قراءة في لوحة المجاهدة"جميلة بوباشا" للفنان العالمي (بيكاسو)
العقيد بن دحو
في البدء اذا
حاولنا جادين ان نجد منطلقا ؛ ننطلق من خلاله الى عوالم و ظلال و انوار ، خطوط
تلاقي و توازي التي بدورها تشكل الملمح الاولي للوحة الفنية للمناضلة المجاهدة
جميلة بوباشا للفنان العالمي الرسام بيكاسو.
حتما سنجد
امامنا مختلف المدارس الفنية من " الدادائية" الى "
السيريالية" الى " التكعيبية"
، كما نجد فردانيات اخرى كانت تتميز بها امم و شعوب في المعمورة كالاثار
الزنجية و الاعريقية و الرومانية و الاسطورة و حضارات اخرى....!.
حتما امام
هذه القراءة سنجد انفسنا امام مقولتين شهيرتين للفنان بيكاسو لا يمكن العبور الى اللوحة الفنية دون التوقف
عند احدهما :
- الاولى / هو القائل : " حين يعوزني اللون
الازرق استخدم اللون الاحمر ".
-
الثانية / بقوله : " انا لا ابحث بل
اجد " .
و لان اللوحة
الفنية اختارها او اختارته ان تكون (بورتريه) بقلم الرصاص ، فاختار مادته الاولية
ان تكون بلون الرصاص في زمن الرصاص ، وفي زمن يشهد فيه العالم باجمعه على اعظم
ثورة يسجلها التاريخ البشري. الثورة الجزائرية الكبرى على ارض الواقع. اما على
الصعيد الفني و على ارض اللوحة الفنية
القصيدة الشعرية والدرامية كانت تشهد ثورات من نوع اخرى فكرية لا تقل قوة
بما هو على جبهات القتال. مذاهب كالوجودية و السيريالية و التكعيبية.
تبدو اللوحة
الفنية كمن التقطها ليست بعدسة كاميرا المصور المحترف و لا بعين الرسام العادي ،
مصور الوجوه و الاشكال النمطية ، و انما التقطها بعين حالمة ساحرة اسرة ، لا تسر
الناظرين ، انما تبعثه على التامل و المشاركة في الحياة.
بيكاسو نفسه
لا ينكر بانه كان محبا للصحراء، لذا تراه لن يتوان ان يرمي بشطان كابته ، بكل ثقله
السيكولوجي عرض و طول صحراء قماش لوحته الفنية ، و ترك عوامل الطقس و الطبيعة تكمل
ما بداه من جمال لجميل اسم على مسمى.
و لان
الاسماء و الطباع قلما لا تختلف كان (الموقف) الذي يسبق الصورة، بمعنى كان الشكل !
قد يستغرب
المستقرئ للوحة ان ما رسمه بيكاسو يختلف كليا عما التقطته عدسات كاميرات التصوير
للمجاهدة جميلة بوباشا..
صحيح كما هي
بعين الواقع و انما كما يجب ان يكون .
فعند بيكاسو الصورة
معادل مرئي للاسطورة الاغريقية ، و السحر و الاعاجيب ، كلها تكمن في تلك اللعبة العميقة الجذور لكلمة( تحول). تحويل
الاسرار الى معقولات. الكشف عن وجود حياة روحية لا تدركها الحواس . تشارك في
حياننا اليومية باستمرار. مؤمن بثنائية عالمنا.
وجوه بسيطة
ضبطها في اللخطة التي كانت تغير فيها شكلها
، بين الشكل القديم الذي تتركه و الشكل الجديد الذي تتخذه .
لم يجد
بيكاسو مختلف المفاتيح ليلج مغاليق اطار او برواز الصورة و فك ضفائر طلاسمها ،
انما وجد الطريقة المثلى للمشاركة في الحياة ،فهو كما شارك الصحراء في تشكل الشكل
العام للصورة شارك جميلة و من خلالها كل
جميلات ااجزائر مما يعانبن منه من استعمار بغيض ، يكره المراة الحرة التي تقول له
لا ، لا للظلم ، لا للطغيان ، لا للتعذيب
اخيرا بيكاسو
(وجد) ، كما وجد (ارخميدس) القوة الدافعة التي تدفع الاجسام المغمورة بالماء الى
السطح.
هي نفسها
القوة التي دفعت ارخميدس الخروج من الحمام عاريا يصيح باعلى صوته :
وجدتها....وجدتها......وجدتها./ Urika....Urika....urika
!
ما الذي وجده
بيكاسو في اللوحة و لم يعلن عنه ، و لا سيما الحرب على اشدها بين شعب ثواق للعدل و
الحرية و المساواة ، و بين عسكر غاشم
مستبد للارص و العرض ، للبلاد و العباد.
هذه الثنائية
التي تتشكل عادة في لوحات بيكاسو توشك ان
تكون المكون الحقيقي ، او الحديقة الثقافية ااخلفية التي يستمد منها بيكاسو قواه
الفكرية و مخياله الفني ، متمثلة في
الاسطورة الاغربقية ، اسطورةثنائية : ديونسيوس و الثور !
ربما الملاحظ
لصورة جميلة بوباشا بعد التحويل و التحوير لا يلاحظ هذا الاستنبات الاسطوري. لكن
الملاحظ صاحب الخلفيات المتعددة ، قد يلحظ ملمحا من بعيد يلوح بتلويحات
النوستالجيا الدراما التراجيدبا الماساة الاعريقية . سواء عند اسخيلوس او عند صوفوكل
، في ماساة (اليكترا) او في عقدة (اونتجون) .
هذا لا
يجعلنا ننسى ان بيكاسو شارك كوكتو سنة 1922 في ديكور و ملابس مسرحية اونتجون.
كل هذا جعل
من صورة جميلة بوباشا المجاهدة الجزائرية تحمل ابعادا تاريخية و شبيهة بالتاربخ و
جنون التاريخ.
حين فرد واحد
اعزل و امراة تهزم عرمرم من العسكر و
الجيوش. و في لحظة واحدة فتية اختصرت طيلة قرن و نيف من الاستعمار ، من خلال كل
تلك الخطوط الحزينة القاتمة اظهرت من بعيد خط خفيف على ثغرها يسامت الابتسام.
من الصعب ان
تقرا لوحة بيكاسوية و انت غير ملم بمرجعياته و خلفياته الثقافية اكثر منها تقنيات
و فنيات فن الرسم في حد ذاته.
كونه هو مسبق
يعلن نفسه بغير الرسام فهو الفيلسوف ،المؤرخ ، الرائي الساحر ، و الجواب .ليس بالرسام العادي. تراه
ياخذك الى ( دافني) تلك التي تحولت الى شجرة
، ثم ياخذك الى هيرودياد ، ثم
ياخذك الى ميلوزين و هكذا كل اسم من
اسماء حواء وراءه قصة استنساخ، استنبات....
فمن ابدع
لوحة المجاهدة جميلة بوباشا التي تقدر اليوم 400 مليون دولار الصحراء ام بيكاسو !؟