام الحقيقي المسير لمؤسسة المسجد، إلى جانب
الإطارات الأخرى المساعدة له: إمام الصلوات الخمس، معلم القرآن،المؤذن،القيم،وإيجاد
آلية قانونية لتدوير هؤلاء الأئمة على المساجد. أنا متعاطف مع الإمام ودوره
الاجتماعي ويجب التفكير في آلية قانونية يمكن استنباطها من تاريخنا الثقافي فيما
يخص دفع راتبه بإعطائه سهم من صندوق الوقف لتحسين وضعه المادي حتى يقوم بدوره
الاجتماعي،لأن مؤسسة المسجد قائمة إلى يوم الدين.وعلينا أن نقر بدوره الاجتماعي
وإن أخطئ يحاسب ويقدم إلى العدالة. فباستطاعة الإمام أن يحل الكثير من المشاكل.
فالشاب الجزائري يسمع للإمام أكثر مما يسمع لأبيه الذي يكفيه الإمام عن الإجابة عن
أسئلة أبنائه. أحيانا يعجز الطبيب النفساني أمام المرض النفسي فيحيل مرضاه نحو
الإمام الذي يحل هذه المشكلة بواسطة رقية دون مقابل.فللإمام سلطة على المصلين. ففي
المسجد يجلس الناس من كل المراتب الاجتماعية على قدم المساواة: الغني
والفقير،المسئول و الشخص العادي. لو أن كل إمام قام بدوره داخل دائرته الاجتماعية
ما ترك للإعلامي شيئا ولحلت أكثر المشاكل التي تواجه الجزائر.
ختم هذا اللقاء بأخذ صورة جماعية تذكارية مع الأستاذ أحمد طالب أحمد.